9:32 مساءً / 10 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الصين والدول العربية تعمل معا لرسم مخطط جديد للحوكمة العالمية ، بقلم : تشاو شواي

الصين والدول العربية تعمل معا لرسم مخطط جديد للحوكمة العالمية ، بقلم : تشاو شواي

يشهد العالم اليوم تغيرات عميقة لم يشهدها منذ قرن، مع انتشار الأحادية والحمائية، وتصاعد الصراعات الجيوسياسية، وتعدد التحديات العالمية. يظهر نظام الحوكمة العالمية القديم بشكل متزايد محدوديته وظلمه، مما يُصعّب عليه التكيف مع متطلبات العصر الجديد. في هذا المنعطف التاريخي، تُعدّ “مبادرة الحوكمة العالمية” التي اقترحتها الصين بمثابة منارة تُضيء الطريق الأمامي للمجتمع الدولي الذي يتخبط في الضباب، حيث تتحقق المزيد من الدول من القيمة العميقة والأهمية العصرية التي تحملها هذه المبادرة. وكانت الصين والدول العربية، كقوى مؤثرة في العالم النامي، تعمل معا لتحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. لا يقتصر تعاونهما على الشعارات والتصريحات، بل يتجسد مفهوم الحوكمة العالمية المتمثل في التشاور والتشارك والتقاسم موضع التنفيذ من خلال سلسلة من المشاريع العملية المرئية والملموسة والإجراءات المنسقة. ويعزز بشكل مشترك بناء عالم أكثر تعددية الأقطاب وعدالة ونظاما، ويحقن زخما قويا في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.


قدمت الصين والدول العربية نموذجا رائدا في تعزيز العدالة والاستدامة للتنمية العالمية من خلال مشاريع التعاون الملموسة. في مصر، اجتذبت منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري الصينية المصرية (تيدا) أكثر من 130 شركة، مما يوفر فرص عمل مباشرة لنحو 50 ألف شخص ويشكل مجموعات صناعية متعددة مثل مواد البناء الجديدة ومعدات البترول والأجهزة الكهربائية ذات الجهد العالي والمنخفض، وما إلى ذلك. ولم يعد هذا مجرد مشروع مقاولات هندسية بسيط، بل أصبح مزيجا من رأس المال والتكنولوجيا والخبرة الإدارية الصينية مع المزايا الجغرافية والعمالية المصرية، مما يساعد مصر على تحقيق “حلم التصنيع” وتقديم نموذج إقليمي للتنمية الاقتصادية العالمية المتوازنة. في المملكة العربية السعودية، تشارك شركات الطاقة الكهروضوئية الصينية بنشاط في مشاريع الطاقة المتجددة الكبرى ضمن “رؤية 2030” السعودية، مثل مشروع تخزين الطاقة في البحر الأحمر، الذي يهدف إلى إنشاء أكبر مدينة خضراء خالية من الكربون في العالم. في الإمارات العربية المتحدة، يعد مشروع محطة الطاقة الشمسية الحرارية في دبي بقدرة 700 ميجاوات الذي تنفذه شركات صينية، أكبر محطة للطاقة الشمسية الحرارية في العالم، مما زاد بشكل كبير من نسبة الطاقة النظيفة في هيكل الطاقة في الإمارات. وتعمل هذه التعاونات على تحويل أهداف حوكمة المناخ العالمية بشكل مباشر إلى بنية أساسية خضراء محددة، ومعالجة التحدي العالمي المتمثل في تغير المناخ بشكل مشترك.


