شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
السويداء… جرحٌ ينزف وكرامةٌ لا تنكسر ، بقلم: رانية مرجية
السويداء ليست مجرد مدينة على خريطة الجنوب السوري، وليست مجرد بيوت من حجارة البازلت السوداء التي تتماسك كقلوب أهلها. إنها حكاية كرامة عصيّة على الانكسار، وذاكرة حيّة تختزن صدى الثوار الأوائل الذين واجهوا المستعمر، وحلموا بوطن حرّ يتسع للجميع.
اليوم، تعود السويداء إلى الواجهة، لا كمدينة هادئة فوق جبل الدروز، بل كنبض يغلي في الشوارع. احتجاجات، أصوات تهتف بالحرية، ودماء تسيل على أرصفة طالما عرفت خطى العابرين نحو المدارس والكنائس والمساجد. من بين الدخان والرصاص، تخرج صورة أخرى: شباب يواجهون قسوة الزمن بصدور عارية، وأمهات يزرعن الدموع والشموع معًا، كأنهن يعلّمن العالم أن الحياة أقوى من الموت.
السويداء لم تكن يومًا مدينة لون واحد. هي مزيج من الدروز والمسيحيين والبدو، نسيج متنوع، يتقاطع فيه صوت الأذان مع أجراس الكنائس، وتلتقي فيه الحكايات على موائد قهوة سمراء. هذا التنوع الذي كان سر قوتها، هو اليوم ما يجعلها أكثر إصرارًا على البقاء، أكثر قدرة على مواجهة التفكك والخذلان.
الأحداث الأخيرة ليست مجرد صراع محلي، بل جرح يخصّ كل عربي، كل إنسان يرفض أن يرى مدينة تُذبح ببطء. السويداء تصرخ باسمنا جميعًا: لا نريد موتًا آخر، لا نريد أن تُختطف كرامتنا من جديد. إنها تنادي بصوت يشبه هدير الجبل: أعطونا وطنًا يتسع لدموعنا وأحلامنا، لا لمقابرنا فقط.
ومثلما بقيت حجارة البازلت السوداء شامخة في وجه الزلازل، سيبقى أهل السويداء أوفياء للحياة. سيحملون جراحهم كأوسمة، ويزرعون من تحت الركام قمحًا جديدًا. فالمدينة التي علّمت التاريخ أن الكرامة لا تُشترى، لن تنكسر مهما اشتدّت العواصف.
السويداء… دمٌ يسيل، لكن روحها تكتب أن الحرية، مهما طال غيابها، لا بد أن تعود.
نداء إلى العالم
السويداء اليوم ليست قضية محلية، بل إنسانية بامتياز. صرختها يجب أن تُسمع في كل مكان، في كل عاصمة، وفي قلب كل إنسان. إنها تطلب التضامن، لا بالتصفيق من بعيد، بل بالفعل، بالكلمة، بالموقف، بالضمير الحي. فالسكوت جريمة، والتجاهل خيانة. لتمدّ الشعوب الحرة أيديها إلى هذه المدينة الجبلية الصامدة، علّ صوتها يجد رجع صداه، وعلّ الكرامة تعود حقًا إلى مكانها الطبيعي: في قلب كل إنسان
