
النَّظْرَةُ الْمُتَفَائِلَةُ لِلْحَيَاة ، بقلم : أ.د. عطاف الزيات
الحياةُ بِكُلِّ ما تَحْمِلُهُ من أحداثٍ وتَجَارِبَ، هي مَسْرَحٌ تَتَنَوَّعُ فِيهِ الأدوارُ والمَشَاهِدُ، يَمُرُّ فيها الإنسانُ بِلَحَظَاتِ الفَرَحِ كما يَمُرُّ بِأَزْمَاتِ الحُزْنِ. لكنَّ السِّرَّ الحقيقيَّ لِقُدْرَةِ الإنسانِ على الاستمرارِ والتَّقَدُّمِ يَكْمُنُ في النَّظْرَةِ الَّتِي يَتَبَنَّاهَا تُجَاهَ مَا يَحْدُثُ لَهُ. إنَّ النَّظْرَةَ الْمُتَفَائِلَةَ لِلْحَيَاةِ تُعْتَبَرُ مِفْتَاحًا لِلتَّغْلُبِ عَلَى الصُّعُوبَاتِ وَبِذْرَةً لِغَدٍ أَفْضَلَ.
التفاؤلُ ليس مجرَّدَ إحساسٍ عابرٍ، بل هُوَ مَنْهَجُ حَيَاةٍ يَجْعَلُ صاحِبَهُ يَرَى فِي كُلِّ عَقَبَةٍ فُرْصَةً، وَفِي كُلِّ أَزْمَةٍ دَرْسًا، وَفِي كُلِّ نِهَايَةٍ بَدَايَةً جَدِيدَةً. المُتَفَائِلُ لا يُنْكِرُ وُجُودَ التَّحَدِّيَاتِ، وَلَكِنَّهُ يُوَاجِهُهَا بِعَزِيمَةٍ وَإِيمَانٍ بِأَنَّ مَا بَعْدَ الضِّيقِ إِلَّا الفَرَجُ.
وَفِي الْمُجْتَمَعِ الْفِلَسْطِينِيِّ خُصُوصًا، حَيْثُ تَتَرَاكَمُ الْمِحَنُ وَالِاحْتِلَالُ وَالْحِصَارُ، يَتَجَسَّدُ التَّفَاؤُلُ كَقُوَّةٍ صَامِتَةٍ تَحْفَظُ الْأَجْيَالَ وَتَحْمِي الْهُوِيَّةَ. إنَّهُ رَحِمُ الأَمَلِ الَّذِي يُنْبِتُ فِي الْقُلُوبِ شَجَرَةَ الصُّمُودِ، وَيُبْقِي الْحُلْمَ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ حَيًّا.
إنَّ النَّظْرَةَ الْمُتَفَائِلَةَ لِلْحَيَاةِ تَزْرَعُ فِي الْإِنْسَانِ طَاقَةً نَفْسِيَّةً تُعِينُهُ عَلَى الْعَطَاءِ وَالْإِبْدَاعِ، وَتُحَوِّلُ ضُغُوطَ الْيَوْمِ إِلَى دَوَافِعَ لِلتَّقَدُّمِ. فَالْمُتَفَائِلُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ إِلْهَامٍ لِمَنْ حَوْلَهُ، يُمَدُّهُمْ بِالشُّجَاعَةِ وَيُشْعِلُ فِي أَنْفُسِهِمْ نُورَ الرَّجَاءِ.
وَخِتَامًا، فَإِنَّ التَّفَاؤُلَ لَيْسَ خِيَارًا ثَانَوِيًّا، بَلْ هُوَ ضَرُورَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ تَحْفَظُ لِلْحَيَاةِ مَعْنَاهَا، وَتُثْبِتُ أَنَّ الإِرَادَةَ الْإِيجَابِيَّةَ قَادِرَةٌ عَلَى صُنْعِ الْفَرْقِ فِي أَصْعَبِ الظُّرُوفِ.
أ.د. عطاف الزيات – فلسطين