في المجالين السياسي والأمني، اتخذت الصين والدول العربية نهجا منسقا في دعم مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومعارضة الهيمنة والعقوبات الأحادية على الساحة الدولية المتعددة الأطراف. لقد أحبطت الصين مرارا وتكرارا المؤامرات المناهضة لها من قبل بعض الدول بشأن قضايا مثل حقوق الإنسان وشينجيانغ وهونغ كونغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحصلت على دعم قوي من الدول النامية، بما في ذلك العديد من الدول العربية. وبالمثل، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لطالما كانت الصين داعما قويا لقضية الشعب الفلسطيني. وفي السنوات الأخيرة، عملت الصين على تعزيز القضية الفلسطينية لتحتل مكانة مهمة على أجندة الأمم المتحدة، وواصلت تقديم المساعدات الإنسانية. تلعب الصين دورا بناء في القضايا الساخنة بالمنطقة. وفي عام 2023، بفضل الوساطة الصينية، نجحت المملكة العربية السعودية وإيران في تحقيق مصالحة تاريخية، مما حقق استقرارا ثمينا لمنطقة الشرق الأوسط المضطربة. تجسّد هذه الممارسة الناجحة تجسيدا واضحا لمبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين، وتُمثّل مسارا جديدا لحل النزاعات عبر الحوار والتشاور، والحفاظ على السلام الإقليمي عبر التنسيق بين القوى الكبرى، وقد لاقت إشادة وترحيبا واسعا من الدول العربية. وفي اليمن وسوريا والسودان وأماكن أخرى، قدمت الصين دفعات متعددة من المساعدات الغذائية الطارئة والإمدادات الطبية والمساعدات النقدية للأشخاص المتضررين من الصراعات في المنطقة العربية من خلال القنوات الثنائية ومنظومة الأمم المتحدة، مما يدل على مسؤولية دولة كبرى في الشؤون الإنسانية العالمية، وهو عكس ما تقوم به بعض الدول التي تكتفي بتوريد الأسلحة.


إن الحوكمة العالمية لا تعني تنسيق القواعد والمصالح فقط، بل كانت أيضا التبادل والتكامل بين الحضارات المختلفة. نجحت الصين والدول العربية في حقن الجينات الثقافية للتناغم والتعايش في الحوكمة العالمية من خلال التبادلات الشعبية الغنية والمتنوعة. يتزايد عدد برامج التعليم التعاوني بين الجامعات الصينية والعربية. في الوقت نفسه، يتزايد الإقبال على تعلم اللغة الصينية في الدول العربية، وقد قامت دول مثل السعودية والإمارات ومصر بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، وأدى ذلك إلى تنمية عدد كبير من المواهب الشابة من الجانبين الذين يفهمون الثقافتين الصينية والعربية، ووضع أساس اجتماعي ورأي عام متين للتعاون الاستراتيجي طويل الأمد. وبالإضافة إلى ذلك، من معرض الآثار الثقافية الصينية الذي أقيم في مدينة العلا القديمة في السعودية، إلى الإنتاج المشترك بين الصين ومصر للفيلم الوثائقي “أقنعة وكنوز”، إلى استضافة الجانبين للمهرجانات الفنية والسياحية، سمحت هذه الأنشطة للحضارتين القديمتين بإجراء حوار معمق مرة أخرى في العصر الجديد، وتعزيز التفاهم المتبادل والتعرف العاطفي بين الشعوب، والقضاء بشكل أساسي على “نظرية صدام الحضارات”.


من المناطق الصناعية على طول قناة السويس المصرية إلى مجموعة ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الصحراء السعودية، ومن دعوات العدالة في الأمم المتحدة إلى الجهود الدبلوماسية لتعزيز المصالحة الإقليمية، تتحول رؤية التعاون بين الصين والدول العربية في مجال الحوكمة العالمية من مجرد مخطط إلى واقع ملموس من خلال أمثلة ملموسة. وهذا مسار جديد يعزز العدالة من خلال التنمية المشتركة، ويصون العدالة من خلال التنسيق السياسي، ويغذي الانسجام من خلال التعلم المتبادل بين الحضارات. لقد أثبتت الممارسة الناجحة للتعاون الصيني العربي أن نظام حوكمة عالمي أكثر تعددية الأقطاب وشمولا ليس ضرورة تاريخية فحسب، بل يمكن إنشاؤه أيضا بشكل مشترك من خلال التعاون العملي.

شاهد أيضاً

الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء: الاحتلال يحتجز جثامين 735 شهيدا

شفا – قالت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين، اليوم الجمعة، …