
تعاون صيني سعودي نحو مستقبل أخضر ، بقلم : ريماس الصينية
في عام 2025، يحل الذكرى العشرين لمفهوم “الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة”، قبل عشرين عاما، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ هذا المفهوم لأول مرة في قرية يوتسون بمقاطعة تشجيانغ. في ذلك الوقت، كان هذا المفهوم بمثابة تأمل عميق ورؤية مستقبلية في سياق التصنيع السريع للصين، مؤكدا أن حماية البيئة والتنمية الاقتصادية ليستا متناقضتين، بل يمكنهما التكامل والتعاضد، على مدى العشرين سنة التالية، لم يغير هذا المفهوم طريقة تنمية الصين فحسب، بل تجاوز الحدود ليصبح لغة مشتركة للتنمية المستدامة عالميا، وتوافق بشكل كبير مع أهداف التحول الأخضر في”رؤية السعودية 2030”.
في الصين، مع تعميق مفهوم “الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة”، ارتقى بناء الحضارة الإيكولوجية إلى استراتيجية وطنية،تم تنفيذ سلسلة من مشاريع استعادة النظم البيئية على مستوى البلاد، بما في ذلك مشروع حزام الغابات الثلاثي الشمالي، وحماية حوض نهر اليانغتسي، وإعادة الأراضي الزراعية إلى غابات ومراعي، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع مستمر في نسبة الغطاء الحرجي (مساحة الغابات) في البلاد، والتي تجاوزت 25% اليوم. وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، تحتفظ الصين بنمو مزدوج في المساحة والحجم الحرجي (مساحة الغابات) لمدة 30 عاما متتالية، وأسهمت بنحو25% من إجمالي الزيادة العالمية في المساحات الخضراء، مما يجعلها الدولة الأكبر إسهاما في “تخضير” الكوكب.
لمواجهة تغير المناخ وتحسين قدرة المدن على التنمية المستدامة، تسارعت وتيرة بناء المدن الخضراء في العديد من المناطق الصينية، حيث قامت مدن مثل بكين وشنتشن وتشنغدو بالريادة في تعميم مفهوم “المدن الإسفنجية” و”المباني الخضراء”، مما رفع مستويات البنية التحتية الخضراء ونوعية حياة السكان، في الوقت نفسه، تطورت صناعة الطاقة المتجددة في الصين بسرعة، بحلول نهاية عام 2024، احتلت الصين المرتبة الأولى عالميا في قدرة توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية، حيث تجاوز إنتاج السيارات الجديدة التي تعمل بالطاقة النظيفة 13 مليون سيارة، تمثل 70% من الإجمالي العالمي، واحتفظت بالمركز الأول عالميا لمدة خمس سنوات متتالية، لتصبح الطاقة الخضراء محركا جديدا للتنمية الاقتصادية عالية الجودة.
في منطقة الشرق الأوسط، تقوم المملكة العربية السعودية بدعم كبير للتحول الأخضر، كواحدة من أهم دول إنتاج الطاقة في العالم، تعمل السعودية باستمرار على تنويع هيكل الطاقة، وتسعى لتحقيق التكامل بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، حول مبادرتي ” السعودية الخضراء ” و” الشرق الأوسط الأخضر “، اقترحت السعودية زراعة 10 مليارات شجرة بحلول عام 2030، والحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون، وتسريع تطوير الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والسعي لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2060، هذه الأهداف الطموحة لا تعكس فقط التوجه الاستراتيجي للسعودية للحد من الاعتماد على الطاقة التقليدية وبناء نظام اقتصادي متنوع، بل تظهر أيضا التزامها المسؤول بالمناخ العالمي وتصميمها الثابت على تحسين البيئة الإقليمية.
يتعمق التعاون بين الصين والسعودية في مجال التنمية الخضراء، ليصبح نقطة مضيئة جديدة في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، في مجال الطاقة المتجددة، توفر الشركات الصينية معدات متطورة وقدرات بناء للسعودية، على سبيل المثال، مشروع محطة الشعيبة لتوليد الطاقة الكهروضوئية في السعودية، وهو أكبر مشروع للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، سيولد حوالي 282.2 مليار كيلوواط من الكهرباء خلال الـ 35 عاما المقبلة، ويقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 245 مليون طن، كما أن محطة سكاكا للطاقة الشمسية التي بناها مقاولون صينيون هي أول مشروع تجاري للطاقة الشمسية في السعودية، حيث تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 430 ألف طن سنويا، مما يضخ زخما قويا في تحول الطاقة السعودي، بالإضافة إلى ذلك، يعمل الجانبان الصيني والسعودي معا في مشروع مدينة نيوم المستقبلية على التعاون في التقنيات الخضراء، وتعزيز حلول الهيدروجين وشبكات الكهرباء الذكية والنقل المستدام.
