12:14 صباحًا / 24 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

قراءة نقدية في ديوان حدائق الكريستال للشاعر إياد شماسنة ، بقلم : رانية مرجية

قراءة نقدية في ديوان حدائق الكريستال للشاعر إياد شماسنة ، بقلم : رانية مرجية

أولًا: مدخل إلى عالم شماسنة الشعري

يأتي ديوان حدائق الكريستال لإياد شماسنة بوصفه تجربة شعرية تستعصي على التبسيط، وتدعو قارئها إلى الدخول في فضاء نصّي مشبّع بالرموز والدلالات. نحن أمام شاعر يكتب من قلب الجرح الفلسطيني، لكنه لا يكتفي بتسجيل الألم، بل يذهب إلى تفكيك العالم وإعادة تركيبه بلغة تُشبه البلّور: صافية في لحظة، ومشوّشة في لحظة أخرى، قابلة للكسر، لكنها قادرة أيضًا على عكس الضوء بألوان شتى .

هذا الديوان ليس مجرد نصوص غنائية عن الحب أو الوطن، بل هو مشروع شعري ينفتح على أسئلة كبرى: معنى العشق، جوهر الفقد، موقع الإنسان في صراع الذاكرة والواقع، وحدود اللغة في التعبير عن التجربة الوجودية. من هنا، يحق لنا أن نضع حدائق الكريستال ضمن المسار الحداثي للشعر العربي الذي بدأ مع السيّاب وأدونيس، لكنه هنا يتلوّن بروح فلسطينية مشبعة بالتجربة الفردية والجماعية في آن واحد.

ثانيًا: اللغة… بين الرهافة والاحتدام

لغة شماسنة ليست حيادية، بل هي لغة مُثقلة بالتجربة، مشحونة بتيارات وجدانية متعارضة: الوجد العاطفي، الانكسار الوجودي، الحلم الصوفي، والصرخة السياسية. نقرأ في النصوص مجازات تقترب أحيانًا من الغموض الصوفي:

“سوف أكتشف السرَّ، فلا يبقى السرُّ سرًّا / وربما أدركُ سرَّ العشقِ، أو أدركُ التأويل، والتأويلُ خلافُ السرِّ” .

هذه اللغة المواربة ليست مجرد لعبة أسلوبية، بل هي محاولة لالتقاط ما لا يمكن الإمساك به مباشرة. الكلمة عند شماسنة ليست شفافة بالكامل، بل هي مرآة مشروخة تعكس الحقيقة وتخفيها في الوقت ذاته.

ثالثًا: ثنائية العشق والفقد

الحب في حدائق الكريستال ليس عاطفة رومانسية بسيطة، بل هو تجربة كونية، تتجاوز حدود العلاقة الفردية لتصبح علاقة مع الوجود نفسه. الحبيب يتماهى مع الوطن، ومع القدس، ومع فلسطين كلها. وحين يغيب الحبيب، لا يغيب شخص واحد، بل يغيب المعنى كله. هكذا نقرأ:

“قل لهم: إنك ما زلت فينا / أملَ الطفل بطفل المطر” .

الحب هنا مقاومة ضد الفناء، والفقد ليس نهاية بل بداية أسئلة جديدة. هذه الثنائية تجعل النصوص متأرجحة دائمًا بين الامتلاء والفراغ، بين الرجاء واليأس.

رابعًا: البنية الشعرية والفضاء الرمزي

يتوزع الديوان على خماسيات ومقاطع متتابعة، ما يوحي بأن الشاعر يكتب وفق إيقاع داخلي متواتر. البنية تقوم على الانفتاح لا الإغلاق، فكل قصيدة تُشبه رحلة ناقصة، أو تحليقًا لم يكتمل.

الرموز المتكررة – الطيور، السرّ، التحليق، الأفق – ليست مجرد عناصر جمالية، بل هي أدوات لتأسيس فضاء شعري يتجاوز الواقع. الطائر مثلًا رمز للحرية المفقودة، لكنه أيضًا رمز للروح الباحثة عن معنى، بينما الأفق هو حدّ التوق، حدّ الرغبة التي لا تصل.

خامسًا: البعد الفلسفي والوجودي

من يقرأ حدائق الكريستال يدرك أن الشاعر لا يكتب فقط لتفريغ عاطفة أو تسجيل حدث، بل ليطرح سؤالًا فلسفيًا: ما معنى أن نكون في عالم هشّ؟ ما قيمة اللغة حين تعجز عن وصف الألم؟ كيف يمكن للحب أن يكون خلاصًا في زمن الخراب؟

هذه الأسئلة الوجودية تضع شماسنة في حوار غير مباشر مع تجارب أدونيس في التنظير للشعر ككشف، ومع محمود درويش في استحضار الهوية الفلسطينية كجرح شعري دائم، ومع سميح القاسم في استدعاء البعد الإنساني الكوني من قلب المحلي.

سادسًا: بين الحداثة والتراث

رغم انتماء النصوص إلى أفق حداثي، إلا أنها تظل مشدودة إلى التراث، سواء في حضور الشخصيات (يوسف، أيوب) أو في العبارات ذات الروح الصوفية. هذه المزاوجة بين التراثي والحداثي تُكسب الديوان بعدًا مزدوجًا: فهو نص معاصر في لغته وصوره، لكنه مُشبّع بذاكرة جماعية عربية وإسلامية.

سابعًا: مقارنات أدبية

مع درويش: يشترك شماسنة مع محمود درويش في جعل الوطن جزءًا من جسد القصيدة، لكن شماسنة أكثر غموضًا وانحرافًا نحو الصوفي.

مع أدونيس: يتقاطع معه في بناء الصورة المركبة، لكنه يختلف في أن شماسنة لا ينغمس في التنظير بل يظل لصيقًا بالوجدان.

مع القاسم: يلتقي معه في البعد الإنساني، لكن شماسنة يفتقد الصياغة المباشرة ويستبدلها برموز شفافة/غامضة.

ثامنًا: تقييم نقدي ختامي

حدائق الكريستال عمل شعري جاد، لا يقدَّم للقارئ العابر، بل للمتلقي الذي يقبل بالتورط في لعبة الغموض والكشف. قوة الديوان في لغته المتوترة وصوره البلورية، وفي الجمع بين الحب كقيمة كونية والوطن كجرح أبدي.

إنه ديوان يؤسس لتجربة شعرية فلسطينية معاصرة، تُزاوج بين الوجدان الفردي والهمّ الجماعي، بين الغنائية والرمزية، بين الألم والحلم. باختصار: نصوص شماسنة تعكس حديقة من الكريستال، كلما اقتربنا منها انبهرت عيوننا بالضوء، لكننا كلما لمسناها اكتشفنا هشاشتها القابلة للكسر

شاهد أيضاً

زيارة تفقدية لمدير عام الهلال الأحمر الفلسطيني إلى مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا

شفا – في إطار حرص جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على تعزيز جودة الخدمات الطبية وتطوير …