9:46 مساءً / 22 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

المعلم بين قيود الواقع وأفق الحرية في تشكيل وعي الأجيال ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

المعلم بين قيود الواقع وأفق الحرية في تشكيل وعي الأجيال ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني


التعليم في فلسطين ليس مجرد مهنة، بل فعل تحرري ينبع من تجربة شعب يرفض الخضوع، ويصوغ حياته بيديه، ويسعى للقيادة الواعية لا الاستعباد. المعلم الفلسطيني هنا ليس ناقلاً للمعلومة، بل هو صانع فضاءات الوعي، وموجّه التجربة الإنسانية نحو الحرية الفكرية والاكتشاف الذاتي. رفاهه يتجاوز المال أو الدعم النفسي، فهو القدرة على التمكّن، والممارسة الحرة، وخلق بيئة تعليمية تمنح الطلبة مساحة للتأمل، والتجريب، وبلورة معنى المواطنة الحقيقية. في هذه العملية، يصبح التعليم تجربة وجودية، حيث تتلاقى المعرفة بالكرامة، والفكر النقدي بالهوية الوطنية، والحرية الفردية بالمسؤولية الجماعية.


رفاه المعلم الفلسطيني هو صميم التحرر التربوي؛ فهو الأداة التي تمكّن المعلم من تحويل القيود الاقتصادية والمؤسسية إلى فرص للإبداع والابتكار. كل نقص في الموارد، وكل ضغوط مهنية، يصبح محفزاً للتجريب، ومساحة لإعادة تشكيل أساليب التدريس بطريقة تربط بين جودة التعليم واستقلالية الفكر، وتعزز الانتماء الوطني. الصف الدراسي هنا ليس مجرد مكان لتلقي المعلومات، بل مختبر حي للوعي، ومساحة تتقاطع فيها التجربة الإنسانية مع الفكر النقدي، حيث ينمو الطالب والمعلم معاً في رحلة استكشاف مستمرة للحرية والمعرفة.


وبذلك، يتحول رفاه المعلم إلى جسر يربط بين التعليم والتحرر، بين الأداء المهني والإبداع الفكري، وبين الواقع اليومي والطموح الوطني. إنه شرط جوهري لأي إصلاح تعليمي مستدام، يفتح للمعلم أفقاً للتحرير العملي والفكري، ويجعل كل درس تجربة فلسفية، وكل سؤال مفتاحاً نحو فهم أعمق للذات، والمجتمع، والمستقبل. هنا، يصبح المعلم رمزاً للتمكين التربوي، ورافعة للوعي النقدي، وصانع أفق يضيء مسار الأجيال القادمة بوعي حر ومسؤول.


أولاً: السياسات والإصلاحات التربوية وموقف الحكومة الفلسطينية
تسعى الحكومة الفلسطينية إلى تطوير التعليم وتحسين جودة المخرجات التربوية عبر سياسات وإصلاحات رسمية، غير أن هذه الجهود غالباً ما تواجه فجوة واضحة بين التخطيط والتنفيذ. فالمبادرات والإستراتيجيات المعلنة تحمل طابعاً نظرياً أكثر من كونها ممارسة عملية، مما يترك المعلم الفلسطيني عالقاً بين الطموحات الإصلاحية والقيود اليومية المرهقة.


تواجه السياسات الإصلاحية صعوبة بالغة في الانتقال من حيز التصور إلى ميدان التطبيق، خاصة في ظل التحولات العالمية المتسارعة في الفكر التربوي واتجاهاته. وغالباً ما تبقى هذه السياسات حبراً على ورق أكثر من كونها أدوات فاعلة للتغيير، ما يفتح المجال لضرورة إعادة صياغتها بما يتضمن بعداً تحررياً وفلسفياً، يجعل منها أفقاً لتوسيع الحرية والمعنى الإنساني، لا مجرد آليات تقنية (زيد، 2015).
محاور الإصلاح الرئيسية:
تطوير المناهج وبرامج التعليم: اعتمدت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية نهجاً يركز على تنمية مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي، الابتكار، والتواصل الفعّال، مع مراعاة التوافق مع الثقافة الوطنية والقيم المجتمعية (المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، 2023).
كما تسعى الوزارة لاعتماد برامج قائمة على الكفايات ضمن نظام مفتوح يتيح مساحة للإبداع والتجريب، ويحرر التعليم من القوالب الجاهزة للكتب المدرسية، ليصبح المعلم والطالب شركاء في صناعة المعرفة.
برامج إعداد وتطوير المعلمين: تشمل السياسات التدريبية برامج تطوير مهني للمعلمين قبل الخدمة وأثناءها، تهدف إلى تعزيز القدرة على التعليم النقدي والتحليلي، وربط التعليم بالهوية الوطنية واحتياجات الطلبة الحياتية (وزارة التربية والتعليم العالي، 2008).
ورغم أهمية هذه البرامج، فإن التطبيق الفعلي يظل متفاوتاً حسب الموارد والقدرة الإدارية لكل مدرسة، مما يضع تحدياً إضافياً أمام تحقيق جودة التعليم المنشودة.
رخصة مزاولة مهنة التعليم والرتب: طبقاً لقانون رقم (8) لسنة 2017، تم تطوير وثيقة رخصة مزاولة مهنة التعليم لضمان جودة الأداء والالتزام بالمعايير الوطنية والدولية. كما تسعى الوزارة إلى تحسين الأجور وتقديم حوافز لتعزيز بيئة العمل وجاذبية المهنة.


إلا أن تنفيذ هذه السياسات على الأرض يظل محدوداً، ويتأثر بالموارد المالية والإدارية المتاحة لكل مدرسة.
الحوكمة التشاركية ومشاركة المعلمين: تشمل الاستراتيجيات الحكومية إشراك المعلمين في صياغة السياسات التعليمية واتخاذ القرار، ما يمنحهم شعوراً بالمسؤولية ويعكس مفهوم المواطنة التربوية (المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، 2023).
لكن في الواقع، غالباً ما تبقى المشاركة رمزية، حيث تظل القرارات النهائية مركزة على مستويات عليا، مما يقلل من أثر المبادرات الإصلاحية على الصفوف الدراسية مباشرة.


في ظل هذه السياسات، يظهر المعلم الفلسطيني كفاعل متحرك في قلب الإصلاح، يحاول تكييف الأدوات الرسمية بما يتلاءم مع واقع الطلبة والقيود المحلية. هو يواجه فجوة بين الطموح الإصلاحي والقدرة على التطبيق، فيحولها إلى فرصة للتجريب، ولإعادة صياغة معنى التعليم كمساحة للحرية الفكرية والكرامة الإنسانية. كل برنامج رسمي، كل منهاج أو تدريب، يصبح أرضية لتجاوز القيود، ولصنع تجربة تعليمية حية تمكّن الطالب والمعلم من مواجهة التحديات المعقدة، وصياغة وعي نقدي متجذر في الواقع الوطني والقيمي.


ثانياً: التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية ورفاه المعلم الفلسطيني تحت الاحتلال
يقف المعلم الفلسطيني في قلب منظومة تعليمية محاصرة بالقيود الاقتصادية، المهنية، الاجتماعية والسياسية، حيث يُشكّل الاحتلال العامل المركزي الذي يعوق ممارسة الحق في التعليم ويضاعف التحديات أمام رفاه المعلم واستقلالية النظام التعليمي. هنا، يصبح الصف الدراسي ليس مجرد مكان لنقل المعرفة، بل فضاءً للتجربة الإنسانية، للمقاومة الفكرية، وصناعة الوعي الجمعي. المعلم الفلسطيني يتحوّل في مواجهة الانتهاكات المتكررة للحق في التعليم إلى رافعة للوعي وصانع للمعنى، يحافظ على الكرامة الوطنية ويعزز الانتماء والهوية رغم القيود المزدوجة: الاحتلال والاعتماد الاقتصادي.


