
إطلاق كتاب “تجاذبات المفهوم وأنماط المواجهة في الأبرتهايد الإسرائيلي”: تحليل نقدي استراتيجي من التشخيص إلى تفكيك القمع المتجدد ، بقلم : نسيم قبها
يُمثل إطلاق كتاب “تجاذبات المفهوم وأنماط المواجهة في الأبرتهايد الإسرائيلي” حدثاً فكرياً وسياسياً بالغ الأهمية، ينطلق من جذرية التحليل وضرورة التوصيف الدقيق.
الكتاب ومن خلال عنوانه، يلامس لبّ الإشكالية: التجاذب المفاهيمي كساحة صراع أولى. فاستخدام مصطلح “الأبرتهايد” (الفصل العنصري) ليس مجرد وصف، بل هو تسييس للمفهوم القانوني-الأخلاقي الذي تبنته منظمات حقوقية مرموقة (هيومن رايتس ووتش، بتسيلم) والمحكمة الجنائية الدولية مؤخراً. هذا التوصيف يُحول النقاش من إطار “الصراع” المُبهم إلى إطار “نظام قمع مؤسسي قائم على التمييز العنصري”، مما يُضعف الرواية الإسرائيلية القائمة على التضليل الأمني والاستثناء الاستعماري.
الكتاب، كما يُلمح العنوان، يتجاوز التشخيص إلى تحليل أنماط المواجهة . هنا يطرح إشكاليات استراتيجية محورية: كيف تُواجه منظومة أبرتهايد معقدة ومتداخلة (في الضفة، غزة، الداخل الفلسطيني، القدس، قوانين الدولة اليهودية)؟ هل تكفي المقاومة الشعبية اللامركزية؟ وما دور المقاطعة الدولية (BDS) كأداة ضغط معولمة؟ وكيف يمكن توحيد الخطاب والممارسة بين الجغرافيات الفلسطينية المتقطعة؟ يفرض الكتاب نقاشاً حول فعالية التكتيكات وضرورة تعدد مستويات المواجهة: القانون الدولي (ملاحقة مجرمي حرب)، الدبلوماسية (كسر التطبيع)، المقاومة المدنية، والحشد الشعبي العربي والدولي.
من زاوية استراتيجية، يُسلط الضوء على إشكالية التكيّف الصهيوني. فالنظام الإسرائيلي اللصوصي بارع في إعادة تدوير أدوات القمع وابتكار أشكال جديدة من الفصل (“الجدار”، التقسيم الديموغرافي، القوانين العنصرية) مع الحفاظ على الجوهر. لذا، فإن أي استراتيجية مواجهة يجب أن تكون ديناميكية، قادرة على تفكيك هذه الآليات المتجددة وتعريتها دولياً. التحدي الأكبر هو تحويل الإدانة الأخلاقية والقانونية المبتذلة إلى ضغط سياسي فاعل يُجبر (إسرائيل) على دفع ثمن الأبرتهايد المستمر، خاصة في ظل الدعم الغربي المتواطىء غير المحدود.
إن هذا الكتاب ليس مجرد تأريخ أو توصيف، بل هو أداة تفكيك وتأطير واعية . نجاحه يُقاس بقدرته على تعزيز الوحدة المفاهيمية للنضال الفلسطيني الطويل (تحت مظلة مقاومة الأبرتهايد)، وتطوير استراتيجيات مواجهة متكاملة تنتقل من رد الفعل إلى الفعل الإستراتيجي الممنهج والماكر في التعاطي مع مكر الأبرتهايد ، مستفيدين من التحولات في الوعي الدولي والقانوني شعبيا ورسميا ، والسعي لتحقيق المساءلة والعدالة كأساس لأي حل دائم قريب للعدالة المفقودة. إنه إسهام حيوي في معركة الرواية والفعل ، في زمن تشتد فيه حاجة الفلسطينيين إلى أدوات فكرية رصينة تواجه آلة التضليل والقهر الممتد .
- – نسيم قبها – المجلس المركزي للحملة الأكاديمية لمواجهة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي