
صراع الإرادات في مستقبل القضية الفلسطينية ، بقلم : محمد علوش
في لحظة سياسية فارقة، وفي ضوء التطورات المتسارعة، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية في نيويورك، حيث صدر بيان مشترك دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، باعتبار ذلك مدخلاً نحو “سلام عادل ودائم” كما يشير البيان، غير أن القراءة المتأنية للمشهد تكشف أنّ ما يطرح لا يبتعد كثيراً عن محاولات قديمة جرى تسويقها في المنطقة، تحمل بصمات جاريد كوشنر وتوني بلير، وتتمحور حول حلول إنسانية – أمنية، بينما يتم تهميش جوهر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وحقوق سياسية.
ما يثير الانتباه هو أنّ بنيامين نتنياهو يسعى لتحويل هذه المبادرة إلى أداة جديدة لإدامة مشروعه، عبر إفراغها من أي مضمون سياسي حقيقي، وربطها بخطوات انتقامية ضد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، وتصريحاته المتكررة بأنه “لن تكون هناك دولة فلسطينية غرب نهر الأردن” ليست مجرد شعارات انتخابية، بل هي تعبير حاد عن استراتيجية متكاملة تهدف إلى الضم التدريجي للضفة الغربية، وإبقاء غزة خارج إطار أي حل سياسي، مع السعي لتقويض دور السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها.
في المقابل، أبدى القادة العرب والمسلمون المشاركون في الاجتماع قدراً من الوضوح في وضع اشتراطات أساسية لدعم الخطة، تمثلت في وقف الاستيطان والضم، وحماية الوضع القائم في المسجد الأقصى، وضمان إدخال المساعدات العاجلة إلى غزة، وهذه الشروط، رغم بساطتها، تكشف إدراكاً متنامياً بأن استمرار جريمة الحرب والعدوان دون ضوابط يفاقم الكارثة الإنسانية ويهدد الاستقرار الإقليمي، ويضع إسرائيل في عزلة غير مسبوقة على المستويين الشعبي والرسمي.
المشهد الدولي يتغير بسرعة، وإسرائيل، التي اعتادت أن تفرض وقائع بالقوة العسكرية، باتت اليوم في مواجهة غضب عالمي عابر للقارات، ولم يعد الأمر مقتصراً على إدانات المنظمات الأممية أو المحاكم الدولية، بل امتد إلى الملاعب الرياضية، والمسارح الفنية، وإلى الشارع العالمي، ولقد تحوّلت إلى دولة مارقة تثير النقمة والرفض في كل مكان، وصارت عبئاً حتى على حلفائها.
وإدارة ترامب، مهما بدت حساباتها داخلية وانتخابية، لم يعد بوسعها تجاهل هذه الحقائق، وإدراكها أن استمرار الحرب يفاقم عزلة إسرائيل ويفتح الباب أمام موجة غير مسبوقة من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، جعلها تتحرك لطرح ما يشبه “استراحة دبلوماسية” تحفظ ماء الوجه وتعيد ضبط التوازن.
لكن يبقى السؤال المركزي، هل سينجح نتنياهو مجدداً في حرف مسار المبادرة، وتحويلها إلى “تنسيق عقابي” ضد الرافضين لسياسات إسرائيل، أم أن الإرادة الدولية والعربية والإسلامية ستتبلور هذه المرة في اتجاه فرض تطبيق القانون الدولي وإلزام إسرائيل بوقف عدوانها؟
إن ما يجري ليس مجرد نقاش حول مستقبل غزة أو الضفة الغربية، بل هو اختبار شامل لصدقية النظام الدولي، فإما أن ينتصر منطق العدالة والقانون، أو يترك العالم رهينة لابتزاز القوة العارية التي تمثلها حكومة الإرهاب الإسرائيلية، وهنا تتحدد ملامح المرحلة المقبلة، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل للإنسانية جمعاء.