الاحتلال كأكبر تحدٍ للنظام التعليمي: يمثل الاحتلال التحدي المركزي الذي يفرض قيوداً مباشرة وغير مباشرة على التعليم، ليصبح الصف الدراسي ميدان صراع بين حق الحياة وحق المعرفة. ففي غزة، تتحول مدارس بأكملها إلى أطلال، ويستشهد المعلمون والطلبة في مشهد إبادة التعليم، فيما تُدمر أكثر من 91% من المؤسسات التعليمية، ما يجعل التعليم تجربة يومية محفوفة بالخطر والغياب المتواصل للأمان. وفي الضفة الغربية بما فيها القدس، يُقيّد الوصول إلى المدارس، وتُفرض قيود صارمة على حرية الحركة، بينما تستهدف البنية التحتية والمؤسسات التعليمية بشكل ممنهج. وتتصاعد الانتهاكات لتشمل المناهج نفسها، إذ يُحرض ضدها، تُشيطن، وتُزيف في محاولات اسرلة التعليم، بما يحد من قدرة المعلم على نقل المعرفة وفق هوية وطنية مستقلة، ويُقيّد الموارد اللازمة لممارسة التعليم بحرية ومسؤولية.
التحدي الاقتصادي: يواجه التعليم الفلسطيني تحديًا اقتصاديًا جوهريًا نتيجة الاعتماد الجزئي على الاقتصاد الإسرائيلي، ما يضع استقلالية المؤسسات التعليمية والقدرة الإبداعية للمعلم تحت ضغط مستمر. الرواتب المبدئية للمعلمين تتراوح بين 2,200–3,000 شيكل، مقارنةً بالحد الأدنى للأجر في إسرائيل الذي يتجاوز 6,247 شيكل، ما يعكس فجوة اقتصادية هائلة وتهديدًا مستمرًا لكرامة المعلم واستقراره المالي (World Bank, 2018; Glassdoor, 2025). هذا الوضع يفاقم ندرة الموارد ويقوّض البنية التحتية للمدارس، ويحول رفاه المعلم من عنصر دعم للنمو المهني إلى مجرد أداة للبقاء، مما يضعه أمام صراع مزدوج: تقديم تعليم نوعي وفاعل، بينما يواجه قيودًا اقتصادية تعيق التجريب والابتكار
التحديات المهنية: تشكل القيود المهنية الناجمة عن ندرة الموارد وبرامج التدريب المحدودة عائقًا أمام ممارسة التعليم الحر والناقد. فالمعلم، رغم مرونته الفكرية وإبداعه، يُجبر على التكيف مع قيود تتراوح بين نقص التجهيزات التكنولوجية وضغوط أعباء التدريس والإشراف، ما يحد من قدرته على تحويل الصف إلى فضاء تحرري للتفكير النقدي والتجريب التربوي. ومع ذلك، فإن التحديات نفسها تصبح محركًا للإبداع، حيث يحوّل المعلم القيود إلى أدوات تعليمية مبتكرة، ويعيد إنتاج المعرفة بطريقة تربط بين الحرية الفكرية، الجودة التعليمية، والهوية الوطنية.


البيئة التعليمية والبنية التحتية: تعاني المدارس الفلسطينية من اكتظاظ الفصول، نقص التجهيزات التكنولوجية، ضعف برامج التدريب المستمر، وقصور الصيانة بسبب الاحتلال (المركز الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، 2023). هذه الظروف تجعل التعليم تحدياً يومياً، لكنها في الوقت ذاته تفتح مساحة للإبداع والابتكار، حيث يصبح الصف مساحة لاكتشاف المعرفة وصناعة معنى شخصي وجماعي.


الأعباء الاجتماعية والنفسية: يتحمل المعلم أعباء متعددة تشمل التدريس، الإشراف على الأنشطة اللاصفية، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة، والتعامل مع واقع سياسي معقد تحت الاحتلال (الناقة & شيخ العيد، 2012). هذه الضغوط تجعل من المعلم قائداً تربوياً وموجّهاً أخلاقياً، يحوّل التحديات اليومية إلى أدوات تعليمية، ويعيد إنتاج الوعي الجمعي من خلال الصف الدراسي كفضاء تحرري ينمي استقلالية الطلبة ومسؤوليتهم المجتمعية.


برامج إعداد المعلمين ورفاههم المهني: تركز برامج وزارة التربية والتعليم على تطوير كفايات المعلمين قبل الخدمة وأثناءها لتعزيز التفكير النقدي والتعلم التفاعلي (وزارة التربية والتعليم العالي، 2008). غير أن هذه البرامج لا تكفي لمواجهة ضغوط الاحتلال أو القيود الاقتصادية.


