
نهاية الحرب… أم نهاية إسرائيل ؟ ، بقلم : د. وليد العريض
حين يكتب القدر
استقالة نتنياهو بخطّ المدافع
من عادة الحروب أن تنتهي، لكن بعض النهايات لا تُشبه النهايات، بل تشبه حفلات الوداع الكبيرة التي يُقيمها التاريخ لأشخاصٍ ظنّوا أنهم خالدون. هكذا يبدو المشهد الإسرائيلي اليوم: رئيس وزراء يركض وراء الزمن كعدّاءٍ فقد حذاءه، ودولةٌ تحاول ستر شقوقها بشعارات الأمن والتفوّق، بينما العالم يتفرّج على المشهد كمن يشاهد فيلماً طويلاً بدأ منذ 1948 ولم يعد فيه ما يُدهش.
نتنياهو، الرجل الذي خاض كلّ الحروب ولم ينتصر في واحدةٍ منها إلا على الحقيقة، يبدو اليوم أشبه بممثلٍ متقاعدٍ نسيه الجمهور. كل ما يملكه هو خطاباتٌ تُعيد تدوير الخوف، وتستعير لغة الأنبياء لتبرير أفعال اللصوص. لكنه لا يعلم أنّ الحروب التي يشنّها في غزة، وفي الوعي، وفي الضمير الإنساني، هي نفسها التي تحفر قبره السياسي ببطءٍ مُذهل.
في كلّ حربٍ إسرائيلية جديدة، يُعاد المشهد ذاته: طائرات تهدر، وجنرالات يصرخون في الشاشات، ثم يأتي الصباح لتظهر الحقيقة كجثةٍ طافيةٍ على سطح البحر. أما الشعب الإسرائيلي، فقد بات يعرف أن انتصاراته ورقية، وأن الدم الفلسطيني أغلى من الأكاذيب التي يُطعمهم إياها إعلامهم كل مساء.
المفارقة أن الدولة التي وُلدت على فكرة “الاستثناء الإلهي” صارت استثناءً في سقوطها الأخلاقي والسياسي. الانقسام الداخلي بين اليهودي المتديّن والعلماني، بين اليمين والمركز، بين من يعبد التوراة ومن يعبد الدولار، صار أخطر من أي صاروخٍ يُطلق من غزة. إسرائيل اليوم تشبه مريضاً يُصرّ على الرقص فوق سرير العناية المركّزة، مدّعيًا أنه بخير.
الحرب الأخيرة، أو ما يُسمّى مجازاً بـحرب الوجود لم تعد حرباً ضد الفلسطينيين فقط، بل ضد الزمن نفسه. كل قذيفةٍ تُطلقها إسرائيل هي في الحقيقة قذيفة مرتدّة إلى صدرها وكلّ ضحيةٍ تسقط هناك تُضيف عاماً جديداً إلى شيخوخة المشروع الصهيوني. فالعالم لم يعد يصدّق رواية الضحية الخالدة ولا يرى في جيشٍ يقتل الأطفال إلا جيشاً فقد البوصلة والضمير.
الخبراء في إسرائيل أنفسهم باتوا يتهامسون في الصحف والمقاهي:
نحن نتآكل من الداخل». لم يعد نتنياهو قادراً على إخفاء حقيقة أن الدولة التي شيّدها الحديد والنار بدأت تتآكل بالفساد والغرور والعزلة. فحين ينقلب الحليف الأمريكي إلى محاسبٍ باردٍ وحين تهتزّ ثقة الجيش بقيادته، يصبح سقوط الدولة مجرد مسألة وقتٍ… لا أكثر.
في العقد القادم، لن يكون السؤال:
هل ستنتهي إسرائيل؟ بل: أيّ شكلٍ من أشكال النهاية ستختاره؟ الانقسام الداخلي؟ الانهيار الاقتصادي؟ العصيان العسكري؟ أم موجة الهجرة المعاكسة التي ستعيد شعب الله المختار إلى مطارات أوروبا؟ السيناريوهات كثيرة، لكن النتيجة واحدة:
كلّ الطرق تؤدي إلى زوالٍ متأنّقٍ يليق بدولةٍ احترفت الغطرسة حتى الثمالة.
أما نتنياهو فسينتهي كما ينتهي الطغاة دائمًا: بمرآةٍ تُعيد له صورته الأخيرة وهو يلوّح للجماهير التي لم تعد هناك. ربما سيكتب مذكراته بعنوان :
كنتُ أظنّ أنني الله وربما سيكتشف متأخراً أن الله لا يحبّ من يسرق اسمه.
تبدو الحرب الأخيرة، إذن ليست معركة بقاءٍ كما يُسوّق لها الإعلام الإسرائيلي، بل حفل توقيعٍ على شهادة وفاةٍ مؤجّلة. كلّ قذيفةٍ تُطلَق اليوم تُنهي صفحة من كتابٍ اسمه إسرائيل وكلّ صرخةٍ في غزة تكتب سطرًا جديدًا في كتابٍ آخر عنوانه:
هكذا سقطت الدولة التي لا تليق بالحياة.