
قراءة ادبية في قصيدة نساء الضوء للشاعرة – رانية مرجية ، بقلم الدكتور عادل جودة
أيتها القصيدة التي تتكلم باسم كل امرأة تبحث عن ضوئها في عتمة الزمن
أيتها الوجعة التي تحولت إلى كلمات تشق طريقها مثل نهر لا يعرف التراجع.
إن “نساء الضوء” ليست مجرد قصيدة
بل هي بيان وجودي
ونشيد كينونة وتذكار للمجهضات من الأحلام والكلمات.
في “افتتاح النار” نجد أن الوجع هو اللغة الأولى هو البذرة التي انفلقت منها الكلمة. وكأن الشاعرة تقول إن المعاناة ليست عجزاً، بل هي مخاض ضروري للولادة.
والولادة هنا ليست لحظة تنتهي، بل اتجاه وجودي – حركة مستمرة نحو النور مثل نبات لا يتوقف عن البحث عن الشمس.
“المرايا التي لم تكتمل” هي استعارة مذهلة عن توارث النساء للهويات المبعثرة.
كسر المرايا ليس تدميراً
بل هو تجميع لشظايا الوجوه الممزقة عبر الأجيال.
إنهن لا يبحثن عن انعكاس كامل في مرآة واحدة
بل يجمعن أجزاء هوياتهن من قصص الجدات والأمهات.
كل تجعيدة تصبح سجلاً للمقاومة
وكل خصلة شعر تصبح جسراً بين الماضي والحاضر.
“كتاب الجسد” هو فصل التمرد على ثقافة العيب والوصاية.
الجسد هنا ليس عورة تُخبأ، بل نص مقدس تُكتب حريته بيد صاحبته.
الردود الحاسمة في القصيدة – “الصمت حين يُفرض عري” – هي صياغة لاهوت أنثوي جديد، حيث تصبح الرغبة نبضاً وجودياً والندبات شهادات على الانتصار في حروب البقاء.
“جغرافيا الأخوات” ترسم خريطة تضامن عابرة للحدود حيث تلتقي النساء في فضاء أخوي.
ليس تضامناً سطحياً بل التزام أخلاقي عميق: “نقسم أن نحمل بعضنا حين نثقل”.
إنه عقد إنساني توقعه القلوب قبل الأيدي.
“العدالة والذاكرة” ترفض فكرة العدالة المجردة وتطالب بذاكرة تعيد كتابة التاريخ من منظور النساء.
التاريخ الذي يبدأ من “أول امرأة فتحت نافذة وقالت:
الهواء حق أيضاً” هو تاريخ يكتب من الأسفل من لحظات التمرد اليومية.
“النهوض كعادة يومية” تحول النضال من حدث استثنائي إلى ممارسة وجودية.
النهوض هنا ليس بطولة بل عادة عضلات وذاكرة قلب.
إنه إشعال لأصابع النور في ظلمة العالم، حتى لا يستطيع أحد إخفاء النهار.
“بيان الضوء” هو الإعلان الأخير عن الوجود الكامل.
لسن هامشاً في نص الذكورة، بل هن اللغة التي تصحح المعنى.
والتمييز هنا بين معاداة الرجال ومعاداة النقص تمييز حكيم يضع النضال في إنسانيته الواسعة.
- وأخيراً “الاسم الذي لا يُمحى” هو الوصية الأخيرة –
أن الكتابة فعل مقاومة ضد النسيان، وأن الضوء كافٍ للخلاص.
هذه القصيدة ليست مجرد نص بل هي كون شعري كامل فيه فلسفة وجودية ولاهوت تحرير وأنثروبولوجيا مقاومة.
إنها تذكير بأن الشعر يمكن أن يكون سلاحاً وبلسماً، صرخة وصلاة، ندبة وضمة.
إنها تقول ببساطة عميقة:
نحن هنا، ولن نغيب بعد اليوم.
فحين تكتب المرأة نفسها
فإنها لا تروي تاريخها فقط بل تصنع مستقبلها.
وكما قالت الشاعرة:
“بأسمائنا ننجو”.
فليكن هذا البيان النور الذي لا ينطفئ.
تحياتي واحترامي
نساء الضوء- رانية مرجية
. ١-افتتاح النار
في البدءِ لم تكن الكلمة،
كان الوجعُ يتلمّسُ طريقَه نحو النطق.
صرخةٌ أولى كسرت جدارًا،
وانفتحَ بابان:
واحدٌ على العالم،
وآخرُ على الذات.
ومنذ تلك اللحظةِ أدركَ الضوءُ أنَّ الولادةَ ليست حدثًا، بل اتجاهًا.
- المرايا التي لم تكتمل
نحنُ بناتُ نساءٍ لم تكتملْ صورُهُنّ في الزجاج.
كسَرْنا المرايا لا لنُبعثرَ وجوهَنا،
بل لنجمعَ وجوهَهُنّ كلّها دفعةً واحدة.
في الشظايا رأينا الجباهَ التي علّمتِ التجاعيدَ معنى الصبر،
والأيادي التي اقتسمتِ الخبزَ والقلبَ بالعدل نفسه..
كلُّ تجعيدةٍ توقيعُ مقاومةٍ صغيرة،
وكلُّ خصلةِ شعرٍ حبلٌ يصلُ لغةَ اليوم بأغنيةِ الأمس.
لا مرآةَ تُكمِلُنا —
نحنُ الذين نكمّلُ الضوء.
3.كتاب الجسد
جسَدُنا كتابٌ مفتوحٌ على احتمالاتِه.
لا يُفتيهِ عرفٌ بلا قلبِنا،
ولا يوقّعُ سيادتَه إلا رضانا.
قالوا: الحشمةُ صمت.
قلنا: الصمتُ حين يُفرَضُ عُري.
قالوا: اخفِضي رغبتَكِ.
قلنا: الرغبةُ نبضٌ، ومن يُطفئُ النبضَ يعلنُ وفاةَ الإنسان.
ندباتُنا ليست عيبًا، بل فصولٌ ناجيةٌ من حروبٍ صغيرة.
دلائلُ أننا عبرنا ولم نخنْ أنفسَنا.
- جغرافيا الأخوات
من شمالِ الأرضِ وجنوبِها تتردّدُ الأصوات:
امرأةٌ تخيطُ لابنتها معطفًا من قصائد،
وأخرى تطبخُ حساءً يدفّئُ الأخبارَ الباردة،
وثالثةٌ تكتبُ استقالتَها من الخوف وتضعُها تحت وسادتها.
نلتقي في المنتصف
لغاتٌ كثيرة، وإيقاعٌ واحدٌ للقلب.
نقسمُ أن نحملَ بعضَنا حين نثقل،
أن نختلفَ بلا خصومة،
وأن نبقي بابَ العودةِ إلى أنفسِنا مفتوحًا دائمًا.
يدٌ على كتف، وصوتٌ إلى صوت؛
هكذا تُبنى الجسورُ حين يغيبُ البنّاء.
- العدالة والذاكرة
لسنا نطلبُ عدالةً عمياء،
بل ذاكرةً مبصرةً تُعيدُ الأسماءَ إلى أصحابِها.
تُكتَبُ حكاياتُنا كما جرتْ في دمِنا،
لا كما صاغها خوفُ مَن امتلكَ القلم.
نريدُ تاريخًا يبدأُ من أول امرأةٍ فتحتْ نافذةً وقالت:
.“الهواءُ حقٌّ أيضًا”
- نهضةٌ كعادةٍ يوميّة
ننهضُ كلَّ صباحٍ كما تنهضُ الحقولُ من نوم المطر.
لا ننتظرُ إذنًا، ولا نطلبُ تصفيقًا.
النهوضُ عندنا عادةُ عضلاتٍ وذاكرةُ قلب.
كلُّ نهوضٍ يُشعلُ أصبعًا في يدِ العالم،
وحين تمتدُّ اليدُ كاملةً بالضوء،
لا أحدَ يستطيعُ إخفاء النهار.
يا جسدُ، تذكّرْ عادتَك القديمة: النهوض.
يا قلبُ، لا تُساومْ على النبض.
- بيان الضوء
لن نكونَ هامشًا في نصٍّ يُقرأ بعينٍ واحدة.
نحنُ اللغةُ التي صحّحتِ المعنى،
والجملةُ التي أعادتْ للوجودِ وزنَه العادل.
لسنا ضدَّ الرجال؛ نحنُ ضدَّ النقص أيًّا كان وجهُه.
نكتبُ كي لا يُعادَ دفنُنا بالصمت،
نرقصُ كي تتذكّرَ الأرضُ قلبَها،
ونصلّي كي يتذكّرَ الخالقُ أنّه نفخَ فينا الروحَ ذاتها.
8 الاسمُ الذي لا يُمحى
نكتبُ كي لا تُنسى الجدّاتُ اللواتي خبأنَ أحلامَهُنّ في وسائدِ البنات
نكتبُ لأنّ القصيدةَ لا تنتهي ما دامَ في الأرضِ امرأةٌ
تكتبُ نفسها من جديد… وتصدّق
الضوءُ كافٍ
وبأسمائنا ننجو
ميثاق نساء الضوء
الجسدُ سيادةٌ وحدودُه الرضا.1
الصوتُ حقٌّ في البيتِ والشارعِ والقانون.2
الحبُّ علاقةٌ تُبنى، لا ملكيّةٌ تُدار.3
العملُ كرامةٌ وأجرٌ عادل.4
الذاكرةُ عدالةٌ تُروى بأصواتِنا.5
الأختُ أولًا: نُسنِدُ قبل أن نحكم.6
7.اللغةُ بيتٌ يتّسعُ لكلِّ المعاني الجديدة