12:03 صباحًا / 3 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

باب الرحمة ، بين الأسطورة الدينية ومخططات التهويد ، بقلم : معروف الرفاعي

باب الرحمة : بين الأسطورة الدينية ومخططات التهويد ، بقلم : معروف الرفاعي

تصاعدت في الآونة الأخيرة الاقتحامات والطقوس الدينية الاستفزازية التي ينفذها المستوطنون المتدينون في منطقة باب الرحمة داخل المسجد الأقصى المبارك، وسط حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي. هذه الأنشطة، التي تتراوح بين النفخ في البوق، والسجود الجماعي، ورفع أعلام الاحتلال، لم تعد مجرّد حوادث متفرقة، بل باتت تعكس مخططًا منظّمًا يستهدف فرض واقع جديد داخل الأقصى وتهويد معالمه التاريخية.


البعد الديني: أسطورة توراتية تتحوّل إلى واقع


في الفكر التوراتي–التلمودي، يرتبط باب الرحمة بمجيء “المسيح المنتظر” (المشياح)، حيث تذهب بعض التفسيرات إلى أنه سيدخل من هذا الباب ليعيد بناء “الهيكل”. لهذا السبب، تحرص الجماعات الدينية المتطرفة على ممارسة طقوسها هناك، معتبرة المنطقة جزءًا من “المشهد الأخروي”.


لكن وجود مقبرة الرحمة الإسلامية يشكّل عقبة أمام هذا المشروع، إذ تمنع الشريعة اليهودية المتشددة “الكهنة” من المرور فوق القبور. لذلك يسعى المستوطنون إلى طمس الهوية الإسلامية للمكان وفرض حضورهم الطقوسي داخله.
وعلى الجانب الإسلامي، يؤكد د. ناجح بكيرات أن علماء التفسير اعتبروا باب الرحمة مجازًا “بابًا إلى الجنة”، وهو ما جعل المسلمين يتوافدون إليه عبر التاريخ، ويرتبط بذلك الاهتمام الكبير بالمكان. وتظهر سجلات الحجج الوقفية حرص المسلمين على خدمة المبنى، حيث عُيّن له فرّاش وحارس دائم، إضافة إلى شخص مسؤول عن إشعال قناديله.


وقد تناول الكثير من العلماء والكتّاب هذا الباب ومكانته، مثل ابن الفقيه في كتابه البلدان، وابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد، وناصر خسرو وغيرهم. كما رُويت أحاديث عديدة عن الصحابة حول باب الرحمة، ومنهم الصحابي عبادة بن الصامت الذي وقف عند الباب الشرقي وبكى طويلًا قائلاً: “من هنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يصدرون إلى يوم القيامة… فإذا مت فادفنوني في باب الرحمة، فإن باب الرحمة باب إلى الجنة”.


البعد السياسي: ربط المكان بالمشاريع الاستيطانية


موقع باب الرحمة على السور الشرقي يجعله نقطة تماس حساسة بين البلدة القديمة ومناطق الاستيطان في سلوان وجبل الزيتون. السيطرة عليه تمنح المستوطنين رابطًا جغرافيًا ودينيًا بين هذه البؤر، وتعزز من مشروع تهويد القدس.
الجمعيات الاستيطانية، وعلى رأسها “عطيرت كوهانيم”، تنظر إلى المكان كموطئ قدم دائم، على غرار ما حاولت فرضه في باب الخليل وسلوان، لذلك فإن كثافة الطقوس فيه ليست عشوائية، بل جزء من مخطط ممنهج لخلق واقع جديد داخل الأقصى، يذكّر بما فُرض على الحرم الإبراهيمي في الخليل.


البعد الرمزي: صراع على السيادة داخل الأقصى
أُعيد فتح مصلى باب الرحمة عام 2019 بعد إغلاق استمر أكثر من 16 عامًا بقرار من الاحتلال، وهو ما اعتُبر انتصارًا شعبيًا مقدسيًا. هذه الرمزية دفعت الاحتلال إلى محاولة استعادة السيطرة عبر تحويل المنطقة إلى مسرح لطقوس استفزازية مثل رفع الأعلام والنفخ في البوق.


بهذا يسعى الاحتلال إلى إعادة إنتاج سيادة رمزية داخل الأقصى، تتجاوز الاقتحامات التقليدية عبر باب المغاربة.
البعد التاريخي–العلمي: مركز إشعاع عبر العصور


لم يقتصر دور باب الرحمة على البعد الديني والرمزي، بل شهد نشاطًا علميًا وثقافيًا في فترات مختلفة. فقد أُسست فيه المدرسة النصرية، واتخذ الإمام الغزالي من مبناه مقرًا لتأليف جزء من كتابه الشهير إحياء علوم الدين. وفي الفترة العثمانية، كان مقصداً للطريقة المولوية الصوفية التي عقدت فيه حلقات الذكر والمدائح النبوية، وجتمع فيه الآلاف.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني جرى تدعيم المبنى بأقواس حجرية ضخمة، ما يؤكد استمرار الرعاية الإسلامية للمكان عبر العصور.


البعد الأمني: نقطة رخوة شرق المسجد


السور الشرقي أقل كثافة سكانية من الجهات الأخرى، ما يجعل باب الرحمة نقطة رخوة لمحاولات الاختراق والسيطرة، كما أن مقبرة باب الأسباط، بكونها أرضًا مفتوحة وملاصقة للسور، تُستخدم كمدخل لفرض الطقوس اليهودية من الخارج، بما يخلق اتصالًا مباشرًا بين المقبرة والمصلى.


أخيرا، فإن استهداف باب الرحمة ليس مجرد حدث طارئ، بل هو اختبار عملي لمشروع التقسيم الزماني والمكاني داخل المسجد الأقصى. فالمكان يجمع بين الأسطورة الدينية اليهودية، والقداسة الإسلامية، والتاريخ العلمي–الثقافي، إلى جانب الطموح الاستيطاني والبعد الأمني، ما يجعله اليوم أخطر بؤرة صراع داخل الأقصى، ومؤشرًا على المرحلة المقبلة من معركة تهويد القدس.

  • – معروف الرفاعي – مستشار محافظ القدس .

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الخميس 2 أكتوبر كالتالي :عيار 22 80.600عيار 21 77.000