
المشاريع والمخططات إقليمية وأكبر من معركة غزة ، بقلم : راسم عبيدات
صحيح أن نتنياهو لم يستطع تجنيد ال 60الف جندي من أجل احتلال قطاع غزة والسيطرة عليه أمنياً،وتنفيذ مخطط الطرد والتهجير المتفق عليه مع امريكا،حيث لم يستجب لأوامر التجنيد سوى 16 الف مجند، والمشكلة أعقد من ان يحلها البحث عن مجندين من امريكا وفرنسا لمثل هذه المعركة المفصلية.
العملية التي ينوي نتنياهو شنها على قطاع غزة من أجل الإحتلال الشامل ،أطلق عليها اسم مركبات او ” عربات جدعون 2 “،وتلك العملية أثارت خلافات عميقة بين المستويين السياسي مع المستويين الأمني والعسكري،حيث مورست ضغوط كبيرة على رئيس الأركان ايال زامير للموافقة عليها،وصلت حد مشاركة عائلة نتنياهو ،ابنه يائير وزوجته سارة، في تلك الحملة،والدعوة الى إقالته اذا لم يوافق على تلك العملية.
صحيح بأن وزير حربه يسرائيل كاتس صادق عليها،ومعه سموتريتش وبن غفير و”الكابينت” السياسي والأمني المصغر،ولكن هذه العملية التي من وجهة نظري واقعة لا محالة، لكون المشاريع والمخططات والطموحات الإسرائيلية والأمريكية أكبر من معركة قطاع غزة،بل هي مخططات ومشاريع شاملة لحسم الساحات التي لم يتمكنوا من حسمها سابقاً،وما زالت مفتوحة لبنان،العراق ،ايران ،اليمن ،الضفة الغربية.
وإستنباطاً من نتائج قمة “الأسكا” بين الرئيسين بوتين وترامب، والتي وافق فيها ترامب على شروط بوتين،في قضية التنازل الأوكراني عن الأراضي التي تمكنت روسيا من ضمها،وهي التي تشمل شبه جزيرة القرم،واقليم الدونباس ولوغانسك وخيرسون وزابورجيا،وبأن لا تشكل اوكرانيا أي تهديد عسكري مستقبلي لروسيا ،سواء بالإنضمام لحلف ” الناتو” او التسلح بأسلحة استراتيجية،مقابل ضمانات أمنية اوروبية وأمريكية لأوكرانيا.
هذا الإتفاق الذي يأتي بعد النجاح في اسقاط سوريا دولة ونظام،وخروجها النهائي من محور المقاومة،والإتجاه الى التطبيع العلني مع ” اسرائيل”،على أن يسبقه اتفاق أمني يوقع في ال 25 من أيلول القادم بعد الدورة الثمانين للجمعية العامة .
اذا ما نجحت المشاريع والمخططات الأمريكية و”الإسرائيلية”،فالوجبة الثانية لتلك المخططات والمشاريع مصر وجيشها وتركيا،على ان يتلوها وجبة ثالثة ايران وباكستان.
ونتنياهو البارع في تصدير الأزمات وفي الكذب والخداع والتضليل،والذي بات يخشى من المظاهرات الكبرى التي ستتفوق عدداً ومشاركة على المظاهرة التي جرت يوم السبت الماضي،وشارك فيها قطاعات اقتصادية ومالية وعمالية وصناعية ،وطيف سياسي واسع،بما فيها قادة من المعارضة بني غانتس ويائير جولان،حيث قدر عدد المشاركين بالمليون شخص.
لذلك سيحاول نتنياهو أن يكسب الوقت مع اهالي الأسرى بالطلب منهم بتأجيل تلك المظاهرة،التي ستعمق من مأزقه الداخلي،ويعدهم بأنه سيعمل على تحرير الأسرى،وترجم ذلك ظاهرياً بالإستعداد لإرسال وفد للدوحة من أجل المفاوضات لإعادة هؤلاء الأسرى،وفي المقابل يستخدم الحشد والضغط والتهديد بالخيار العسكري من أجل الضغط على المقاومة الفلسطينية وحماس من أجل تقديم تنازلات جوهرية،لا يمكن للمقاومة وحماس الموافقة عليها،حماس والمقاومة وافقوا على المقترح القطري- المصري الجديد،من أجل التخفيف من معانيات الشعب الفلسطيني ووقف مقتلة المجاعة وحرب الإبادة والتهجير،والقول بأن المقاومة لا تقامر بالشعب الفلسطيني ومعانياته،من أجل مشاريعها الخاصة،كما يقول البعض، ولكن تلك الموافقة لا تعني منح الإحتلال مكاسب لم يتمكن من تحقيقها طوال ال 22 شهراً من العدوان المستمر ،فيما يخص شرعنة الإحتلال أو المس بالشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته.وما لم يستطع نتنياهو الحصول عليه بالقوة ،والتي يقول بأن خطته العسكرية لإحتلال غزة،هي التي اجبرت المقاومة على قبول المقترح القطري- المصري،ولكن فات الأوان،ووقت الحلول الجزئية قد استنفذ،وانه لن يقبل سوى صفقة شاملة.
الصفقة الشاملة التي يريدها نتنياهو شروطها تعجيزية،هي من أجل التخلص من الضغوط التي تمارس عليه من قبل اهالي الأسرى والإتهامات التي توجه له بعدم الإكتراث بمصير الأسرى والتضحية بهم على مذبح مصالحه السياسية والشخصية،فهو في قرارة نفسه يعرف تماماً بأن شروطه للصفقة الشاملة، بنزع سلاح حركة حماس ونزع سلاح المقاومة وطرد وابعاد قادتها، واستعادة الأسرى الأموات والأحياء والسيطرة الأمنية واقامة سلطة مدنية مرتبطة بالإحتلال واطراف عربية مطبعة،وتحقيق مخططات الطرد والتهجير، لا يمكن القبول بها من قبل اي فصيل فلسطيني مقاوم .
