2:53 مساءً / 13 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

صالح الجعفراوي… ابتسامة لم تُقصف ، بقلم: الإعلامي سليم ناصر

صالح الجعفراوي… ابتسامة لم تُقصف ، بقلم: الإعلامي سليم ناصر

صالح الجعفراوي… ابتسامة لم تُقصف ، بقلم: الإعلامي سليم ناصر

رحل المراسل الميداني الذي حوّل الكاميرا إلى شاهد على الحقيقة وابتسامته إلى رسالة أمل

في غزة، حيث تتشابه الأيام بين دمارٍ ودمٍ وحصار، كان هناك وجهٌ يعرفه الناس جيدًا. وجهٌ بسيط، مفعم بالإنسانية، يقف أمام الكاميرا مبتسمًا وسط الركام، كأنه يقول للعالم: ما زلنا على قيد الكرامة.


ذلك الوجه هو وجه الصحفي الفلسطيني الراحل صالح الجعفراوي، الذي غيّبه الموت وهو يؤدي رسالته في توثيق الحرب والوجع الفلسطيني، تاركًا خلفه فراغًا لا يُملأ وعدسةً لم تنطفئ بعد.

وجه قريب إلى القلب

كان صالح الجعفراوي من بين قلائل جعلوا من المهنة التزامًا إنسانيًا قبل أن تكون عملًا إعلاميًا. وجهه القريب إلى القلب وابتسامته العفوية صنعا رابطًا مباشرًا بينه وبين الجمهور؛ لم يكن مراسلًا رسميًا بقدر ما كان ابن الحيّ، وصوت الناس، وعين الحقيقة.


في مقاطعه المصوّرة، كان يتحدث بصدقٍ خالٍ من التكلّف، يصف الواقع كما هو دون شعارات أو مبالغات. ولهذا، صدّقه الناس.

ابتسامته التي رافقته في الميدان لم تكن زينةً أمام العدسة، بل كانت سلاحًا نفسيًا في وجه الموت. في لحظات الخطر، كان يبتسم — لا تحدّيًا، بل إيمانًا بأن الصحافة يمكن أن تكون فعل حياة وسط الموت.

كاميرا لا تعرف الخوف

تنقّل الجعفراوي بين أحياء غزة المدمّرة بعد كل قصف، يصوّر وينقل شهادات الناس. كثيرون رأوه في مقاطع مصوّرة وهو يتقدّم بخطواتٍ ثابتة نحو الدخان، لا مبتعدًا عنه.


قال ذات يوم، في أحد منشوراته التي تفاعل معها آلاف المتابعين:

“لن أخشى الموت، وسأبقى شوكة في ظهرهم.”

كانت تلك العبارة شعارًا لرسالته. لم يكن يبحث عن بطولات شخصية، بل عن لحظة توثيقٍ تحفظ الحقيقة من النسيان.

رحيلٌ صعب ووجعٌ عام

في الأيام الماضية، تناقلت وسائل إعلام محلية أنباء فقدان الاتصال بالزميل الجعفراوي أثناء تغطيته الميدانية في أحد أحياء غزة، قبل أن ترد تقارير تفيد باستشهاده.


ورغم غياب التأكيد الرسمي من العائلة في الساعات الأولى، فقد امتلأت مواقع التواصل بصوره ومقاطعه، وانهالت عليه كلمات الوداع من زملائه وإعلاميين من مختلف الدول العربية، الذين وصفوه بأنه “ابتسامة الميدان وصوت الناس الحقيقي”.

رحيله ليس مجرّد خبرٍ عابر، بل خسارة لجيلٍ صحفيٍّ شابٍّ آمن بأن الكاميرا يمكن أن تكون درعًا أخلاقيًا أمام آلة القتل.

ذاكرة لا تموت

ترك صالح وراءه أرشيفًا إنسانيًا ضخمًا من المقاطع والتقارير التي وثّقت المأساة الفلسطينية بعيونٍ محلية حقيقية.
كان من أوائل الذين نقلوا صور الأطفال بين الأنقاض والأمهات المكلومات، لكنه كان حريصًا في الوقت ذاته على أن يُظهر الأمل — الأطفال الذين يضحكون رغم الخوف، والأسر التي تعيد ترتيب حياتها تحت الخطر.

وبينما رحلت كاميرته عن الميدان، ستبقى تلك اللقطات حيّة، شاهدةً على أن في غزة وجوهًا ابتسمت رغم كل شيء.

خاتمة: حين تصبح الابتسامة موقفًا

رحل صالح الجعفراوي تاركًا درسًا بسيطًا في المهنة والإنسانية:


أن تكون قريبًا من الناس لا يعني أن تفقد مهنيتك، وأن تبتسم لا يعني أنك نسيت الألم.
لقد كان — بوجهه القريب إلى القلب وابتسامته العفوية — تجسيدًا لفكرة أن الصحافة ليست مجرد نقل خبر، بل مقاومة بالصورة والكلمة والإنسانية.

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ستبقى ابتسامته التي قاومت الحرب رمزًا للصدق، وملامحه التي أحبها الناس مرآةً لروح غزة التي لا تنكسر.

شاهد أيضاً

الصين تطلق بنجاح قمراً اصطناعياً تجريبياً جديداً

الصين تطلق بنجاح قمراً اصطناعياً تجريبياً جديداً

شفا – أرسلت الصين بنجاح اليوم الإثنين قمراً اصطناعياً تجريبياً جديداً إلى الفضاء، من مركز …