
رافات… قرية الراحة والذاكرة على تخوم الساحل ، بقلم : د. عمر السلخي
التسمية
يحمل اسم رافات دلالات لغوية وتاريخية متعددة، إذ تُرجعه إحدى الروايات إلى لفظي الراحة والرفاه، في إشارة إلى كونها مكانًا للاستجمام والهدوء عبر العصور، فيما تشير رواية أخرى إلى أن التسمية جاءت من كثرة رفات العظام التي وُجدت في محيطها، وهو ما يعكس عمق الاستيطان البشري في المنطقة وتوالي الحضارات التي مرّت بها، وبين الروايتين، تبقى رافات قرية ارتبط اسمها بالسكينة، وفي الوقت ذاته بالذاكرة التاريخية المتراكمة في أرضها.
الموقع والحدود
تقع قرية رافات إلى الغرب من مدينة سلفيت، على بُعد 13 كيلومترًا هوائيًا عنها، وترتفع نحو 293 مترًا عن سطح البحر، وتحدّها من الشرق بلدة كفر الديك، ومن الجنوب ديربلوط، ومن الغرب كفرقاسم، ومن الشمال بلدتا الزاوية وبديا، ويمنحها هذا الموقع موقعًا وسيطًا بين الجبل والسهل، ويجعلها امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا نحو الساحل الفلسطيني.
المعالم التاريخية
مباني آل جودة… من البيوت القديمة إلى التنمية المجتمعية
تُعد مباني آل جودة من أبرز المعالم المعمارية والتاريخية في قرية رافات، وتقع في قلب البلدة. وقد جرى ترميمها وتأهيلها بالتعاون مع الجمعية التعاونية للتنمية المجتمعية، وبإشراف مركز رواق، وبدعم من الحكومة السويدية عبر منظمة اليونسكو.
بدأت أعمال الترميم في منتصف عام 2016، وافتُتح المشروع مطلع عام 2018 ليُعاد توظيف المباني كمقر للجمعية، يضم قاعات متعددة الأغراض، ومشغلًا لتصنيع الصابون، ومطبخًا لمشاريع الإنتاج الغذائي.
تشير الدراسات المعمارية إلى أن هذه البيوت بُنيت على مراحل متعاقبة، فوق أنقاض مبانٍ وقصور ومعابد يونانية وبيزنطية، ويُرجّح أن تعود بداياتها إلى الفترة المملوكية في القرن السابع الهجري، استنادًا إلى تاريخ بناء جامع القرية القديم، ثم استمر البناء خلال العهد العثماني وصولًا إلى فترة الانتداب البريطاني.
وتتميز البيوت بأسقفها ذات العقود المتقاطعة، وأبوابها ونوافذها المقوسة، إضافة إلى نظام الراوية الذي يقسم البيت إلى مستويات: سفلي للحيوانات، وأوسط للمعيشة، وعلوي للنوم، في تجسيد واضح لأسلوب الحياة الريفية التقليدية.
جبل عرارة… التاريخ البركاني والإطلالة على الساحل
يقع جبل عرارة الأثري إلى الشمال من قرية رافات، ويرتفع نحو 300 متر عن سطح البحر، ويُشرف مباشرة على الساحل الفلسطيني، ويضم الجبل آثار بركان قديم يعود إلى العصور الجيولوجية المتوسطة، إضافة إلى مغارة انهدامية يُطلق عليها الأهالي اسم شقراق عرارة، ومقابر ونحوت صخرية وآثار خربة صغيرة.
وتتناقل الذاكرة الشعبية أسطورة قديمة حول هلاك سكان الخربة بسبب الطاعون والأمراض، في رواية رمزية تفسر تحوّل لون التربة والحجارة إلى السواد، في انسجام مع الطبيعة البركانية للمكان.
كما شكّل جبل عرارة ورافات خلال الحرب العالمية الأولى نقطة عسكرية ومعسكرًا للجيش التركي–الألماني في مواجهته للقوات البريطانية، حيث قُتل في المنطقة مئات الجنود.
مغارة الدرجات… مقبرة رماد الحضارات القديمة
تُعرف مغارة الدرجات، أو بئر الدرجات، بأنها شاهد نادر على أنماط دفن غير مألوفة في الريف الفلسطيني.
يبدأ الموقع بخرزة بئر ظاهرة على سطح الأرض، وإلى جوارها خمس درجات تقود إلى مغارة صغيرة تحتوي على طاقات حجرية متراصة محفورة في الجهات الأربع.
وبعد البحث الأثري، تبيّن أن الموقع يمثل نظام كولومباريوم، وهو أسلوب يوناني–روماني لدفن رماد الموتى بعد حرق الجثث، حيث يوضع الرماد في قوارير داخل هذه الطاقات، ويؤكد وجود هذا النمط من الدفن أن رافات كانت مأهولة بكثافة سكانية في فترات تاريخية قديمة، وأنها كانت جزءًا من فضاء حضاري أوسع امتد لقرون طويلة.
أثر الاستيطان على قرية رافات
رغم عمقها التاريخي وهدوئها الريفي، لم تسلم قرية رافات من تداعيات المشروع الاستيطاني في محافظة سلفيت، فقد أدى التوسع الاستيطاني غرب المحافظة، والامتدادات العمرانية والطرق الالتفافية المرتبطة بالمستوطنات المجاورة، إلى تقليص المساحات الزراعية للقرية وتهديد أراضيها المفتوحة،
ويواجه المزارعون صعوبات متزايدة في الوصول إلى أراضيهم، فضلًا عن القيود المفروضة على البناء والتوسع العمراني، ما يحدّ من قدرة القرية على النمو الطبيعي.
ويمسّ هذا الواقع البنية الاقتصادية والاجتماعية لرافات، التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتربية الحيوانات وحاجتها لمساحات من المراعي ، ليصبح الحفاظ على ما تبقى من المساحة الجغرافية للقرية معركة يومية في مواجهة واقع استيطاني متصاعد يضغط على المكان والإنسان معًا.


شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .