4:04 مساءً / 31 يوليو، 2025
آخر الاخبار

من يُسوّق للسلام بينما يُباد الفلسطيني؟ الإبادة في غزة، الضم في الضفة، وتواطؤ دولي مريب ، بقلم : سالي أبو عياش

من يُسوّق للسلام بينما يُباد الفلسطيني؟ الإبادة في غزة، الضم في الضفة، وتواطؤ دولي مريب ، بقلم : سالي أبو عياش

من يُسوّق للسلام بينما يُباد الفلسطيني؟ (الإبادة في غزة، الضم في الضفة، وتواطؤ دولي مريب) ، بقلم : سالي أبو عياش


لم تكن القضية الفلسطينية يوماً مجرد نزاع سياسي أو مشكلة دبلوماسية عابرة، بل هي مأساة مستمرة منذ نكبة 1948، حيث تتابعت المجازر والتهجير والاحتلال، لتتحول الأرض بأكملها إلى مسرح لجريمة مستمرة بحق شعب يناضل من أجل حقه في الحياة والكرامة.


اليوم، بينما تغرق غزة في محنة لا مثيل لها، ويُعلن العالم عن مبادرات للسلام، يبقى السؤال ملحاً: كيف يُسوّق للسلام في حين يُباد الفلسطيني؟ وكيف يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي دون عدالة تُعيد الحقوق المسلوبة؟


غزة بين المجاعة والمجازر:


في زمن تختلط فيه دماء الأطفال بالمؤتمرات الصحفية والسياسية، وتُفصَّل العدالة على مقاس المصالح، يطرح هذا المقال سؤالاً صارخاً: من يُسوّق للسلام بينما يُذبح الفلسطيني؟


فمن غزة المحاصرة إلى الضفة الغربية المضمومة، مروراً بالمشهد الإقليمي المتواطئ والمجتمع الدولي الصامت، يستعرض هذا النص المفارقات الفاضحة بين خطابات “السلام” والواقع الميداني، ويُفنّد كيف تحوّلت عملية السلام إلى أداة لإعادة إنتاج الاحتلال فالقراءة لا تعفي أحداً من المسؤولية، ولا تساوم على الحق في الحياة والحرية والعدالة والمفارقة قاتلة.


السلام في المؤتمرات، والمجزرة على الأرض:


ففي الوقت الذي لا تزال فيه الجثث تُنتشل من تحت الركام في غزة، وتُحتجز المساعدات عند معابر الموت، ويُقتَل الفلسطيني في الضفة الغربية برصاص المستوطنين دون رادع، تعجّ المنطقة بخطابات تُبشّر بالسلام. فبعد قرابة العامان من هذه الحرب المسعورة يظهر مصطلح “فرصة للسلام” في المؤتمرات، وتُنشر بيانات ترحّب بـوقف دائم لإطلاق النار، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن حوالي 60 ألف شهيد و151 ألف جريح في غزة، وآلاف المعتقلين والمهجّرين في الضفة، مجرد أرقام في نشرات إخبارية قديمة، لا تنتمي إلى حاضرٍ يُبثّ حياً على الهواء، ففي كل لحظة يُعلن فيها عن مفاوضات، تُدفن عشرات العائلات تحت الأنقاض. هذه ليست مصادفة، بل سياسة ممنهجة للقضاء على أكبر وجود فلسطيني في القطاع.

استمرار آلة الإبادة في غزة:


بينما يتحدثون عن “التهدئة”، تنقل الكاميرات مشاهد الأشلاء وحرائق المستشفيات، والآلة العسكرية الإسرائيلية تواصل عملياتها في القطاع منذ بدء هذه الحرب في اكتوبر2023، تُمارس فيها جميع أشكال الإبادة الجماعية: من القتل المباشر والتجويع، إلى استهداف البنية التحتية والمنشآت الصحية والتعليمية، فيشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نصف سكان غزة يواجهون خطر المجاعة الفورية، وأكثر من مليون ونصف إنسان في مراحل متقدمة من انعدام الأمن الغذائي، حيث يُضطر الأطفال لأكل العشب إن وجد، ويُمنع إدخال الدقيق وحليب الأطفال ومستلزمات الحياة اليومية وأمام هذا كله الأمم المتحدة توثّق، والمحاكم الدولية تشهد، والعالم يعرف. ومع ذلك، يتجدد الحديث عن “خارطة طريق للسلام”، وكأن التسوية ممكنة قبل وقف المجزرة ومحاسبة الجناة. وكأن المطلوب من الضحية أن تشكر قاتلها على حسن النوايا.
الضفة الغربية: الضم والإرهاب الرسمي:


في الضفة الغربية، بلغ الإرهاب ذروته فالمستوطنون المدججون بالسلاح والمدعومون من الحكومة الإسرائيلية، يُمارسون يومياً القتل والحرق والطرد، ضمن سياسة تهجير ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين وسط تواطؤ جيش الاحتلال إن لم يكن بتوجيه مباشر منه.


