1:28 مساءً / 13 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الحرية تولد من رحم الصبر ، 1996 زهرة حرية تتفتح من ظلمة الأسر ، بقلم : معروف الرفاعي

الحرية تولد من رحم الصبر ، 1996 زهرة حرية تتفتح من ظلمة الأسر ، بقلم : معروف الرفاعي

في مشهد إنساني يهزّ الوجدان، ستتنفس فلسطين اليوم نسائم الحرية من صدور أبنائها الذين طال انتظارهم، إذ سيتم الافراج عن 1996 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال، بينهم نحو 250 أسيراً محكوماً بالمؤبدات، أمضى بعضهم أكثر من ثلاثة عقود خلف القضبان، بين الزنازين والقيود والانتظار الذي لا يعرف نهاية.


إنها لحظة تتقاطع فيها الدموع مع الابتسامات، والحزن مع الفرح، والذاكرة مع الأمل، ولحظة تتحدث فيها الأرض، وتبكي فيها الأمهات، وتستيقظ فيها البيوت التي نامت على أوجاع الغياب لعشرات السنين.


في سجون الاحتلال، لم يكن الزمن يمرّ كما يمرّ عند الآخرين، فكل دقيقة كانت وجعًا، وكل ساعة كانت صراعًا مع القهر والبرد والعزلة، وهؤلاء الأسرى عاشوا سنوات طويلة في زنازين ضيقة لا تدخلها الشمس، تحت ظروف قاسية من القمع والإهمال الطبي والتعذيب النفسي والجسدي، وحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية.


منذ السابع من أكتوبر، ازدادت معاناتهم قسوة، إذ شدّد الاحتلال إجراءاته، وقطعت الزيارات، ومنع التواصل مع العالم الخارجي، وكأنهم أحياءٌ في مقابر صامتة، لا يُسمع فيها سوى أنين الصبر وأمل الحرية.

كل أسير هو حكاية وطن، وحكاية قلبٍ ظلّ معلقاً على نافذة الانتظار، فهناك من سيخرج اليوم لا يعرف ابنه، فقد وُلد وكبر بعيداً عنه، وهناك من سيحتضن ابنته للمرة الأولى بعد عشرين عاماً من الفقد.


وهناك من فقد والديه أو أحدهما، فخرج ليجد أن اليد التي كانت تلوّح له خلف القضبان قد غابت، وأن القلب الذي صبر معه لم يعد في هذه الدنيا.


بعضهم سيخرج ليكتشف أن لديه أحفاداً لم يعرفهم قط، وأن الزمن سرق منه ملامح الوجوه والأمكنة، سيخرجون إلى عالم تغيّر كثيراً، إلى وطنٍ ما زال يئنّ من الجراح، لكنّه يفتح ذراعيه لهم، كما تفتح الأم صدرها لطفلها العائد بعد غياب طويل.


وراء كل أسير حكاية امرأة عظيمة، أمٌّ انتظرت على أعتاب السنين، ووقفت أمام السجون تحمل صورة ابنها دون أن تكلّ أو تملّ، وزوجةٌ سهرت الليالي تعدّ الأيام، وتحلم بوجهٍ لم تره إلا في الصور، وتعيش على وعد اللقاء الذي طال كثيراً.


هؤلاء النسوة هنّ رمز الصبر الفلسطيني المتجذر، حملن الوجع كما يحملن الأمل، وربين الأبناء على الوفاء، وغرسن في القلوب يقيناً بأن الحرية آتية مهما طال الليل.


لكن الحرية، رغم جمالها، تحمل في طياتها ألمًا جديدًا، فالكثير من الأسرى المفرج عنهم لن يعودوا إلى بيوتهم، إذ منع الاحتلال عائلاتهم من السفر إلى مصر للقاء أحبّتهم، وكأن الحرية نفسها يجب أن تبقى ناقصة في عيونهم.


سيجد بعضهم نفسه غريبًا بين الناس، يحاول أن يتأقلم مع حياةٍ لم يعشها منذ عقود، مع لغةٍ تغيرت، وتكنولوجيا لم يعرفها، ووجوهٍ استبدلتها السنون بوجوه أخرى، فهم يدخلون عالمًا جديدًا من الارتباك والحنين، بين الفرح بالخلاص من القيد، والضياع في زمن لم يعد يشبه ما تركوه خلفهم.


ورغم كل هذا الألم، تبقى هذه اللحظة شمعة في ليل فلسطين الطويل، فحرية الأسرى هي نصرٌ للإنسان، نصرٌ للإرادة على الجدران، وللأمل على القيود.


سيبدؤون اليوم رحلة جديدة، رحلة بناء الحياة بعد أن كادت تنتهي داخل الزنازين، رحلة استعادة الروح التي لم تمت رغم كل شيء، وسيحاولون أن يعيدوا اكتشاف أنفسهم، وأن يرمموا ما تبقّى من العمر، وأن يعيشوا ما حُرموا منه لأعوام طويلة.


هذه ليست مجرد صفقة حرية، بل هي عودة للحياة، هي صرخة تقول إن الظلم مهما طال، فإن الحرية لا تموت، وإن شعباً يصبر هكذا، لا بد أن ينتصر يوماً.

  • – معروف الرفاعي – سياسي واعلامي مقدسي

شاهد أيضاً

الرئيس عباس يصل مصر للمشاركة في قمة شرم الشيخ للسلام

الرئيس عباس يصل مصر للمشاركة في قمة شرم الشيخ للسلام

شفا – وصل، رئيس دولة فلسطين محمود عباس، إلى مدينة شرم الشيخ المصرية، للمشاركة في …