
أجراس الحرير تصدح من نينغشيا إلى العواصم العربية ، بقلم : ريماس الصينية
على امتداد طريق الحرير القديم، كانت تدوي أصوات أجراس القوافل وهي تعبر الصحارى والواحات، حاملة الحرير والخزف والشاي من الشرق إلى العالم العربي، جالبة البهارات والأدوية والحكمة إلى الصين. لقد كان ذلك حوارا حضاريا ممتدا لآلاف السنين. واليوم، في ظل مبادرة “الحزام والطريق”، يواصل معرض الصين والدول العربية هذا الحوار التاريخي، جامعا الصين والدول العربية في فضاء جديد من التعاون والصداقة.
جسر للتعاون العملي
منذ تأسيسه عام 2013، نظم معرض الصين والدول العربية ست مرات متتالية، ليصبح واحدا من أكثر المنصات فاعلية ضمن إطار منتدى التعاون الصيني العربي. ووفقا لبيانات وزارة التجارة الصينية، فقد استقطبت الدورات الست السابقة أكثر من 7500 شركة، وأثمرت عن توقيع 1616 مشروعا في مجالات الزراعة الحديثة، والبتروكيماويات، والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدوائية، والتجهيزات الصناعية، والبنى التحتية، والسياحة.
وفي عام 2023، قدم المعرض نسخته السادسة بأرقام قياسية، حيث تم توقيع 403 اتفاقيات تعاون بقيمة تتجاوز 170 مليار يوان صيني، بمشاركة أكثر من 4800 رجل أعمال من 33 دولة ومنطقة، فيما تجاوز عدد الشركات العارضة 990 شركة. وهو ما يعكس بوضوح الجاذبية الدولية المتزايدة لهذا الحدث.
هذا المنبر لا يتيح للشركات الصينية فهم الأسواق العربية بشكل أعمق فحسب، بل يوفر أيضا للدول العربية منصة لعرض فرصها الاستثمارية وإمكاناتها التنموية، ليصبح شاهدا حيا على تحول التعاون من مجرد فكرة إلى واقع ملموس.
آفاق جديدة في نسخة 2025
من المقرر أن تقام الدورة السابعة من المعرض في مدينة ينتشوان، بمنطقة نينغشيا، خلال الفترة من 28 إلى 31 أغسطس 2025، تحت شعار: “الابتكار، التنمية الخضراء، والازدهار”. وسيغطي المعرض مساحة 36 ألف متر مربع، ويتضمن ستة أجنحة رئيسية تشمل: جناح الدول المشاركة في “الحزام والطريق”، جناح الطاقة النظيفة، جناح الاقتصاد الرقمي، جناح الشركات المركزية، جناح التعاون الإقليمي، وجناح المنتجات المميزة.
حتى الآن، سجل أكثر من 5600 ضيف من 53 دولة، من بينهم وزراء ومسؤولون رفيعو المستوى من مصر والسودان والمغرب وكازاخستان وغيرها من الدول، ما يجعل النسخة المقبلة الأكثر انفتاحا وتنوعا في تاريخ المعرض.
ومن أبرز فعاليات هذا العام “مؤتمر التعاون والابتكار في التجارة الإلكترونية على طريق الحرير”، الذي سيجمع مسؤولين من 14 دولة، إلى جانب سفراء وممثلين عن منظمات دولية ومنصات تجارة إلكترونية عالمية. كما سيتم ولأول مرة نشر تجارب وطنية رائدة في التجارة الإلكترونية على طريق الحرير. وإلى جانب ذلك، ستقام أيضا فعالية “معرض ومهرجان المأكولات على طريق الحزام والطريق” لتعزيز التبادل الثقافي بعرض الأطعمة.
كما ستشهد نينغشيا تنظيم فعالية “منتجات السحابة على طريق الحرير” عبر البث المباشر، بمشاركة مؤثرين من مصر وعمان والمغرب وروسيا وغيرهم، إلى جانب أكثر من 50 مؤثرا صينيا، لإتاحة تجربة رقمية تفاعلية للجمهور علي مستوي العالم.