يعد الحفاظ على البيئة أيضا اتجاها مهما للتعاون بين الصين والسعودية، تعد السعودية واحدة من أكثر الدول تضررا من التصحر في العالم، وهي تعمل بنشاط على تعزيز مشاريع التشجير واستصلاح الأراضي، بينما تمتلك الصين خبرة ناضجة في مكافحة التصحر، في السنوات الأخيرة، قام المركز الوطني السعودي لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وعدد من المؤسسات الصينية مثل الأكاديمية الصينية للعلوم الحراجية ومعهد بحوث مكافحة التصحر في مقاطعة قانسو بتبادل الزيارات والدراسات، وركزوا على دراسة مشروع حزام الغابات الثلاثي الشمالي ونتائج مكافحة التصحر في شمال غرب الصين، ووقعوا مذكرات تفاهم لتحديد التعاون في مجالات مكافحة التصحر، والأضرار الناجمة عن الرياح والرمال، وتدهور الأراضي في المناطق الجافة، والإدارة المستدامة للأراضي الجافة، وإدارة الكثبان الرملية المتحركة، ومكافحة العواصف الرملية، يحول الجانبان ميزاتهما الخاصة إلى إجراءات ملموسة لدفع التعاون في الترميم البيئي من التبادل إلى التنفيذ.
والجدير بالذكر أن التعاون الأخضر بين الصين والسعودية قد أدى أيضا إلى تعزيز التبادلات الشعبية، في سياق التكامل الاستراتيجي بين مبادرة “الحزام والطريق” و “رؤية السعودية 2030″، أصبح مفهوم التنمية الخضراء كلمة رئيسية في التبادلات بين مراكز الفكر والجامعات ووسائل الإعلام والشباب الصيني والسعودي، يظهر المزيد من الشباب السعودي اهتماما كبيرا ببناء الحضارة الإيكولوجية في الصين، حيث أطلقت الجامعات الصينية العديد من برامج التبادل في مجال دراسات الشرق الأوسط والطاقة والتنمية المستدامة؛ في الوقت نفسه، تعمل المؤسسات البحثية والشركات الصينية على تعزيز تقنيات مكافحة التصحر واستعادة البيئة لتتوافق مع احتياجات السعودية، هذا التفاهم في الأفكار والمشاعر يضع أساسا متينا للشراكة الخضراء طويلة الأجل بين الصين والسعودية.
في الوقت الحالي، تتفاقم مشاكل تغير المناخ العالمي وفقدان التنوع البيولوجي ونقص المياه. إن التضامن والتعاون بين دول الجنوب، وخاصة التنسيق بين الصين والسعودية كقوتين ناشئتين، سيكون له تأثير إيجابي على نمط التنمية المستدامة العالمي، إن المفاهيم التي تتبناها الصين مثل “المسؤولية المشتركة لكن المتباينة” و”مجتمع الحياة المشترك بين الإنسان والطبيعة” و”طريق الحرير الأخضر” تتناغم بشكل جيد مع رؤية الشرق الأوسط الأخضر السعودية، لا يدفع التعاون الأخضر بين الصين والسعودية العلاقات الثنائية إلى التعمق على المستويين الاقتصادي والتقني فحسب، بل يضع أيضا نموذجا جديدا للتعاون بين دول الجنوب على المستويين الأخلاقي والفكري.
لم يعد مفهوم “الجبال الخضراء والمياه النقية هي جبال من ذهب وجبال من فضة” مجرد شعار في الريف الصيني، بل أصبح مسارا واقعيا يزهر ويحقق قيمة في العديد من البلدان والنظم البيئية حول العالم، في الذكرى العشرين لطرح هذا المفهوم، تتقدم الصين والسعودية بخطى أكثر ثباتا وتعاونا أكثر واقعية لتحويل مفهوم التنمية الخضراء إلى ممارسة مشتركة، يمكن التنبؤ بأنه في العشرين سنة القادمة، سيستمر هذا المفهوم في النمو والإزهار وتحقيق النتائج على طرفي طريق الحرير، وفي أراضي الشرق الأوسط الخضراء، ليكتب فصلا جديدا من التعايش والربح المشترك بين البشرية والطبيعة.
- – ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية – الصين
إقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة