6:34 صباحًا / 19 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

طوفان الأقصى بين المقاومة والانتحار السياسي ، بقلم : علاء عاشور

طوفان الأقصى بين المقاومة والانتحار السياسي ، بقلم : علاء عاشور

منذ السابع من أكتوبر، دخلت القضية الفلسطينية منعطفاً جديداً مع عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس. العملية التي وُصفت بأنها مفاجِئة ومزلزِلة في لحظتها الأولى، تحوّلت سريعاً إلى حرب إبادة شاملة على قطاع غزة، حيث يواجه أكثر من مليوني إنسان آلة عسكرية إسرائيلية مدمرة، وسط غياب ميزان قوة عادل وانعدام الدعم العسكري المباشر من أي قوة دولية أو إقليمية فاعلة.

لقد رأى البعض في ما جرى خطوة بطولية تستعيد زمام المبادرة وتضع إسرائيل في مأزق وجودي، بينما اعتبر آخرون أن العملية مثلت خطأً استراتيجياً فادحاً يرقى إلى مستوى الانتحار السياسي. فالمعادلة الميدانية شديدة الاختلال؛ فإسرائيل تمتلك تفوقاً عسكرياً ساحقاً، فيما تقاتل غزة بأسلحة تقليدية محدودة وموارد شحيحة، مما جعل النتائج الكارثية على المدنيين أكبر بكثير من أي مكسب سياسي أو عسكري يمكن تحقيقه.

تُشبَّه غزة اليوم أحياناً بفيتنام، غير أن هذا التشبيه يفتقر إلى الدقة. فالتجربة الفيتنامية استندت إلى دعم هائل من الاتحاد السوفييتي والصين، وإلى جغرافيا شاسعة وغابات وعمق استراتيجي. أما غزة فهي شريط ضيق محاصر، يقاتل وحيداً بلا ظهير دولي فعّال، مما يجعل المقارنة أقرب إلى الأسطورة الرومانسية منها إلى التحليل الواقعي.

إزاء هذا المشهد المأساوي، يبرز سؤال محوري: هل كان على حماس أن تقدم على هذه الخطوة؟ وإن كانت قد راهنت على إشعال انتفاضة إقليمية أو تدويل الصراع بما يغيّر قواعد اللعبة، فإن النتائج حتى الآن تشير إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة دفع الثمن الأكبر من دمه وبيوته وبنيته التحتية، من دون أن يقابله أي إنجاز سياسي ملموس.

اليوم، تتعالى أصوات داخلية وخارجية تطالب حماس بإعادة النظر في خياراتها، بل وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية باعتبارها ممثلاً شرعياً معترفاً به دولياً، وذلك لوقف حمام الدم وإنقاذ ما تبقى من غزة. وبغض النظر عن وجاهة هذا الطرح أو صعوبته، فإن ما لا يمكن إنكاره أن الاستراتيجية الحالية لحماس باتت عبئاً على الشعب أكثر مما هي أداة لتحريره.

إن التمسك بخيار “الموت البطولي” دون أفق سياسي يعيد للأذهان مقولة الانتحار الأيديولوجي. فالشعب الفلسطيني لا يريد أن يُساق إلى محرقة جماعية بلا مقابل، بل يطمح إلى حياة كريمة وحرية حقيقية ودولة مستقلة عاصمتها القدس. وإذا كان قدر الفلسطيني أن يموت، فليكن ذلك ثمناً لإقامة دولته، لا في موت مجاني يبدد التضحيات دون أن يغيّر المعادلة السياسية.

ختاماً، يمكن القول إن طوفان الأقصى كشف عن الشجاعة في لحظته الأولى، لكنه في الوقت ذاته فضح حدود القوة الفلسطينية أمام آلة الحرب الإسرائيلية. وبين الشجاعة والانتحار السياسي، يظل مصير غزة معلقاً بميزان دقيق، لن ترجّحه إلا رؤية واقعية تعلي مصلحة الشعب على حساب الأيديولوجيا، وتحوّل الدماء المسفوكة إلى رافعة سياسية لا إلى خسارة مجانية.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

شفا – استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس ” ابو مازن ” ، اليوم السبت، …