رابط ثقافي وإنساني
لم يعد المعرض مجرد منصة اقتصادية، بل أصبح ساحة حضارية شاملة. فالعروض الثقافية والمعارض السياحية والأنشطة التراثية التي تقام خلال فعالياته، لطالما استقطبت آلاف الزوار، وعززت من التواصل الإنساني بين الشعبين الصيني والعربي.
وقد استفادت دول عربية مثل الإمارات ومصر والمغرب من المعرض للترويج لمواردها السياحية، فيما عرضت الصين ثقافتها وإرثها الحضاري العريق، مما جعل المعرض جسرا حيويا لتعزيز التفاهم المتبادل.
الشراكة السعودية: نموذج بارز
من بين الدول العربية المشاركة، برزت المملكة العربية السعودية كأحد الشركاء الرئيسيين والأكثر نشاطا. فقد حضرت المملكة بوفود رفيعة المستوى، وحققت نتائج بارزة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والاقتصاد الرقمي.
في قطاع الطاقة، وقعت شركات كبرى مثل أرامكو وسابك اتفاقيات تعاون مهمة مع الشركات الصينية عبر منصة المعرض، من أبرزها مشروع مصفاة ينبع الذي تجاوز حجم استثماراته 10 مليارات دولار.
وفي البنى التحتية، شكل المعرض مساحة للتكامل بين رؤية السعودية 2030 ومبادرة الحزام والطريق، ما فتح الباب أمام مشاريع كبرى في النقل والإسكان والموانئ. كما شاركت شركات صينية بفاعلية في مشاريع استراتيجية مثل مدينة جيزان الاقتصادية ومدينة نيوم المستقبلية.
في مجال التعاون في القطاعات الناشئة، استغلت المملكة العربية السعودية منصة المعرض لدفع عملية التحول نحو تنويع الاقتصاد بشكل نشط.
في مجال الاقتصاد الرقمي، توصلت شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي وزد تي إي إلى عدة اتفاقيات تعاون مع الجانب السعودي في بناء شبكات الجيل الخامس، والمدن الذكية، والحوسبة السحابية.
وفي مجال الطاقة المتجددة، شاركت الشركات الصينية المتخصصة في الطاقة الشمسية الكهروضوئية بفاعلية في خطة الطاقة الجديدة للمملكة، وقدمت دعما تقنيا لتحول هيكل الطاقة في البلاد.
أما في مجال التعاون المالي، فقد وقعت البنوك والمؤسسات المالية من الجانبين الصيني والسعودي عبر منصة المعرض مجموعة من اتفاقيات الائتمان والترتيبات التمويلية واتفاقيات التعاون المصرفي، مما وفر دعما ماليا قويا للتبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وساهم في تعزيز استخدام العملات المحلية وغيرها من إجراءات التيسير.
وعدٌ يتجاوز الجغرافيا
كما وحد طريق الحرير القديم شعوبا وحضارات، فإن معرض الصين والدول العربية اليوم يكتب فصلا جديدا من التعاون القائم على المنفعة المتبادلة. فهو لا يقتصر على تبادل السلع والاستثمارات، بل يعزز تبادل المعرفة والابتكار، ويشكل دعامة مهمة لبناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك.
ومع حلول الذكرى السابعة لطرح مبادرة “تعميق تنفيذ الحزام والطريق والمضي نحو تنمية عالية الجودة”، ومع انتقالها إلى مرحلة جديدة أكثر عمقا وجودة، وسيواصل معرض الصين والدول العربية بلا شك كتابة فصل جديد من الشراكة الاستراتيجية القائمة على المنفعة المتبادلة، ليضخ قوة دافعة مستمرة في مجتمع المصير المشترك بين الصين والدول العربية.
- – ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية – الصين
إقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة