
حلّ السلطة… فوضى بديلة واحتلال مقيم ، بقلم : اللواء د. عبد الله كميل
“حلّ السلطة ليس انتصارًا وطنيًا، بل انتحارًا جماعيًا… فمن يتوهّم أن الاحتلال سيغادر إذا انهارت السلطة، عليه أن يتخيّل غدًا بلا مدارس، بلا خدمات، بلا قانون… بلا أمن او أمان ..وغدًا تحكمه العصابات.”
منذ سنوات والجدل لا يتوقف حول مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية: هل ما زالت قادرة على الاستمرار؟ هل بات حلّها ضرورة سياسية؟ أم أن استمرارها عبء على المشروع الوطني؟ هذه الأسئلة تبدو منطقية في ظل انسداد الأفق السياسي، والأزمات المالية المتلاحقة، وتغوّل الاحتلال في تفاصيل حياتنا اليومية. لكن ما يغيب عن كثيرين أن حلّ السلطة لا يعني التحرر، بل يعني الفوضى.
حل السلطة ليس نهاية الاحتلال
من يعتقد أن حل السلطة سيفرض على الاحتلال مسؤولياته المباشرة وفق القانون الدولي، يتجاهل أن إسرائيل لم تلتزم يومًا بالقوانين والمواثيق، وأنها تجيد صناعة “الفراغات” لتملأها بمزيد من السيطرة والاستيطان. غياب السلطة يعني أن الاحتلال سيجد الذريعة لإعادة الانتشار الكامل، وفرض أنماط جديدة من السيطرة العسكرية، وربما تقسيمات أمنية أكثر قسوة.
الفوضى واحتمالات الحرب الأهلية
السلطة ليست مجرد مؤسسة سياسية، بل هي منظومة حياة يومية: تعليم، صحة، بلديات، شرطة، بنوك، وزارات تقدم خدمات. انهيار هذه المنظومة بشكل مفاجئ يعني انفلاتًا في الشارع، وتراجعًا في تقديم الخدمات، وانهيارًا اقتصاديًا. هذا الانهيار لا يفتح الباب أمام مقاومة منظمة بقدر ما يفتح الباب لـ فوضى داخلية قد تتطور إلى صدامات وحرب أهلية، خاصة في ظل تعدد القوى المسلحة وتصارعها على النفوذ.
من البديل؟ الزعران والعصابات!
حين تغيب الدولة ومؤسساتها، لا يملأ الفراغ بالضرورة مشروع وطني منظم، بل يملؤه من يملك السلاح والسطوة في الشارع. عندها يصبح الزعران والعصابات هم أصحاب الكلمة، وسيعاد انتاج روابط القرى وستسود شريعة الغاب ، وستتحول العصابة إلى أداة بيد الاحتلال لإدامة الانقسام وضبط المجتمع بالقوة والفوضى. هذا النموذج لا يبني وطنًا، بل يعيد المجتمع إلى منطق الغابة حيث يسود الأقوى لا الأعدل ما يعني بيئه طارده لابناء الوطن حيث البحث عن مكان آمن خارج الوطن .
الاحتلال وأهدافه من إضعاف السلطة
من يطرح فكرة حلّ السلطة اليوم ليس الفلسطينيون الحريصون على مستقبلهم، بل أمثال بن غفير وسموتريش الذين يسعون إلى تفكيك أي كيان سياسي فلسطيني جامع. ولا يجوز لنا أن نطرح أفكارًا تتطابق مع أهداف الاحتلال، الذي يعمل بكل الوسائل السياسية والاقتصادية على خنق السلطة، وإظهارها عاجزة عن تقديم الخدمات أو القيام بدورها، في محاولة لضرب ثقة المجتمع بها. إن الهدف الاستراتيجي للاحتلال واضح: إنهاء الكينونة الفلسطينية، ومنع وجود جسم سياسي مثل منظمة التحرير الفلسطينية يمثل الشعب الفلسطيني ويحظى باعتراف العالم واصبح مرعجا للاحتلال يحاصرها عبر المحاكم والمؤسسات الدولية
نحو إصلاح لا انتحار
الأزمة الحقيقية ليست في وجود السلطة بحد ذاته، بل في طبيعتها ووظيفتها. المطلوب ليس حلّها وترك الناس في المجهول، بل المطلوب هو إصلاح جذري يفتح المجال أمام مشاركة أوسع، ومؤسسات أقوى، وبرنامج وطني يضع حدًا لحالة الجمود حيث ان الاصلاح الدائم وتطوير ادوات العمل يعتبر لازمه دائمه لأي مؤسسه فما بالكم بسلطه تعتبر نواه للدولة القادمة .
إذن، حلّ السلطة لا يعني نهاية الاحتلال، بل يعني فوضى، وحربًا أهلية، وعودة الزعران والعصابات كبديلٍ عن الدولة، على غرار روابط القرى كأداة للاحتلال. أما إصلاح السلطة وتحويلها إلى أداة مقاومة صلبة تقاوم الاحتلال بحكمة وبشكل يخسر فيه الاحتلال اكثر من خسارة الفلسطينيين وذلك باعتماد النضال الجماهيري وزياده وتيرة النضال السياسي والدبلوماسي والاعلامي والقانوني فهو الطريق الأجدى لإنقاذ المشروع الوطني بدل الانتحار الجماعي.
واخيرا فان الحفاظ على السلطة يعتبر حفاظا على الذات والشخصية الفلسطينية والمشروع الوطني وهذا يتطلب وعيا وطنيا والتفافا شعبيا حول السلطة التي اصبحت هدفا استراتيجيا للاحتلال
- – اللواء د. عبد الله كميل – محافظ محافظة طولكرم – فلسطين