تسعى السياسات الحديثة إلى دعم مشاركة المعلمات وخلق بيئة عمل مرنة لتعزيز العدالة التربوية (OECD, 2018)، مما يجعل الصف مساحة لإعادة صياغة العلاقات الاجتماعية وربط التعليم بالقيم الإنسانية والمواطنة.
المعلم الفلسطيني كرافعة للوعي والتحرر: في ظل هذه التحديات، يتحول المعلم الفلسطيني إلى رمز للمقاومة الفكرية وصانع للوعي الجمعي. كل صف دراسي يصبح تجربة فلسفية ووجودية، يمارس فيها الطلبة التفكير النقدي، ويصاغ فيها معنى الحرية والمواطنة. الاحتلال، باعتباره أكبر تحدٍ للنظام التعليمي، يفرض قيوداً على الموارد والسياسات، لكنه يجعل المعلم أكثر قدرة على تحويل القيود إلى أدوات للتحرر الفكري، وصناعة معنى يرتبط بالهوية الوطنية والقيم الإنسانية، بما يجعل التعليم فعلاً وجودياً يتجاوز مجرد تقنيات التدريس ويصوغ فهماً أعمق للواقع والمستقبل.
تتجلّى تجربة المعلم الفلسطيني في صميم واقع مركب، حيث يتداخل التعليم كمهنة مع الحق في التعلم في فضاء محاصر بقيود الاحتلال والتبعية الاقتصادية والهشاشة المؤسسية، فيصبح المعلم أكثر من ناقل معرفة؛ هو رافعة للوعي وممارس حي للحرية الفكرية، يحوّل الصف إلى فضاء وجودي تتقاطع فيه التجربة الإنسانية مع النقد العميق وصوغ معنى المواطنة. رفاهه لا يُقاس بالراتب أو الدعم النفسي وحدهما، بل بالتمكين الذاتي واستقلالية الممارسة وقدرته على إشعال الفكر النقدي لدى الطلبة وإعادة إنتاج الثقافة الوطنية، ليصبح صانعاً للمستقبل ومربطاً بين المعرفة والقيم الإنسانية. أي إصلاح حقيقي للتعليم الفلسطيني يرتبط بتمكين المعلم، وتحرير دوره من القيود الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ليصبح الصف مساحة للتحرر، والقيود أدوات لصناعة معنى متجذر في الهوية والكرامة والقيم الإنسانية، ما يجعل المعلم رمزاً للمقاومة الفكرية والتربوية وركيزة أساسية لأي مشروع إصلاحي مستدام.
ثالثاً: آفاق المستقبل والتوصيات لتعزيز التعليم الفلسطيني
التعليم بين التحديات والفرص: بين ضغوط الواقع المهني والمعيشي للمعلم، وبين القيود الاقتصادية والسياسية، يبرز السؤال الأهم: كيف يمكن تحويل التعليم في فلسطين إلى تجربة فاعلة، متحررة، ومستدامة؟
المستقبل التربوي لا يُبنى على الأمنيات، بل على مزيج من التخطيط الواقعي، استثمار الموارد، وإعلاء دور المعلم كفاعل أساسي في العملية التعليمية.


التمويل الوطني المستدام كشرط للإصلاح: تشير تقارير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إلى ضرورة رفع الاستثمار في التعليم إلى 6–7% من الناتج المحلي الإجمالي، لضمان تحسين الرواتب، تطوير البنية التحتية، وتفعيل التدريب المستمر (وزارة التربية والتعليم، 2025). لكن الاستثمار المالي وحده لا يكفي؛ فلا بد أن يقترن بضمان حرية المعلم الفكرية والمهنية، ليتحول التعليم من واجب رسمي إلى فعل إبداعي ناقد يرسخ قدرة الطلبة على مواجهة الواقع والمساهمة المجتمعية الواعية


التقنيات والابتكار التربوي: ينبغي تعزيز استخدام التكنولوجيا التعليمية بشكل تكاملي، بحيث تدعم دور المعلم كموجه لا كبديل (UNESCO, 2023). فالتقنية أداة لفتح مساحات البحث والحوار، وليست غاية بحد ذاتها. وحين يوظفها المعلم بوعي، يتحول الصف إلى مختبر معرفي يشارك فيه الطلبة في الاستقصاء وصنع القرار المعرفي.


المساواة والشمولية في التعليم: يتطلب المستقبل التعليمي تعزيز المساواة بين الجنسين، ودمج ذوي الإعاقة والفئات المهمشة، لضمان بيئة تعليمية شاملة وآمنة (World Bank, 2018). فالمعلم الفلسطيني لا يعمل في فراغ؛ بل يساهم في بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمواطنة الفاعلة.


رفاه المعلم كركيزة أساسية: تشير بيانات وزارة المالية الفلسطينية (2024) إلى أن 60% من المعلمين لا تتجاوز رواتبهم 3,000 شيكل، مع تذبذب في الصرف. وتترافق هذه الأوضاع مع ضعف التدريب المستمر ونقص البنية التحتية الرقمية (UNESCO, 2023)، مما يضاعف الضغوط النفسية والمهنية.


رفاه المعلم ليس بعداً مالياً فحسب، بل يتضمن تعزيز مكانته المهنية، وتمكينه فكرياً وإدارياً ليكون قادراً على أداء دوره التحويلي.


التوصيات العملية والاستراتيجية: يشير كيلاني (2025) إلى أن تطوير التعليم الفلسطيني المستدام يتطلب تحويل السياسات الوطنية إلى إطار استراتيجي شامل، يقوم على أربعة محاور مترابطة: تحديث المناهج لتعزيز الكفايات والابتكار ضمن أفق معرفي مفتوح يحرّر التعليم من القوالب الجاهزة ويتيح للمعلم والطالب مساحة للإبداع والتجريب؛ تحسين بيئة العمل بما يحفظ كرامة المعلمين ويجعل التعليم رسالة حية ومهنة جاذبة؛ تمكين المعلمين من المشاركة الفاعلة في صياغة السياسات ليصبح صوتهم جزءاً حقيقياً من القرار؛ وتعزيز العدالة الاجتماعية لضمان حق كل طالب في التعليم النوعي دون تمييز. يعكس هذا التكامل أن السياسات التعليمية مشروع تحرري يربط بين المعرفة والقيم، بين الحرية والمسؤولية، وبين الفرد والمجتمع، موفراً إطاراً عقلانياً ووجدانياً لمستقبل التعليم.


تعزيز التمويل والاستقرار المالي غير المشروط: ضمان رواتب كاملة وفي موعدها، مع دعم نفسي واجتماعي مستمر، ليتمكّن المعلم من ممارسة دوره التربوي بفعالية وحرية وكرامة، ويصبح رفاهه أداة للتحرر والنمو المستدام.
تمكين المعلم كفاعل معرفي: سياسات تمنح حرية اختيار الأساليب ودمج التكنولوجيا لتعزيز التفكير النقدي والإبداع.
تحسين بيئة العمل والتوازن المهني: تقليل الأعباء الإدارية وتوفير بيئة آمنة ومحفزة.
تعزيز الابتكار والتقنيات الذكية: برامج تدريبية متقدمة لتطوير مهارات المعلمين الرقمية.


ضمان الشمولية والمساواة: تكريس الحق في تعليم نوعي لكل الطلبة، مع تركيز على العدالة بين الجنسين.
توسيع الشراكات المجتمعية والدولية: لتأمين موارد مستدامة وتعزيز أثر رفاه المعلم على جودة التعليم.
قياس الأثر بانتظام: اعتماد مؤشرات لتقييم أثر سياسات رفاه المعلم على جودة التعليم ونتائج التعلم.


ختاماً، المعلم الفلسطيني يقف على حافة الوعي، حيث تتقاطع المعرفة مع الحرية، والفضول مع الكرامة، والوجود الفردي مع نبض الأمة. هو الشعلة التي تضيء أفق الفكر في عتمة القيود، والصوت الذي يهمس للطلبة أن التساؤل ليس تحدياً، بل حقاً، وأن كل تجربة صفية هي فضاء للتحرر. رفاهه لا يُقاس بالمال أو الجوائز، بل بالقدرة على صوغ معنى، وإطلاق الفكر من أسر القوالب الجاهزة، وتحويل كل عائق إلى جسر نحو الفهم والوعي. حين يتحقق هذا التمكين، يصبح التعليم فعلاً متجدداً، حيث تتناغم المعرفة مع الهوية والقيم، ويصبح كل درس رحلة فلسفية، وكل سؤال مفتاحاً لاستكشاف الحرية، ليظل المعلم رمزاً للصمود، ورافعة للوعي، وحارساً لصوت كل جيل يسعى لرؤية العالم بعين مستقلة وقلب واعٍ.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم مدينة البيرة

شفا – اقتحمت قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، مدينة البيرة. وأفادت مصادر …