ولذلك من وجهة نظري بأن نتنياهو يكسب الوقت مع أهالي الأسرى،ويعطيهم ” ابر مورفين” مخدرة،لكي لا يوسعوا من دائرة احتجاجاتهم،ويعمقوا من إرباك جبهته الداخلية المربكة أصلاً ،حيث قضية المظاهرات والإحتجاجات لليهود “الحريديم” احتجاجاً على قضية التجنيد تتواصل وتتوسع،وبالمقابل مأزق نتنياهو وحكومته على الصعيد الخارجي أكبر وأعمق من المأزق الداخلي،فالمناظر التي تخرج من القطاع لأطفال يموتون من الجوع،ومواطنين يقتلون وهم ذاهبون لطلب المساعدات الإنسانية في مصائد موت لمؤسسة يدعي القائمين عليها بالإنسانية ،وهي ليس لها علاقة بالإنسانية “غزة الإنسانية” ،حيث بلغ عدد من قتلوا نتيجة سياسات “هندسة التجويع والفوضى” حوالي 2000 مواطن،وجرح 15000 اخرين.
المخططات والمشاريع الأمريكية – “الإسرائيلية ” أكبر من معركة القطاع،وتحويله الى ما يعرف ب”ريفيرا الشرق” وتملكه من قبل صاحب الصفقات والعقارات المأفون ترامب بعد طرد وتهجير سكانه،حيث الحسم مطلوب على أكثر من جبهة لم يجر حسمها، ويبدو بان الجبهة السورية،رغم أنها باتت في حكم المحسومة،بعد الإجتماع الأمني الذي اشرف عليه المندوب السامي الأمريكي توماس بارك في باريس بين وزير خارجية النظام السوري الجديد ،اسعد شيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية في دولة الإحتلال رون ديرمر،حيث جرى الإتفاق على ترتيبات أمنية،والإعلان عن اتفاق أمني في واشنطن على هامش اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة،يقود إلى اعلان النظام الجديد عن التطبيع الكامل مع “اسرائيل”.
عوامل التفجير في وجه النظام الجديد كبيرة،منها امنية ومنها سياسية واخرى اقتصادية،ومنها ما هو متعلق بالأراضي السورية المحتلة وخاصة الجولان والمناطق الأمنية الإسرائيلية.
على ما يبدو بان المنطقة تتحضر لحسم في لبنان وايران واليمن،حيث الحكومة اللبنانية العاملة تحت السقف الأمريكي،ذاهبة نحو الصدام مع المقاومة،بعد استجابتها لكافة الشروط والإملاءات الأمريكية – “الإسرائيلية” ،فهي لم تنقلب فقط على الأولويات والسيادة واتفاق الطائف والميثاقية والتوافقية،بل هي ” تتعرى تماما” ،وتتخلى عن كل عنوان من عناوين السيادة والوحدة الوطنية ،فلم تكف بالموافقة على الورقة الأمريكية واقرارها،بنزع سلاح المقاومة وتحديد جداول زمنية لذلك،بل ذهبت إلى ابعد من ذلك بالتخلي عن الأسرى اللبنانيين وطعن اهاليهم والمس بكراماتهم،من خلال إطلاق سراح أسير “اسرائيلي” مدني ،لم تعلن عن وجوده مسبقاً،بدون ربط ذلك بإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين،وهناك مقترح ينقله اليها المندوب السامي الأمريكي توماس بارك،ربما تعتبره “انجاز” جديد،وهو جعل منطقة القرى الحدودية اللبنانية،منطقة اقتصادية، تشكل عملياً منطقة امنية لحماية ” اسرائيل.
كل هذه التنازلات والتخلي عن السيادة والحقوق الوطنية اللبنانية،ستدفع نحو الصدام مع المقاومة اللبنانية،التي بات صبرها ينفذ ،ولا يمكن لها ان تسلم لا بتسليم سلاحها أو بشرعنة وتأبيد الإحتلال واستمرار عدوانه على لبنان.
أما على الجبهة الإيرانية،فواضح من تصريحات الدكتور لاريجاني الأمين العام لمجلس الدفاع القومي الإيراني ومن تصريحات وزير الدفاع الإيراني، بأن الحرب عائدة،وأنه لا يوجد اتفاقيات او بروتوكلات موقعة لا مع “اسرائيل” ولا مع امريكا،وامريكا ودول الغرب الإستعماري ،تفرض المزيد من العقوبات على ايران.
اسرائيل تزيد من ميزانية الجيش ب30 مليار شيكل ،من أجل الحرب مع ايران،واستمرار امتلاك ايران لبرنامجها النووي،من شأنه منع “اسرائيل ان تكون القوة المسيطرة والمقررة في المنطقة كشرطي لأمريكا.
ولذلك علينا ان ندرك بأن ما يعلن عنه نتنياهو لحل سياسي لقضية الأسرى الإسرائيليين،ووقف إطلاق النار في قطاع غزة،مكبل بشروط تعجيزية،هي صيغة فقط للمماطلة والتسويف وامتصاص الغضب والإحتقان الداخلي ،والحد من الإنتقادات الخارجية على خلفية جرائم الإبادة والتجويع.
فالمشاريع والمخططات الأمريكية و”الإسرائيلية” أكبر وأبعد من معركة قطاع غزة،وهي ذات بعد إقليمي ودولي.
فلسطين – القدس المحتلة