12:14 صباحًا / 8 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

خطة التهجير ربما بدأت ، قراءة في المشهد الفلسطيني المعاصر ، بقلم : محمود جودت محمود قبها

خطة التهجير ربما بدأت ، قراءة في المشهد الفلسطيني المعاصر ، بقلم : محمود جودت محمود قبها


تشير مؤشرات متزايدة إلى أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية لا سيّما في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد مجرد سياسة قمعية أو سلسلة من الإجراءات الأمنية بل يتجاوز ذلك نحو ما يمكن وصفه بـ “خطة التهجير” قد لا تكون الخطة معلنة رسميًا لكنها تُمارس على الأرض بخطى مدروسة عبر أدوات متعددة أبرزها الحصار والعقوبات الجماعية والانهيار الاقتصادي وتفكيك البنية المجتمعية إلى جانب تضييق الخناق على الحياة اليومية للفلسطينيين حتى يبدو “الخروج” هو الحل الوحيد أمامهم.


فهم السياق الإقليمي والدولي الذي يهيئ لها وأدوات تنفيذها وتداعياتها الاستراتيجية وسبل المواجهة الوطنية لهذا التحدي الوجودي ملامح التهجير القسري في السياسات الإسرائيلية على مدار العقود استخدمت إسرائيل أساليب متعددة لإفراغ الأرض من سكانها الأصليين ضمن ما يمكن وصفه بـ النكبة المستمرة لكن المرحلة الراهنة تتسم بطابع مركب وخطيرالضغوط المعيشية والاقتصادية تقليص تصاريح العمل منع دخول المواد الأساسية إلى غزة تدمير البنية التحتية عمدًا خاصة في المخيمات وقف دعم الأونروا وتهميشها تدريجيًا مما يضع اللاجئين أمام خيارات قاتلة الهدم المنهجي للمنازل في القدس والضفة الغربية يتم هدم البيوت تحت ذرائع قانونية دون تقديم بدائل تُترك العائلات بلا مأوى ما يدفعها للرحيل نحو الخارج أو إلى مناطق أكثر تهميشًا الاقتحامات والاعتقالات اليومية العنف المفرط المتعمد يهدف لترهيب السكان ودفعهم للرحيل زعزعة الإحساس بالأمن في كل لحظة.


خطة قطاع غزة – نموذج التهجير بالإبادة الصامتة ما حدث في غزة خلال الحروب الثلاث الأخيرة (2014، 2021، 2023) وصولًا إلى حرب 2024-2025 لم يكن فقط عدوانًا عسكريًا بل جزءا من سياسة تجريف بشري شامل دُمرت أحياء بكاملها بما فيها الأبراج والمشافي والمدارس تم تقنين الجوع عبر منع الإمدادات الغذائية والطبية ظهرت دعوات صريحة من ساسة إسرائيليين لـ إعادة توطين الغزيين في سيناء أو دول الجوار القصف المتكرر يستهدف البنية الاجتماعية والنفسية مما يولد إحباطًا يدفع نحو الهروب .


الرسالة الخفية غزة لم تعد صالحة للعيش… فلتخرجوا تسهيلات الهجرة… فخ الإفراغ الطوعي رغم أن الخطاب الغربي يُدين التهجير القسري إلا أن الدول نفسها تفتح أبوابها بشكل انتقائي أمام الشباب الفلسطيني خصوصًا المتعلمين منهم ضمن برنامج الهجرة الناعمة والتي تشكل فخًا يُراد منه تفريغ الأرض من العقول الشابة والقيادات المستقبلية تشجيع التهجير الطوعي تحت ستار الفرص ضرب روح المقاومة المجتمعية وقد شجعت بعض الأنظمة العربية هذا الاتجاه تماشيًا مع صفقات التطبيع التي ترى في تقليل عدد الفلسطينيين أداة لتصفية القضية .


في المشهد الفلسطيني المأزوم تُطل علينا مؤشرات مقلقة قد لا تكون مجرد أحداث عشوائية بل حلقات ضمن سياق أوسع سياقٌ يشير إلى ما قد يكون تطبيقًا صامتًا أو بداية متدرجة لـ خطة تهجير كبرى تستهدف اقتلاع الفلسطيني من أرضه وطمس هويته وتفريغ الجغرافيا من السكان الأصليين تمهيدًا لإعادة تشكيلها ديموغرافيًا وسياسيًا تهجير بصمت – أدوات غير تقليدية ليست دبابات الاحتلال وحدها من تُهجر بل أيضًا الحصار الاقتصادي والإغلاق المستمر وحرمان الناس من أدنى شروط الحياة الكريمة.


