10:34 مساءً / 2 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

الخليل بين ” الإمارة المزعومة ” ، وخطط نتنياهو ، ” تهديد جديد للسيادة الفلسطينية ” ، بقلم : سالي أبو عياش

تشهد الساحة الفلسطينية تصاعداً خطيراً في المخططات الإسرائيلية التي تستهدف مدينة الخليل التي تعد محافظتها الأكبر مساحة وسكاناً في الضفة الغربية.


لم يعد الحديث يقتصر على الاستيطان أو الحواجز أو تقسيم الحرم الإبراهيمي أو ضمه للسيادة الإسرائيلية، بل تعداه إلى طرح سيناريوهات انفصالية تهدد وحدة الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، كان آخرها تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نية حكومته “فصل الخليل” عن باقي الضفة الغربية، بما يعنيه ذلك من سحبها من تحت السيادة الفلسطينية، وإلحاقها بواقع أمني وسياسي جديد يخدم مصالح الاحتلال.


فقبل أشهر قليلة؛ انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تتحدث عن فكرة “إمارة الخليل”، وكأنها مشروع مستقل عن باقي الأراضي الفلسطينية. ورغم أن تلك الفكرة قوبلت برفض شعبي واسع وسخرية كبيرة، فإن مجرد طرحها يعكس محاولات جسّ نبض الشارع الفلسطيني، وتهيئة البيئة السياسية والإعلامية لتقبل سيناريو مشابه على المدى البعيد.


لكن ما بدا يوماً “إشاعة سوشال ميديا” تحوّل فجأة إلى طرح رسمي على لسان بنيامين نتنياهو، إذ تحدث بصراحة عن خطةٍ لفصل الخليل عن الضفة الغربية، وهذا التحول يكشف كيف يستخدم الاحتلال أدوات الحرب النفسية والإعلامية قبل تثبيت سياساته على الأرض، حيث تبدأ الفكرة كخبر عابر أو جدل افتراضي، ثم تتحول تدريجياً إلى قرار سياسي، وصولاً إلى إجراءات عملية على الأرض.

والتساؤل الأهم هنا لماذا الخليل دون باقي مدن الضفة الغربية:


الخليل : ثقل جغرافي وديموغرافي:


إن خطورة هذا الطرح تكمن في المكانة الاستراتيجية للخليل، فهي ليست مجرد مدينة كباقي المدن الفلسطينية، بل المحافظة الأكبر من حيث المساحة وعدد السكان. إذ يبلغ عدد سكانها قرابة المليون نسمة، أي ما يقارب ثلث سكان الضفة الغربية، وتمثل عمقاً اقتصادياً وصناعياً وزراعياً، حيث تشتهر بصناعاتها التقليدية، وبزراعة العنب والزيتون، فضلاً عن كونها موطناً للحرم الإبراهيمي الذي يشكل رمزاً دينياً وحضارياً تسعى إسرائيل لطمسه وتغير ملامحه وضمه لها على مر السنين.


إن محاولة فصل الخليل أو إخراجها من معادلة الضفة تعني تفريغ القضية الفلسطينية من أحد أعمدتها الأساسية، وإضعاف قدرة السلطة على إدارة شؤون الفلسطينيين في أهم مناطق الضفة الغربية.


(تشكل مدينة الخليل ثقلاً دينياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً يعتبر الثقل الأكبر في الضفة الغربية ففصلها من باقي الضفة سيضعف الثقل السياسي لإنشاء الدولة الفلسطينية خاصة بعد ازدياد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، إضافة إلى أن فكرة الطرح العشائري للحكم يمهد لحل السلطة الفلسطينية في المدنية وهذا بدوره سيضعف المدينة بشكل يشغلها عن الأوضاع السياسية فالحكم العشائري قد يكون أشبه بما يعرف بروابط القرى التي حكمت المجتمع الفلسطيني في ثمانينيات القرن المنصرم).

البعد الاستيطاني والأمني:


بدأت البؤر الاستيطانية بالظهور في الضفة الغربية عام 1967، والخليل هي المدينة الفلسطينية الوحيدة التي يعيش داخل مركزها مستوطنون في أول بؤرة استيطانية داخل المدنية على خلاف باقي المدن الفلسطينية إذ أن المستوطنات على أطرافها وليس في قلبها، فمنذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، كرّس الاحتلال سياسة الفصل بين الفلسطينيين والمستوطنين، من خلال تقسيم المدينة إلى منطقتين (H1 وH2)، حيث تسيطر إسرائيل بالكامل على قلب المدينة التاريخي ( البلدة القديمة وما تحتويها من معالم دينية وتاريخية)، وتفرض نظاماً أمنياً صارماً على حركة الفلسطينيين.


(هذا الطرح الجديد بفصل الخليل يعني توسيع هذه السيطرة وتحويلها إلى كيان أمني-سياسي منفصل، قد يفتح الباب أمام تهجير ناعم للفلسطينيين عبر تشديد القيود على حياتهم اليومية، وإضعاف ارتباطهم الإداري والسياسي بالسلطة الفلسطينية).


