4:15 مساءً / 19 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

زيت مغمس بالدم ، بقلم : معروف الرفاعي

زيت مغمس بالدم ، بقلم : معروف الرفاعي


في كل موسم زيتون، يتنفس الفلاح الفلسطيني الصعداء، يترقب بقلق بداية موسم جني الزيتون، الذي يعد لحظة تجسد الأمل والتعب، لكنها لحظة مشوبة بالمعاناة والجراح، فشجرة الزيتون ليست مجرد شجرة في الأرض الفلسطينية، بل هي رمز للوجود والصمود، شاهدة على تاريخ طويل من النضال والارتباط الوثيق بالأرض، ولكن هذا الارتباط، وهذا الأمل في حصاد الزيتون، أصبح اليوم يتناغم مع معاناة لا تنتهي بسبب الاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين، الذين حولوا موسم الزيتون إلى كابوس لا ينتهي.


منذ أن تُزرع شجرة الزيتون، يبدأ الفلاح الفلسطيني رحلة طويلة من العمل المضني في أرضه، وليس سهلاً على الفلاح أن يزرع شجرة زيتون أو يعتني بها، إذ يتطلب الأمر سنوات طويلة من العناية والجهد المتواصل، بداية من الري في الصيف الحار، وتقليم الأشجار في الشتاء البارد، وصولاً إلى جني الثمار في موسم الحصاد، ومع مرور الوقت، تصبح الشجرة جزءًا لا يتجزأ من حياة الفلاح، أملًا يغذيه على مدار العام.


لكنه، وفي الوقت الذي ينتظر فيه الفلاح بفارغ الصبر حصاد الزيتون، تأتي الاعتداءات الإسرائيلية لتلقي بظلالها الثقيلة على الأرض الفلسطينية.، ففي كل عام، تتعرض مئات الآلاف من أشجار الزيتون للقطع والتدمير على يد المستوطنين، الذين لا يتوقفون عن تنفيذ هذه الجرائم بكل وحشية، وسط حماية مكثفة من قوات الجيش الإسرائيلي،و يتم اقتلاع الأشجار أو حرقها، ويُسرق الزيتون المحصود قبل أن يصل إلى يد صاحبه، في مشهد مروع يضاعف من آلام الفلاح الفلسطيني.


إن المعاناة لا تقتصر فقط على قطع الأشجار، بل تتجاوزها إلى أبعد من ذلك؛ حيث يعاني الفلاح من صعوبة الوصول إلى أراضيه، فالمئات من الدونمات الزراعية تقع خلف الجدار العنصري، ولا يُسمح لأصحابها بالوصول إليها إلا بتصاريح أمنية مشددة، غالبًا ما يتم رفضها، أما الأراضي القريبة من المستوطنات، فيصبح الوصول إليها أكثر خطورة، إذ لا يستطيع الفلاح الفلسطيني الاقتراب منها خوفًا على حياته من هجمات المستوطنين المدعومين من الجيش.


ومع تزايد الاعتداءات، تتفاقم معاناة الفلاح الفلسطيني، ففي كل عام، تتراوح محاصيل الزيتون بين عام وآخر، ولكن هذا العام يعد موسمًا سيئًا بكل المقاييس، ويُؤكد الخبراء أن شح المحصول بسبب هجمات المستوطنين وارتفاع تكاليف الإنتاج تجعل من الزيت الفلسطيني سلعة نادرة وعزيزة، ما يؤدي إلى ارتفاع سعره بشكل غير مسبوق،ف لم يعد زيت الزيتون الفلسطيني مجرد منتج غذائي، بل أصبح رمزًا للمقاومة، وأيقونة تحدي الاحتلال.


لكن مع كل قطرة زيت يتم استخراجها، تتخللها آثار الدم الفلسطيني، دماء الفلاحين الذين يضطرون للمخاطرة بحياتهم من أجل الوصول إلى أشجارهم وحصادها،ف هذا الزيت المغمس بالدم يحمل قصة شعب كامل من النضال، وكفاحه في الحفاظ على أرضه رغم الاحتلال الذي يحاول سرقتها يومًا بعد يوم.


تضاف إلى هذه المعاناة مسألة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي يفرضه الاحتلال على الفلاحين الفلسطينيين، فالمزارع الذي يعيش في المناطق المصنفة “ج” يعاني من عدم وجود البنية التحتية المناسبة لدعم عمله الزراعي، ناهيك عن ضعف دعم الحكومة الفلسطينية للقطاع الزراعي، ما يجعل من صراع الفلاح الفلسطيني مع الاحتلال ومع ظروفه الاقتصادية صراعًا طاحنًا يتطلب منه الكثير من التضحية والصبر.


وعلى الرغم من كل هذه الصعاب، لا يزال الفلاح الفلسطيني يتشبث بالأمل،و لا تزال أشجار الزيتون تُزرع وتنمو، كما أن قلب الفلاح ينبض بالحب لأرضه، ويريد أن ينقل هذا الحب إلى أبنائه وأحفاده، لكن حتى يأتي اليوم الذي يتحرر فيه الفلسطيني من ظلم الاحتلال، فإن الزيت الفلسطيني سيبقى مغمسًا بالدم، مرفوعًا كعلم عزة ومقاومة، يعكس كل معاناة الفلاحين وهم يواصلون الدفاع عن أرضهم، وقلوبهم مليئة بالأمل.


اخيرا، يُمثل الزيت الفلسطيني أبلغ تعبير عن الكفاح المستمر ضد الاحتلال،ف هو زيت مسروق من عرق الفلاحين ودمائهم، لكنه في نفس الوقت، يحمل في طياته تاريخًا طويلًا من المقاومة والتمسك بالأرض، وكلما ارتفع سعر الزيت، تذكرنا أن الفلاح الفلسطيني لا يزرع شجرة الزيتون فقط من أجل محصولها، بل من أجل حقه في الحياة على أرضه.

شاهد أيضاً

صبري صيدم يستقبل سفير الصين لدى فلسطين تسنغ جيشين

صبري صيدم يستقبل سفير الصين لدى فلسطين تسنغ جيشين

شفا – استقبل نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح صبري صيدم، في مكتبه برام …