7:48 مساءً / 13 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الأسطورة في شعر محمد علوش ، بين الرمزية الكونية والبعد الوجودي ، بقلم : أريج إبراهيم

الأسطورة في شعر محمد علوش : بين الرمزية الكونية والبعد الوجودي ، بقلم : أريج إبراهيم

يشكّل حضور الأسطورة في شعر محمد علوش ملمحاً جمالياً وفكرياً يغني التجربة الشعرية، ويمنحها بعداً كونياً متجاوزاً للمحلي والراهن، فالشاعر، في تعامله مع الأسطورة، لا يستحضرها كمجرد حكاية موروثة أو ترف ثقافي، بل يعيد توظيفها كأداة دلالية ووجودية لفهم الواقع الفلسطيني والعربي، والتعبير عن قلق الإنسان الحديث، وتوقه للخلاص.


في دواوينه المتعددة وفي قصائده المنشورة حديثاً، تتبدّى الأسطورة بوصفها خلفية معرفية وروحية، تختلط فيها الأزمنة وتتماهى الشخصيات الأسطورية مع رموز الواقع المعاصر، لتؤسس نصوصاً تتقاطع فيها الذاكرة الجماعية مع تجربة الشاعر الذاتية.


لا يُعنى محمد علوش بإعادة سرد الأسطورة، بل بتفكيكها وإعادة بنائها داخل نسيج شعري محمّل بالتوتر الوجداني والدلالي.


وتتردد في نصوصه أسماء وأساطير من مشرق العالم ومغربه: من عشتار وتموز إلى بروميثيوس وسِزيف، ومن جلجامش إلى المسيح، لكن هذه الرموز لا تستدعى بشكل زخرفي أو كلاسيكي، بل تنصهر داخل صورة شعرية معاصرة، تعيد تشكيل المعنى وتفجّره، ففي أحد نصوصه، يتحول الشاعر إلى “سِزيف فلسطيني”، لا يدحرج صخرة عبثية، بل يحمل صخرة الوطن على كتفيه، ويتسلّق بها الزمن الجريح، في دورة لا تنتهي من المقاومة والمأساة.


الأسطورة هنا ليست هروباً من الواقع، بل وسيلة لاختراقه، إذ يشتبك الشاعر مع الموروث الأسطوري ليصوغ منه مرآة للزمن الفلسطيني، الممزق بين الحصار والاقتلاع، وبين الحلم والخيانة، فكما في قصيدته “سمرقند”، يتداخل الأسطوري بالمديني، ويتحوّل المكان إلى كيان ميثولوجي حي، تسكنه الذاكرة، ويقطنه الشهداء والأنبياء والمنبوذون.


ويلاحظ أن توظيف علوش للأسطورة لا يقتصر على النصوص الطويلة، بل يمتد حتى إلى القصائد القصيرة والومضات الشعرية، حيث تتكثف الأسطورة في صورة أو استعارة، كأن تتحوّل المرأة إلى عشتار جديدة، أو تصير القصيدة طوفاناً نوحياً، أو يتحول المنفى إلى متاهة كريتيّة.


وفي هذا السياق، تتقاطع وظيفة الأسطورة في شعر محمد علوش مع بعدها الكوني: فهي تفتح أفقاً للغة يتجاوز حدود النثر العادي، وتمنح النص طاقة تأويلية مفتوحة، تجعل من القصيدة مكاناً للانبعاث لا للرثاء، وللمواجهة لا للانكفاء.


إنّ الأسطورة في شعر محمد علوش ليست تراثاً جامداً، بل مادة حيّة يعيد الشاعر تشكيلها بلغة حداثية، توازي بين الفكرة والدهشة، وبين الرمز والرؤيا، وبهذا المعنى، فإنّ توظيف الأسطورة عنده يعدّ أحد مفاتيح قراءة تجربته الشعرية، التي تتكئ على عمق ثقافي ومعرفي، لكنها لا تغرق في التنظير، بل تظل مشدودة إلى جذورها النضالية والوجدانية.


وبين سِزيف الفلسطيني، ودم تموز المبعثر على أرصفة غزة، وحنين أورفيوس العائد من جحيم الغياب، يكتب محمد علوش قصيدته لا كمن يستحضر ماضياً مجيداً، بل كمن يصنع أسطورته الخاصة في وجه العالم.

شاهد أيضاً

د. ليلى غنام تبحث مع رئيس جامعة بيرزيت إنشاء كلية بمعايير عالمية بدعم من رجل الأعمال حماد الحرازين

د. ليلى غنام تبحث مع رئيس جامعة بيرزيت إنشاء كلية بمعايير عالمية بدعم من رجل الأعمال حماد الحرازين

شفا – استقبلت محافظ رام الله والبيرة د. ليلى غنام، اليوم الأربعاء، رئيس جامعة بيرزيت …