
استهداف الصحفيين الفلسطينيين .. جريمة مستمرة بصمت دولي ، بقلم : فداء عسلية
في مشهد بات يتكرر بشكل مأساوي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، استُشهد ستة صحفيين فلسطينيين يوم السبت 10 أغسطس 2025، في غارة إسرائيلية استهدفت خيمة إعلامية قرب مستشفى الشفاء بمدينة غزة. الضربة جاءت في وضح النهار، وفي منطقة معروفة بوجود صحفيين ومراسلين، لتضيف صفحة جديدة إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الإعلاميين الفلسطينيين.
الصحفيون الذين استُشهدوا في هذا الهجوم هم: أنس الشريف – مراسل قناة الجزيرة، ومن أبرز وجوه تغطية الحرب على غزة، ومحمد قريع – صحفي ومراسل ميداني في قناة الجزيرة، وإبراهيم زاهر – مصور صحفي في قناة الجزيرة، مؤمن عليوة – صحفي ميداني يعمل مع طاقم الجزيرة، محمد نوفل – صحفي يعمل في تغطية ميدانية، محمد الخالدي – صحفي مستقل يعمل مع مؤسسات إعلامية محلية.
استشهاد هؤلاء الإعلاميين وقع في أثناء قيامهم بتغطية مباشرة للقصف الإسرائيلي على محيط مستشفى الشفاء، رغم ارتدائهم سترات “Press” والتواجد في منطقة مخصصة للصحافة. ورغم ادعاءات الجيش الإسرائيلي بأن أحد الشهداء ينتمي لفصيل مسلح، فإن شبكة الجزيرة وصفت هذه المزاعم بأنها محاولة لتبرير استهداف الصحفيين، مؤكدة أن الشهداء كانوا في مهمة إعلامية موثقة ومعلنة.
أسباب سياسية وراء الاستهداف
استهداف الصحفيين الفلسطينيين هو سياسة مقصودة وليست حوادث عشوائية. ففي كل حرب أو تصعيد، يُقتل صحفيون في غزة على أيدي قوات الاحتلال، ما يشير إلى نية واضحة في تغييب الحقيقة ومنع الصورة والرواية الفلسطينية من الوصول إلى العالم.
الصحفي الفلسطيني، بحكم عمله داخل مناطق العمليات وتواصله المباشر مع الضحايا، يُعدّ شاهداً حقيقياً على جرائم الحرب والانتهاكات المستمرة، وهو ما يجعل من وجوده تهديداً للرواية الإسرائيلية التي تسعى لاحتكار الحقيقة وتضليل الرأي العام العالمي.
البعد القانوني: حماية مهدورة
وفق القانون الدولي الإنساني، وتحديداً المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، فإن الصحفيين يُعدّون مدنيين ويجب حمايتهم من الهجمات المباشرة، ما لم يشاركوا مباشرة في العمليات العسكرية. وما حدث في غزة هو انتهاك صارخ لهذه القوانين، إذ تشير التحقيقات الميدانية وشهادات الناجين إلى أن الغارة كانت دقيقة وموجهة نحو تجمع معروف للصحفيين.
منظمات مثل “مراسلون بلا حدود”، و”هيومن رايتس ووتش”، و”لجنة حماية الصحفيين” وثّقت عشرات حالات الاستهداف المباشر لصحفيين فلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، بعضها أُرفق بتقارير وأدلة وشهادات ترجّح أن الأمر ليس “خطأً عسكرياً”، بل “سياسة إقصائية” تهدف لإسكات الصوت الحر.
المطلوب: تحرك دولي عاجل
رغم ضخامة الانتهاك، إلا أن ردود الفعل الدولية لم تخرج عن إطار التنديد اللفظي. وحتى اللحظة، لم يُحاسب أي مسؤول إسرائيلي عن مقتل أكثر من 100 صحفي فلسطيني منذ عام 2000.
ما الذي يجب فعله؟
- فتح تحقيق دولي مستقل في استهداف الصحفيين في غزة من خلال مجلس حقوق الإنسان أو محكمة الجنايات الدولية.
- إطلاق حملات ضغط إعلامي وقانوني على المستوى الدولي لمساءلة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن إصدار أوامر الاستهداف.
- تحرك نقابات الصحفيين العالمية بشكل جماعي للدفاع عن زملائهم في فلسطين.
- فرض عقوبات دولية على الانتهاكات الممنهجة بحق الإعلام الفلسطيني.
خاتمة
مقتل الصحفيين الفلسطينيين ليس مجرد خسارة لمهنيين يؤدون واجبهم، بل هو جريمة ضد الحقيقة وضد حق الإنسان في المعرفة. استمرار الصمت الدولي على هذه الجرائم يجعل من المؤسسات الدولية شريكًا غير مباشر في تكميم الأفواه، وتكريس ثقافة الإفلات من العقاب.
ربما لم نعد ننتظر الكثير من القادة، لكن التاريخ سيكتب أن هناك من حاول أن يقول الحقيقة .. حتى وإن كانت الكلمة الأخيرة رصاصة.