3:32 مساءً / 26 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

بينما يسير الإقليم نحو الانهيار ، لا يمتلك الفلسطيني حتى رفاهية الانهيار ، بقلم : سالي ابو عياش

بينما يسير الإقليم نحو الانهيار ، لا يمتلك الفلسطيني حتى رفاهية الانهيار

بينما يسير الإقليم نحو الانهيار… لا يمتلك الفلسطيني حتى رفاهية الانهيار ، بقلم : سالي ابو عياش


يومنا صار مليان بهالجمل… صرنا نحكيها بدون ما نفكر، كأنها جزء من النفس: تجريف وسيطرة أراضي… واستيطان بلعنا بلع…واقع اجتماعي واقتصادي فلسطيني ميت… عايشين من قلّة الموت… غزة؟ ليش مش منطقة منكوبة؟


طيب مهو يلي ما مات بالقصف مات بالجوع، والي ما مات من الجوع مات بنوبة ارتفاع سكر ما إله أنسولين، والي نجا من …خيمتو غرقت بالمطر أو السيل جرفها للبحر. والليل بطل للنوم… صار مليان رعب وخوف ومراقبة.


يا عمّي… وبعدين؟ لوقتيش؟


بينما ينزلق الإقليم إلى هاوية جديدة، تتوالى فيها احتمالات الحرب وتتشابك خطوط النار من لبنان إلى غزة، يكتشف الفلسطيني أنه آخر من يملك ترف متابعة الانهيار من بعيد. فالمشهد الإقليمي ينهار بسرعة مخيفة: حدودٌ تُهدَّد بالاشتعال، وجبهاتٌ تتوسّع، وتوازناتٌ سياسية تتفكك، ودولٌ تقف على حافة أزماتها الاقتصادية والأمنية. غير أنّ هذا الانهيار، بكل ما يحمله من ضجيج وخطر، يبدو تفصيلاً صغيراً أمام ما يعيشه الفلسطيني يوميا؛ فبينما تمتلك الدول محاولات للترميم، ويملك الإقليم مساحة للتفاوض والتراجع والتقاط الأنفاس، لا يجد الفلسطيني حتى مساحة للسقوط.


إنّ الإقليم الذي يتجه نحو المجهول يعيش لحظة اضطراب كبرى، لكنّ الفلسطيني لا يعيش اضطراباً… بل يعيش الانهيار ذاته منذ سنوات طويلة انهيار الأرض أمام الاستيطان الذي يبتلع الضفة الغربية بلا توقف، انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أُنهكت حتى بدا المجتمع نفسه كجسد ممدّد يحاول فقط أن يتنفّس، وانهيار المعنى الإنساني في غزة التي تحوّلت إلى منطقة منكوبة بلا إعلان رسمي، وإلى مساحة موت مفتوح لا يعرف فرقاً بين قصف وجوع ومرض وعاصفة.


وفي وقتٍ يناقش فيه العالم احتمالات الحرب المقبلة، يناقش الفلسطيني فقط كيفية النجاة من يوم آخر.


فالأثر الإقليمي يجني ثماره الفلسطيني فكل تصعيد في لبنان، وكل تحرك في أي جبهة إقليمية، يزيد الفلسطيني ضيقاً وعزلة، إن رقعة النشاط الاستيطاني وشراسته تزداد، وما يحمله من تهديد مباشر لا يطال الفلسطيني وحده، بل ينسف ركائز الاستقرار في المنطقة بأسرها، ليصبح المشهد أكثر قتامة.


فهجمات المستوطنين المتصاعدة حاليا، والتي باتت معفية تماماً من أي مساءلة عدلية أو قانونية، والمدعومة من مؤسسات صهيونية رسمية، لم تعد مجرد حقول صراع تقليدية، بل بوابات تُفتح على صراعات أعمق وأطول لا يعرف أحد مآلاتها.


يشكّل الاستيطان، بما يحظى به من أموال ودعم لا حصر له من جيش الاحتلال، منصة متوسعة لإعادة هندسة الجغرافيا على حساب التاريخ والإنسان الفلسطيني. فالمتجول في الضفة الغربية يرى اليوم كيف بات الزحف الاستيطاني يقضم التلال والجبال رويدا رويدا، وكيف تتبدل معالم المكان، وكيف تتحوّل المسافات بين القرى والمدن إلى نقاط عسكرية تُعيق الحركة اليومية.