إن هذا الطرح لم يكن طرحاً عبثي، حيث ستُطرح المسألة للتصويت داخل الأطر السياسية الإسرائيلية. وخطورة الموضوع تزداد خاصة مع الحديث عن الضم الإسرائيلي للضفة الغربية والوضع السياسي الراهن واستمرار العدوان المتواصل على غزة ومحاولات الاحتلال استغلال انشغال العالم هناك لفرض وقائع جديدة في الضفة، بالإضافة لذلك، فإن أي خطوة لفك ارتباط الخليل بالسلطة الفلسطينية تعني فعلياً تفكيكها وتحويلها إلى كيان إداري محدود الصلاحيات.


مخاطر التهجير الناعم:


فصل الخليل عن الضفة لا يعني فقط سحب صلاحيات السلطة، بل يحمل في طياته مشروع تهجير ناعم للفلسطينيين. فالسيطرة الأمنية الإسرائيلية ستتوسع، والقيود على البناء والحركة ستزداد، والفرص الاقتصادية ستتقلص، ما سيدفع آلاف العائلات إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثاُ عن حياة كريمة. هذه السياسة ليست جديدة، فقد طبقتها إسرائيل سابقاً في القدس عبر سحب الهويات وفرض الضرائب الباهظة، ما أدى إلى تهجير آلاف المقدسيين.


الخليل اليوم مهددة بمصير مشابه، لكن على نطاق أوسع وأكثر خطورة، نظراً لحجمها السكاني ومكانتها الاقتصادية.


إعادة إنتاج خطة سموتريتش:


لا يمكن فصل هذا المشروع عن خطط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن في وقت سابق عن نية ضم الضفة الغربية وتطبيق السيادة الإسرائيلية عليها بشكل كامل. “إمارة الخليل” أو فصلها إدارياً ليس سوى بوابة للضم التدريجي، فمثلاً وبعد تصريح نتنياهو بوقت قليل قام رئيس بلدية مستوطنة كريات أربعة وهي أحد المستوطنات الواقعة في مدينة الخليل بوضع حجر الأساس لبناء حي استيطاني جديد في شرق المدينة هذا التصريح والسياسات الممارسة على ارض الواقع بدأ بالسياسات الرسمية وتطرف المستوطنين على الأرض الفلسطينية سيساهم في تفكيك المناطق الفلسطينية الكبرى، ثم فرض الإدارة المدنية الإسرائيلية عليها، وصولاً إلى ضمها رسمياً كما جرى في القدس والجولان.


الخليل خط الدفاع الأخير


إذا كانت القدس تمثل روح فلسطين، فإن الخليل تمثل جسدها وعمقها السكاني والجغرافي وفصلها يعني إحداث فراغ استراتيجي قاتل في البنية الفلسطينية، ويكرّس سياسة تقطيع أوصال الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة بلا رابط جغرافي أو سيادي بدأ الاحتلال بإنشائها عندما قام بوضع البوابات الحديدة والحواجز الطيارة والدائمة على مداخل القرى والمدن الفلسطينية وعزلها عن بعضها، إذ أن ما يجري ليس مجرد تفصيل محلي، بل هو جزء من مشروع استعماري أكبر يهدف إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، واستبدالها بكيانات مشوهة ومقطعة الأوصال.


(رفض الشارع الفلسطيني فكرة “إمارة الخليل” وأدانها ولكن هذا لا يكفي، فهو اليوم مدعو لرفض أكثر قوة وصلابة للمخطط الرسمي الإسرائيلي. فالسكوت أو التعامل مع الخطة كأمر واقع سيفتح الباب أمام تقسيمات مشابهة في مدن أخرى مثل نابلس أو جنين. هنا تظهر أهمية توحيد الموقف الوطني، وإعادة الاعتبار للخليل كقضية مركزية، تماماً كما القدس وغزة وباقي المدن الفلسطينية


أما المجتمع الدولي يتعامل غالباً مع الاستيطان كـعقبة أمام السلام، لكنه يتجاهل خطورة مشاريع الفصل والتهجير الناعم والمطلوب اليوم هو تحرك عربي ودولي سريع للضغط على إسرائيل ووقف هذا المخطط، لأنه يشكل سابقة تهدد أي أفق لتسوية سياسية مستقبلية.


وفي النهاية ما بين إشاعة “إمارة الخليل” وتصريحات نتنياهو، يتحول الخطر من فكرة عابرة إلى مشروع سياسي قد يجد طريقه للتنفيذ قريباً فالمخاطر لا تقتصر على الخليل وحدها، بل تمتد إلى مجمل المشروع الوطني الفلسطيني فالرد المطلوب هو مقاومة هذه السياسات ميدانياً وشعبياً وسياسياً، مع إعادة تسليط الضوء على الخليل كقضية سيادية كبرى، وليست مجرد تفصيل جغرافي.

شاهد أيضاً

نائب الرئيس حسين الشيخ

نائب الرئيس حسين الشيخ يرحب بموقف الرئيس الفرنسي بضرورة مشاركة الفلسطينيين في المؤتمر القادم حول حل الدولتين

شفا – رحب نائب رئيس دولة فلسطين السيد حسين الشيخ “ابو جهاد” ، بموقف الرئيس …