
تداعيات تأجيل العام المدرسي : من الفاقد التعليمي إلى الفاقد الوطني ، بقلم : نسيم قبها
لأن قرار تأجيل بدء العام الدراسي في فلسطين للعام 2025/2026 يجب أن يوضع في سياقه السياسي الاقتصادي ، فإن التأجيل ليس مجرد إجراء إداري عادي ممتهن ، بل هو تجلٍ للأزمات المترابطة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال ونتاجاته .فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عن تأجيل موعد بدء العام الدراسي إلى يوم الاثنين 8 سبتمبر 2025، بينما استثنت من ذلك مدارس القدس التي بدأت دوامها في الموعد المقرر أصلاً (1 سبتمبر). ويأتي هذا القرار نتيجة استمرار التداعيات المالية التي تمر بها دولة فلسطين بسبب الاستمرار في الحصار الاقتصادي وقرصنة أموال المقاصة الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
الآثار التربوية: تفاقم الفاقد التعليمي وتردي العملية التعليمية
تفاقم الفاقد التعليمي: يشكل التأجيل ضربة جديدة للعملية التعليمية التعلمية التي تعاني أصلاً من تراكم الفاقد التعليمي منذ جائحة كورونا وخلال الإضرابات المتتالية.وقد أدى تقليص أيام الدوام المدرسي في العام الماضي إلى أربعة أيام بدلاً من خمسة ، مما أدى إلى تقليص إضافي في ساعات التعلم وما تعنيه هذه الكارثة في عملينة البناء التراكمي التربوي ، مصافا إلى ذلك ،
تردي البنية التحتية ، حيث كشف القرار عن عدم جاهزية عدد من المدارس التي كانت قيد الإنشاء بسبب الواقع المالي للسلطة الفلسطينية، كما أن هناك كتباً لم توفر وأخرى ترمم ولم يتم الانتهاء منها.
إن انهيار ثقة المجتمع بالمدرسة العمومية هو من دواعي التأجيل ، والذي يؤدي اجتماعيا في تراجع الإقبال على المدارس الحكومية وزيادة الإقبال على المدارس الخاصة التي زاد عددها نحو 30 مدرسة خلال أقل من عام، حيث انتظم التعليم فيها دون تأجيل.
الآثار النفسية والاجتماعية: اغتراب وإحباط وتفكك
الاغتراب والإحباط: يشعر الطلاب بالحزن والإحباط بالوعي واللاوعي بسبب تأجيل العام الدراسي، خاصة بعد تجهيزهم للانخراط في الدراسة.ويعيش المعلمون في وضع اقتصادي واجتماعي لا يطاق، مما يدفع بدق ناقوس الخطر حول واقعهم الاقتصادي الذي تجاوز درجات الخطر وصولا إلى مساحة من اللا قدرة المادية والنفسية .
تفكك النسيج الاجتماعي: يؤدي التأجيل إلى تعميق الفجوات الطبقية في المجتمع الفلسطيني، حيث ينقسم المجتمع بين أبناء الأثرياء الذين يدرسون في المدارس الخاصة بدون تأجيل أو انقطاع، وأبناء الفقراء الذين يعتمدون على المدارس الحكومية ، الأمر الذي يخشخس في عظم المجتمع عاملا على كسر الجدار الاجتماعي الذي امتازه المجتمع الفلسطيني .
تهجير وتهديد الهوية: بقيت أعداد كبيرة من الطلبة من دون مدارس بسبب تهجير ثلاثة مخيمات شمال الضفة الغربية ( جنين ، نورشمس ، طولكرم) ، مما يهدد الهوية الوطنية والموروث الثقافي للشعب الفلسطيني.
التفاوت الطبقي: مدارس الخاصة مقابل مدارس الحكومة
كشف قرار التأجيل عن التباين الطبقي في المجتمع الفلسطيني، حيث انتظم التعليم في المدارس الخاصة دون تأجيل، بينما تأجل في المدارس الحكومية.ويشير الناطق باسم وزارة التربية والتعليم إلى أن هذا العام حمل الرقم الأعلى من حيث تدفق الطلبة من المدارس الحكومية إلى الخاصة، حيث قفز عدد المدارس من 426 إلى 454، وبعدد طلاب وصل إلى 160 ألف طالب. وهذا يؤكد أن التمويل الخاص أصبح يحل محل التمويل العام في التعليم، مما يعمق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.
الأبعاد الفلسفية: التعليم كشكل من أشكال المقاومة
يعد التعليم في فلسطين أكثر من مجرد خدمة اجتماعية؛ إنه ساحة مواجهة ثقافية مع الاحتلال. وتدرك إسرائيل أن إضعاف المنظومة التعليمية الفلسطينية يعد وسيلة لضرب صمود المجتمع وتهديد هويته المستقبلية.وبالتالي، يصبح الحفاظ على استمرارية التعليم فعل مقاومة غير مباشر، يهدف إلى حماية وعي الأجيال القادمة وهويتهم الوطنية. وفي هذا السياق، يمكن فهم الاغتراب الذي يعيشه الطلاب والمعلمون على حد سواء، حيث يشعرون أنهم ليسوا في بيتهم أو موطنهم بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة.
الحلول والمقترحات: نحو خطة وطنية شاملة
يجب بدون تلكؤ إيجاد حلول عادلة للمشكلة المالية مع المعلمين حالا، وإنصافهم حتى يتمكنوا من العطاء في العملية التربوية ، مع العمل على تدويل قضية التعليم الفلسطيني بوصفها حقاً أساسياً لشعب واقع تحت الاحتلال ، وهذا يدفعنا إلى تبني استراتيجيات طويلة الأمد لمعالجة الفاقد التعليمي بشكل جذري ، مع تعزيز دور المؤسسات الأهلية والمجتمع المدني في سد الفجوة التعليمية المتزايدة.
التعليم خط دفاع عن الهوية:
إن استمرار تأجيل العام الدراسي وتفاقم الأزمة التعليمية يعني أن الفاقد التعليمي سيتحوّل إلى فاقد وطني يهدد أجيالاً بأكملها ويُضعف قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود في وجه التحديات.ولذلك، يجب أن تكون حماية التعليم قضية سياسية ووطنية تستدعي تضافر الجهود بين القوى والمؤسسات كافة، باعتبارها خط الدفاع الأول عن الوعي والهوية الفلسطينية في وجه مشروع الاحتلال.
وبرغم كل ما سيأتي من مبادرات واتفاقيات وترميمات …إن أتت أصلا من أجل افتتاح عام مدرسي غير طبيعي ، فإن فرص استمرار انتظام العام المدرسي سيبقى محل تحد وسؤال.
- – نسيم قبها – باحث في الشأن التربوي – الإئتلاف التربوي الفلسطيني/ الحملة العربية للتعليم