والنتيجة أن الفلسطيني لم يعد وحده من يتأثر؛ بل أصبح المشهد برمته على شفا الانزلاق نحو دوامة من العنف والتوتر، التي تريدها إسرائيل لشرعنة عملية عسكرية في الضفة الغربية، تساهم في طرد الفلسطينيين من أرض أجدادهم.
وفي الضفة المقابلة تقع غزة، المدينة التي تحوّلت إلى نموذج حي للنكبة اليومية، لكنها بلا إعلان رسمي بأنها منطقة منكوبة فبعد عامين من الحرب وقليل من الهدن الكاذبة، دُمرت الحياة برمتها.


المباني التي بقيت قائمة باتت أشباحا، الطرق التي كانت تربط الناس باتت تجمعات هالكة من الركام والاتربة تحمل في طياتها العديد العديد من الذكريات، والبنية التحتية منهارة بشكل كامل. المدارس والمستشفيات أصبحت أماكن شبه خالية أو غير صالحة للعمل أو مراكز إيواء تملؤها الخيم، والكهرباء والماء أصبحا سلعة نادرة، لا تتوفر إلا لفترات قصيرة بالكاد تكفي ليوم واحد، وسط خروقات مستمرة للهدنة دون أي حساب أو مساءلة.


لقد انعقدت مفاوضات وأُقرت مشاريع متعددة من أجل التوصل إلى سبل نجاة، لكنها جميعها بقيت على الورق، بلا أي تأثير حقيقي على أرض الواقع. غزة، بعد الحرب والهدن الكاذبة، لم تعد سوى مساحة للمعاناة المستمرة، حيث الموت والجوع والمرض والفقد يقضّون على أي بصيص أمل، والإنسان الفلسطيني مضطر للتكيّف مع واقع لم يعد فيه مكان للطمأنينة أو الأمان.


لم تخلق الحرب والظروف الإقليمية المتوترة سوى حالات من الضياع والدمار للفلسطيني، بما في ذلك الاقتصاد. المواطن الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية، يعيش على هامش البقاء، مع بطالة متفشية، أسواق مشلولة، وحركة محدودة بين المدن بسبب الحواجز والسيطرة الإسرائيلية. ارتفاع الأسعار ونقص الموارد الأساسية جعل الحياة اليومية تحدياً مستمر، فيما المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة تتهاوى تحت وطأة الحرب والاستيطان المستمر.


حتى الدعم الدولي، الذي كان يفترض أن يخفف وطأة الأزمة، لم يغير شيء، المواطن مضطر للتكيف مع اقتصاد منهك:

من فقد وظيفته، أو ما زال في وظيفته ولكن دون راتب يعيله، إلى من لا يجد قوت يومه، ومن اضطر لبيع ممتلكاته الصغيرة ليتمكن من البقاء، إلى من فقد أي أمل بمستقبل كريم لأطفاله. بهذا الشكل، أصبح الاقتصاد الفلسطيني مرآة لمعاناة الناس اليومية وصورة حية لانهيار كل شيء من حولهم، ليبقى الفلسطيني واقفاً وسط خراب شامل، يكافح فقط ليبقى على قيد الحياة.


ربما هي نهاية المطاف.


فالفلسطيني اليوم لا يملك رفاهية الانهيار، لكنه يعيش كل يوم انهياراً جديداً.


الأرض تُبتلع، المدن تنهار، والحياة أصبحت مجرد محاولة للبقاء. لا هدنة تحميه، ولا مفاوضات تنقذه، ولا دعم دولي يصلح ما أفسدته سنوات الحرب والسيطرة والاستيطان. إن كل لحظة استمرار هي شهادة على واقع أصبح فيه البقاء نفسه إنجازا، والعيش تحدياً بلا أفق.


ترى إلى متى سيبقى الفلسطيني ينتظر دوره في الحياة، عوضاً عن بقائه ميتاً على قيدها؟

شاهد أيضاً

الرئيس الصيني يعين سفراء جددا

الرئيس الصيني يعين سفراء جددا

شفا – عيّن الرئيس الصيني شي جين بينغ، السفراء التالية أسماؤهم، وفقا لقرار اللجنة الدائمة …