3:52 مساءً / 1 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

سلمي جبران ، … حين تتحوّل القصيدة إلى قيامة ثالثة ، بقلم : رانية مرجية

سلمي جبران ، … حين تتحوّل القصيدة إلى قيامة ثالثة ، بقلم : رانية مرجية

سلمي جبران ، … حين تتحوّل القصيدة إلى قيامة ثالثة ، بقلم : رانية مرجية

أولًا: البعد الوجداني – النص صلاة الحياة

في قصيدة “تجدّد”، تسكب سلمي جبران تجربتها الوجودية في نهرٍ من الإيمان والتأمل. النص يتخذ منذ مطلعه طابعًا صوفيًا-لاهوتيًا حين تقول: “في نعمة متى أحيا”، فنشعر أن المتكلمة تعلن انتماءها إلى زمن يتجاوز تقويم الأيام؛ زمن النعمة، حيث لا يُقاس العمر بالساعات بل بفيض الروح.

النص قائم على ثنائية الموت/الحياة. “تُقبَر نفسي وتقوم” ليست صورة عابرة بل إعلان أن النفس تتطهر عبر موتٍ رمزيّ، لتعود أقوى وأكثر نضارة. والبعد الرمزي لل “اليوم الثالث” يحيل القارئ مباشرة إلى القيامة المسيحية، لكنه هنا يأخذ بعدًا إنسانيًا عامًا: كل سقوط داخلي، كل يأسٍ يفتك بالروح، يحمل في طياته إمكان قيامة جديدة.

الصور البصرية في النص تضيف طابعًا إنشائيًا دافئًا: “الأجزاء اليابسة”، “خضراء”، “إحياء”. هذه الصور تنقل القارئ من الجفاف إلى الخصب، من موت الأوراق إلى عودة الغناء. إنها رحلة تحوّل تشبه دورة الطبيعة، لكنها مشروخة بجرسٍ صوفي يجعلها ترتقي من مجرد استعارة نباتية إلى رمز للتجدد الوجودي.

ثانيًا: البعد النقدي الأدبي – البناء والرمزية

  1. البنية النصية
    النص مكتوب على هيئة مقاطع قصيرة متتابعة، كل مقطع يشكّل خطوة في مسار القيامة. هذا البناء التصاعدي يعكس مضمون النص: من القبر إلى الحياة، من اليابس إلى الأخضر، من الانطفاء إلى الإنشاد. وكأن النص نفسه ينهض أمام أعيننا مثلما تنهض الروح التي تتحدث عنها الشاعرة.
  2. الإيقاع الداخلي
    لا يعتمد النص على الوزن الخليلي أو القافية المنتظمة، لكنه يحافظ على إيقاعٍ روحيّ قائم على التكرار والوقفات: “تُقبَر نفسي وتقوم… اليوم الثالث يحيا فيَّ فأقوى…”. هذا التكرار يمنح النص موسيقى خفية، أقرب إلى التراتيل منها إلى الشعر الغنائي. الإيقاع هنا ليس للزينة، بل هو جزء من الطقس الروحي الذي تبنيه القصيدة.
  3. الرمزية الدينية – الوجودية • اليوم الثالث: إشارة واضحة إلى القيامة المسيحية، لكن في سياق النص تتحول إلى رمز شامل للنهضة بعد الانكسار.
    • الأجزاء اليابسة/الخضراء: ثنائية الموت والحياة، لكنها أيضًا استعارة للذات الإنسانية حين تتخلص من رواسبها الداخلية لتعود أكثر صفاء.
    • الإنشاد: رمز للشعر نفسه، للشهادة، وللمقاومة بالكلمة.
  4. اللغة الشعرية
    لغة النص بسيطة، لكنها عميقة. لا نجد تزويقًا لغويًا متكلفًا، بل مفردات مألوفة (اليوم، النفس، الأجزاء، خضراء…)، لكنها مشحونة بطاقة دلالية قوية. وهذا ما يجعل النص قريبًا من القارئ، وفي الوقت ذاته مفتوحًا على تأويلات لا تنتهي.

ثالثًا: النص بين الشعر والصلاة

ما يميز هذا النص أنّه يقع عند تخوم الشعر والتسبيح. إنّه أقرب إلى مزامير شخصية، حيث ينطق الشاعر بروحٍ مؤمنة أن الألم ليس عدوًا، بل طريقًا للبعث. سلمي جبران تكتب هنا من موقع “الشاهدة”، لا من موقع المتفرج: فهي نفسها التي تُقبر وتقوم، وهي نفسها التي تغني وتدوم.

خاتمة

قصيدة “تجدّد” ليست نصًا شعريًا وحسب، بل وثيقة وجدانية عن قدرة الروح على المقاومة عبر الإيمان بالشمس التي لا تغيب. في مستواها الوجداني هي دعوة للطمأنينة، وفي مستواها الفني هي نموذجٌ على الشعر الروحي الحديث الذي يوظف الرموز الدينية دون أن يفقد عالميته.

إنها قصيدة تتجاوز حدود الزمن والمكان لتصبح نشيدًا لكل إنسانٍ يبحث عن قيامةٍ صغيرة في حياته اليومية، عن لحظة يتحول فيها اليأس إلى خضرة، والصمت إلى إنشادٍ جديد

شاهد أيضاً

بدعم مغربي كريم .. "إجديدة الخيرية" تنفذ مبادرة "زاد الأبرار" لتوزيع وجبات ساخنة في غزة

بدعم مغربي كريم .. “إجديدة الخيرية” تنفذ مبادرة “زاد الأبرار” لتوزيع وجبات ساخنة في غزة

شفا – نفذت جمعية إجديدة الخيرية للإغاثة والتنمية، اليوم الإثنين، مبادرة إنسانية جديدة بعنوان “زاد …