في غزة: عشرات الآلاف فقدوا بيوتهم آلاف الشهداء مستشفيات منهارة اقتصاد مشلول وتعليم مدمّر النتيجة؟ شباب بأكمله يحلم بالهروب في الضفة الغربية تصاعد الاستيطان التضييق الأمني سحب الهويات منع البناء وهدم البيوت في القدس والأغوار والخليل كلها تصنع بيئة طاردة للسكان تواطؤ إقليمي وصمت دولي ليست الخطة جديدة منذ النكبة والفلسطيني يُطرد قسرًا بينما يعلو الصوت الدولي بالشجب ثم يخفت لكن الجديد اليوم هو .


تطبيع عربي موازٍ لصمتٍ كامل عن جرائم التهجير غضّ النظر الغربي تحت مسمى حق الدفاع عن النفس حتى لو كان الثمن طرد شعب كامل منظومة تنسيق أمني واقتصادي تحرم الفلسطيني من أي إمكانية للمقاومة الفعلية أو حتى الصمود المعيشي .


الهجرة القسرية بصيغة طوعية حين يحرم المواطن من الكهرباء الماء الوظيفة الأمان الدواء والتعليم فإن خروجه من الوطن لا يصبح خيانة بل خيارًا قسريًا للبقاء التهجير المعاصر ليس شاحنة عسكرية تُقلّك إلى الحدود بل منظومة قهرية تُجبرك على الرحيل بإرادتك هل نحن أمام تكرار النكبة؟ النكبة الأولى جاءت بالبندقية والمجزرة اليوم تسير الأمور بطريقة أكثرتحضرا لكنها لا تقل خطورة .


تغيير ديموغرافي ممنهج في القدس وداخل أراضي 48 نقل قسري في غزة يدفع نحو سيناريوهات تصفية وطنية تفريغ مستمر للمخيمات في لبنان وسوريا والأردن عبر الهجرة إلى أوروبا وكندا.


ما العمل؟ الصراخ وحده لا يكفي لابد من كشف الحقائق وتوثيق كل أدوات التهجير من الحرب إلى الفقر حشد الطاقات الوطنية لإعادة الاعتبار لمفهوم الصمود لا الهجرة موقف سياسي موحّد يرفض كل مشاريع الترحيل الناعمة إعلام مقاوم يعيد تشكيل الوعي الجمعي ويعيد الاعتبار للمكان إذا كان المشروع الصهيوني قائمًا على الأرض والتهويد فإن مشروعنا يجب أن يُبنى على الصمود والبقاء نعم، خطة التهجير ربما بدأت… لكن إفشالها يبدأ من إدراكها ومن ثم مواجهتها على كل المستويات فكما قاوم الفلسطيني النكبة الأولى فهو قادر – إن نهض – أن يمنع تكرار الثانية .


منظمة التحرير الفلسطينية الحق الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كمرجعية عليا تشكيل قيادة طوارئ وطنية تتصدى للمخاطر الوجودية تدويل القضية من منظور التهجير إعادة تعريف الصراع دوليًا بأنه صراع ضد التطهير العرقي تفعيل آليات المحاسبة الدولية على جرائم الحرب والتهجير استخدام الإعلام الدولي والمؤسسات الحقوقية لإحباط خطة الإفراغ الصامت .


بين النكبة والنكسة… هل بدأنا النفي الأخير؟ لقد خبر الفلسطينيون النكبة والنكسة والاجتياحات والتهجير لكن اللحظة الراهنة تجمع بين كل ذلك في آنٍ واحد إنها لحظة فاصلة في تاريخ القضية فإما أن تتحول إلى هزيمة نهائية وخروج جديد من الأرض أو تكون بداية لانبعاث وطني جديد القرار ليس في أروقة الأمم المتحدة ولا في بيانات الجامعة العربية بل في إرادة الشعب الفلسطيني الذي أثبت عبر قرن من النضال أن الأرض لا تُفرّط والهوية لا تُمحى والصوت لا يُخرس.


باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

شاهد أيضاً

الأمن الوطني يختتم دورة تدريبية متخصصة في "صحافة الموبايل" في محافظة نابلس.

الأمن الوطني يختتم دورة تدريبية متخصصة في “صحافة الموبايل” في محافظة نابلس.

شفا – نظم الأمن الوطني الفلسطيني بالشراكة مع مؤسسة حماة الفتح وإقليم فتح – نابلس، …