
من فندق بلازا إلى الكنيست ، تحليل توجيه ترامب السياسي في البرلمان الإسرائيلي ، تحليل ، بقلم : سامية عرموش
من منا ينسى تلك اللحظة الوجيزة في فيلم “وحيد في المنزل 2: ضائع في نيويورك” (Home Alone 2: Lost in New York) (1992)، عندما يلتقي الطفل كيفن ماكاليستر بدونالد ترامب في فندق بلازا؟ كان الحوار بسيطًا، لكنه اليوم يحمل دلالات سياسية معقدة:
كيفن: “عفواً، أين اللوبي؟”
ترامب: “أسفل القاعة إلى اليسار.”
المشهد كـ”متناص” سياسي: النرجسية والتموضع في المركز
لقد تحول هذا المشهد إلى أيقونة ثقافية تعكس الاستراتيجية الإعلامية والسياسية لدونالد ترامب: التموضع الدائم في مركز السرد.
على عكس معظم الشخصيات العامة التي تظهر في أدوار شرفية (Cameos) ثم تختفي، أصر ترامب على تحويل لحظته العابرة إلى مصدر جدل مستمر، مما يكشف عن فهمه العميق لقوة الصورة والجدل في صناعة “الحقيقة” (خاصة في عصر ما بعد الحقيقة – Post-Truth Era).
الجدل الذي يرفض أن يموت: ندم المخرج و”عظمة” ترامب
تجّدد الجدل حول هذه الثواني مؤخراً، محولاً لقطة عابرة إلى قضية رأي عام، بسبب تضارب الروايات بين البطلين، وهو ما يمثل صراعاً على ملكية السرد:
رواية الندم (المخرج كريس كولومبوس): أكد المخرج، وهو من أصول إيطالية، أن ظهور ترامب لم يكن خياراً فنياً بل شرطاً إجبارياً فرضه ترامب للسماح بالتصوير في الفندق الذي كان يملكه. وصف كولومبوس المشهد بأنه “لعنة” و”شيء يتمنى لو لم يفعله”، وهو ما يعكس محاولة من المبدع لاستعادة سلطته على النص الفني.
رواية التوسّل (دونالد ترامب): رد ترامب بقوة، نافياً استغلال نفوذه، ومُدّعياً أن طاقم الإنتاج هو من “توسّل إليه” للمشاركة. تساءل ترامب بنرجسية معتادة: “لماذا أبقوني في الفيلم لأكثر من 30 عاماً؟ لأن الجواب الوحيد هو أنّني كنت، وما زلت، عظيماً في الفيلم!”.
هنا، يظهر المشهد كمثال على ظاهرة “الما وراء-السينما” (Meta-Cinema)، حيث تتجاوز القصة حدود الشاشة لتصبح جزءاً من السرد السياسي والإعلامي المستمر.
“أسفل القاعة لليسار”: قراءة في التوجيه والنفوذ (Lobbying) في الكنيست
يكتسب السطر القصير الذي قاله ترامب دلالة سياسية خاصة عند ربطه بالوقائع اللاحقة، وتحديداً خطابه في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 13 أكتوبر 2025، والذي جاء بعد قرار وقف الحرب في غزة وقبل مشاركته في قمة شرم الشيخ حول نفس القضية.
يمكن قراءة المشهد من منظور التحليل الرمزي السياسي (Political Semiotics) على النحو التالي:
- توجيه المسار إلى مركز السلطة
توجيه ترامب لكيفن يتحول إلى رمز لـ “التوجيه السياسي” المباشر. عبارته “أسفل القاعة إلى اليسار” تُقرأ كرسالة للحلفاء: “اذهب في هذا الاتجاه المحدد. مركز القوة يقع حيث أُشير أنا”.
إن حضوره وإلقاءه خطاباً في الكنيست في خضم مفاوضات وقف إطلاق النار والمؤتمرات الإقليمية يمثل فعلاً توجيهياً؛ فهو يثبت حضوره كصانع قرار خارجي يمنح الشرعية أو يحدد البوصلة السياسية للحليف في مرحلة حساسة تتطلب استراتيجية جديدة بعد الحرب.
- النفوذ المشروط للوصول إلى “اللوبي” السياسي
يعكس المشهد فكرة أن الوصول إلى “اللوبي” (مركز القرار/السلطة) ليس مجانياً بل يتطلب الخضوع لشروط “المالك”.
اللوبي (The Lobby): هو مصطلح سياسي يعني جماعات الضغط والنفوذ.
النقد: الدعم السياسي المقدم من ترامب لا يأتي بلا ثمن. قيمته تُدفع بقبول التوجيه والإشادة بالطرف الداعم. هذا يربط ببراعة النفوذ المالي القديم لترامب (كصاحب فندق) بأجندته السياسية الحالية (كشخصية عالمية توجه القوى عبر منصات سياسية رفيعة مثل الكنيست). المشهد بأكمله يرمز إلى أن “نفوذ المال على الفن” قد تحول إلى “نفوذ القوة على السياسة” في أهم مراكز القرار لدى الحليف.
في الختام: ترامب كـ”منتج” للجدل
السطر القصير من “وحيد في المنزل 2” يتحول إلى أداة تحليل تكشف عن استراتيجية ترامب الثابتة: هو لا يكتفي بالتموضع في مركز الحدث، بل يصر على أن يكون منتجاً (Producer) للجدل الذي يدور حوله.
سواء كان ذلك في فيلم عائلي أو في أشد الصراعات السياسية، يتبع ترامب نمطاً ثابتاً: التمسك بـسردية “العظمة” ونفي أي نقد، بغض النظر عن ثمن ذلك أو ندم الآخرين. هذه هي قوته، وهي أيضاً مصدر الجدل اللانهائي الذي يلاحقه.
- – الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع “ثقافة السينما” من جامعة حيفا.