
اجتماع المانحين الدولي: دعم استراتيجي للاستقرار المالي الفلسطيني ، بقلم: محمد علوش
في 25 سبتمبر 2025، انعقد في نيويورك اجتماع دولي استثنائي للمانحين، وسط ظرف بالغ الحساسية يمر به الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية، والهدف من الاجتماع كان واضحاً ومحدداً، تقديم دعم مالي عاجل يعزز قدرة السلطة على الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، ويشكل خطوة عملية نحو حماية الاستقرار المالي والاقتصادي في ظل أزمة خانقة تهدد صمود الدولة الفلسطينية واستمرارية مؤسساتها الحيوية.
وهذا الاجتماع، الذي ترأسته النرويج، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي عادي، بل تحوّل إلى منصة سياسية وإستراتيجية مهمة، ففي الوقت الذي كانت التحديات تتفاقم، سواء بسبب الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية أو الأزمة المالية الدولية، جاء الاجتماع ليؤكد أن المجتمع الدولي يراقب الوضع المالي للسلطة الفلسطينية عن كثب، وأن هناك إدراكاً حقيقياً لأهمية تمكين مؤسسات الدولة الفلسطينية من أداء مهامها الأساسية، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية قد تقوّض قدرتها على العمل.
شارك في الاجتماع عدد من الدول الكبرى والفاعلة على الساحة الدولية، من بينها المملكة العربية السعودية، إسبانيا، بريطانيا، اليابان، وفرنسا، وقد أبدت كل هذه الدول حرصها على الحفاظ على الاستقرار المالي الفلسطيني كجزء من الالتزام الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني، وكان للدور النرويجي حضور بارز، إذ أعلنت عن مساهمة فورية بقيمة 40 مليون كرونة نرويجية، أي ما يعادل نحو أربعة ملايين دولار، لدعم جهود السلطة في هذه المرحلة الحرجة.
وإلى جانب الدعم المالي، حمل الاجتماع رسائل سياسية واضحة على أكثر من مستوى، فهو يوجّه رسالة إلى إسرائيل بضرورة الإفراج عن الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية، بما يضمن استمرار تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ويخفف من معاناتهم اليومية في ظل الأزمات المتراكمة، كما يمثل رسالة واضحة إلى الفلسطينيين بأن المجتمع الدولي لا يغفل عن مسؤولياته تجاههم، وأن هناك التزاماً حقيقياً بالمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية وتمكينها من القيام بواجباتها.
رحّبت الحكومة الفلسطينية بهذه المبادرة، معتبرةً إياها خطوة جوهرية على طريق استعادة الاستقرار المالي وتعزيز القدرة على الأداء الحكومي الفعّال، وأكدت وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن الدعم الدولي لا يقتصر على كونه مساعدة مالية عاجلة، بل هو رسالة سياسية وتأكيد على شرعية مؤسسات الدولة الفلسطينية في أداء مهامها، والتزام المجتمع الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني.
إن أهمية هذا الاجتماع تتجاوز البعد المالي، فهي تحمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، تؤكد أن الاستقرار المالي للسلطة الفلسطينية ليس مجرد أرقام في الميزانية، بل هو أداة حماية للحقوق الوطنية، وتعكس إدراك المجتمع الدولي بأن الصمود الفلسطيني مرتبط بقدرة الدولة على تقديم خدماتها وتحقيق التوازن المالي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية، وتشكل دعوة صريحة للمجتمع الدولي لتكثيف الجهود وضمان ألا يكون الاستقرار المالي رهينة للأزمات أو السياسات الإسرائيلية.
وبهذا المعنى، يمكن اعتبار اجتماع المانحين الدولي نقطة تحول فارقة في مسار الدعم الدولي للفلسطينيين، فهو لا يعالج الأزمة المالية فحسب، بل يرسخ مفهوم أن الاستقرار المالي والسياسي للدولة الفلسطينية عنصر أساسي في صمود الشعب الفلسطيني واستمرار بناء مؤسسات الدولة، ويؤكد أن المجتمع الدولي يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً إذا توفرت الإرادة السياسية والتنسيق الاستراتيجي.
إنها مرحلة حساسة تتطلب تعزيز الدعم المالي والسياسي والفني للسلطة الوطنية الفلسطينية، لضمان أن يبقى الاستقرار المالي أداة حماية لمكتسبات الشعب الفلسطيني، وليس مجرد حزمة أرقام مالية تديرها مؤسسات دولية بعيدة عن الواقع، وفي هذا السياق، يعد اجتماع المانحين الدولي رسالة واضحة للعالم، بأن دعم دولة فلسطين ليس خياراً، بل التزاماً إنسانياً وسياسياً يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويعزز صموده في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهه.