8:56 مساءً / 9 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

في إعادة بناء وتحسين ظروف المعلم الفلسطيني كشرط جاذب للتربية التحررية ، بقلم : نسيم قبها

في إعادة بناء وتحسين ظروف المعلم الفلسطيني كشرط جاذب للتربية التحررية ، بقلم : نسيم قبها

من وسط الاشتباك التربوي البنائي ، وفي قلب المشروع التحرري والنهضوي الفلسطيني تعليميا ، يقف المعلمُ كحاملٍ لمشعلِ التنوير وصانعِ الوعي الجمعي في زمن طغيان رأس المال اللاإنساني . لكن هذه الرسالة السامية تواجه تحدياتٍ وجوديةً تُضعِفُ جاذبية المهنة وتُعيقُ فاعليتها. إن تحسين ظروف العمل للمعلمين في فلسطين ليس مجرد مطلبٍ وظيفي، بل هو إعادة بناءٍ لـ”الكينونة المهنية” للمعلم في سياقنا التربوي الخاص، وهو شرطٌ جوهريٌ لتحقيق “التمكين الوجودي” الذي يُحرِّر طاقاته الإبداعية ويُعزز انتماءه الاجتماعي.

تشير “الواقعية النقدية” في فلسفة التربية إلى ضرورة مواجهة العوائق المادية والرمزية التي تُكبِّلُ المعلم. فالضغط النفسي الناتج عن تداعيات الاحتلال، والاكتظاظُ الصفيُّ الذي يفوقُ طاقة البشر، ونقصُ الموارد التعليمية الأساسية، ونظامُ الرواتبِ الذي لا يُلبي الحدَّ الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة في حال انتظامه أصلا ، تُشكِّلُ مجتمعةً “اغتراباً مهنياً” . هذا الاغتراب لا يُفقد المعلمَ حافزَه فحسب، بل يُهدد جوهرَ العلاقة التربوية القائمة على “الحوار الوجودي” بين المعلم والمتعلم، حيث تُصبح الظروفُ قيداً يُعيقُ التفاعلَ الإنسانيَّ الخلاق.

ولتحقيق “الجاذبية المهنية”، يجب الانتقال من منطق “البقاء” إلى منطق “الازدهار” للمعلم. وهذا يتطلب:

  1. التمكين المادي والاعتباري: مراجعة هيكلية الرواتب والمزايا لتتوافق مع قيمة الرسالة، وتوفير بيئة عملٍ آمنةٍ صحياً ونفسياً، وتطوير البنية التحتية للمدارس لتصبح فضاءاتٍ مُلهمةً للتعلم والتعليم. هذا هو الأساس المادي لـ”الاستقلالية المهنية” .
  2. التنمية المهنية المستدامة: تبني فلسفة “التعلم مدى الحياة” للمعلم نفسه. إنشاء برامج تنمية مهنية مستدامةٍ ذات جودةٍ عاليةٍ، لا تُركز فقط على المهارات التقنية، بل تُعزز “الفكر النقدي” و”البيداغوجيا التحررية” الملائمة لتحديات السياق الفلسطيني الفريد، مما يُعزز “الكفاءة الذاتية” لدى المعلم.
  3. المشاركة وصنع القرار: تفعيل مبدأ “الديمقراطية التشاركية” في المدرسة. إشراك المعلمين بشكلٍ حقيقيٍّ في وضع السياسات التربوية وفي اتخاذ القرارات المؤثرة على حياتهم المهنية والعملية داخل المدرسة، مما يُعزز إحساسهم بـ”الانتماء المؤسسي” والمسؤولية المشتركة.
    4.الدعم النفسي والاجتماعي: الاعتراف بالصدمات الجماعية والفردية الناتجة عن السياق الفلسطيني. توفير برامج دعمٍ نفسيٍّ واجتماعيٍّ منهجية للمعلمين، تُساعدهم على “التطهير النفسي” وبناء المرونة ، وتوفير مساحاتٍ للحوار والتفريغ الوجداني داخل المجتمع المدرسي.
    5.إعادة الاعتبار الاجتماعي للمهنة: بناء “عقد تربوي اجتماعي” جديد يُعيد للمعلم مكانته كـ”مثقف عضوي” في المجتمع الفلسطيني. تعزيز صورة المعلم الإيجابية في الإعلام وضمن الخطاب المجتمعي، والاحتفاء بإنجازاته كشريكٍ أساسيٍّ في بناء المجتمع وصيانة هويته.

إن تحسين ظروف عمل المعلم الفلسطيني هو استثمارٌ في “رأس المال البشري” الأكثر قيمة، وهو خطوةٌ محوريةٌ نحو تحقيق “التربية التحررية” التي تصبو إليها فلسطين. فقط من خلال توفير البيئة التي تسمح للمعلم بأن يحيا بكرامةٍ، وينموَ مهنياً، ويُمارسَ رسالته بحريةٍ وإبداعٍ، يمكن جَذْبُ الكفاءاتِ المتميزةِ والاحتفاظُ بها. عندها تتحول المدرسةُ من فضاءٍ للروتينِ والضغطِ إلى ورشةٍ حقيقيةٍ لصناعةِ الإنسانِ الفلسطينيِّ الجديدِ، القادرِ على الفعلِ والتغييرِ والمقاومةِ بالمعرفةِ. المعلمُ المُمكَّنُ والمُكرَّمُ هو حجرُ الزاويةِ في أيّ نهضةٍ تربويةٍ واجتماعيةٍ حقيقيةٍ، وهو الضامنُ لاستمراريةِ المشروعِ الوطنيِّ في وجهِ كلِّ التحديات.

  • – نسيم قبها – الإئتلاف التربوي الفلسطيني – الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

بتعاون بين سفارات فلسطين والسعودية وفرنسا في المجر: فعالية حول الاعتراف بدولة فلسطين

شفا – استضاف السفير الفرنسي لدى المجر اليوم الخميس، فعالية رسمية بمناسبة الاعترافات بدولة فلسطين، …