فلا قانون يحكم، ولا محكمة تُدين، بل تشجيع رسمي عبر قرارات تُعزز الاستيطان وتُشرعن الضم، كما فعل الكنيست مؤخراً حين صوّت رسمياً على ضم الضفة الغربية إلى “السيادة الإسرائيلية”.هذا القرار ليس مجرد إعلان رمزي، بل يمثل أخطر تحوّل قانوني منذ أكثر من نصف قرن، حيث منح المستوطنات مكانة قانونية داخل المنظومة المدنية الإسرائيلية، ما يُنهي عملياً ما تبقى من وهم “حل الدولتين”. ورغم ذلك، لم تتوقف التصريحات الدولية التي تُطالب بـ”العودة إلى طاولة المفاوضات”.


من يُروّج لهذا الخطاب يتجاهل عمداً أن الطاولة ذاتها احترقت، وأن الأرض التي يُفترض التفاوض عليها تُلتهم يوماً بعد يوم بالجرافات والمستوطنات والجدران والأسلاك.


لا يتحدثون عن الضم، ولا عن الحصار، ولا عن المجاعة، ولا عن المعتقلين، بل يُكرّرون لازمة “حل النزاع” وهو بالأساس صراعاً وليس نزاع، بينما المجني عليه يُذبح ببطء، ويُطلب منه أن “يضبط النفس”.

السلام والتطبيع في المشهد الإقليمي:


في المشهد الإقليمي، تبدو الصورة أكثر عبثية دول عربية تُقيم علاقات علنية مع إسرائيل، وتستقبل مسؤوليها بينما الدم الفلسطيني لم يجف بعد.


هناك دول تُبرر عدوان الاحتلال باسم محاربة “الإرهاب”، وأخرى تتحدث عن “الواقعية السياسية” كغطاء للتطبيع. يتزامن هذا مع حملات إعلامية مموّلة تُعيد إنتاج صورة الاحتلال كدولة “منفتحة على السلام”، بينما تغيب صور الأطفال تحت الأنقاض عن الشاشات الرسمية. هذا الصمت، بل أحياناً التواطؤ، منح إسرائيل غطاءً للتحرك بلا عوائق. فبينما كانت غزة تُقصف في مارس ومايو ويونيو ويوليو، عُقدت مؤتمرات سلام في باريس والدوحة والقاهرة، وتزامن بعضها مع مجازر مثل النُصيرات ورفح ودير البلح، دون أن يُشترط حتى وقف الحرب كحد أدنى.


بعض هذه المؤتمرات أُدير بوساطات أطراف تبيع السلاح للمعتدي، ما حولها إلى عروض سياسية خاوية من أي التزام أخلاقي أو قانوني.


النفاق الدولي: العدالة المجهضة:


أما الموقف الدولي، فهو مرآة أخرى للنفاق الممنهج. كيف يمكن لنظام دولي يدّعي الدفاع عن القانون والإنسان أن يُشرعن القتل بالصمت، وأن يُجهض العدالة باستخدام أدواتها؟


دول كبرى تُدين الجرائم لفظياً، ثم تُصوّت في الكواليس ضد محاسبة إسرائيل، أو تزوّدها بالسلاح والذخيرة، كما تفعل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.


ومجلس الأمن يدور في حلقة مفرغة من مشاريع القرارات التي تُجهضها حق النقض الفيتو بصورة متكررة، بينما يستمر العدوان بلا هواة ، وفي هذا السياق، تصبح العدالة مطلباً مؤجلًا، بل مستحيلاً، وتتحول حقوق الإنسان إلى ورقة ضغط انتقائية. المفارقة أن القوى التي تُطالب الفلسطيني “بضبط النفس” وتدعوه للانخراط في عملية سياسية، لم تُقدّم أي ضمانة لحقه بالحياة أولاً، ولا لمحاسبة المعتدي ثانياً.


في النهاية سلام بلا عدالة ليس سلاماً فكيف يمكن التسويق للسلام بينما يموت الأطفال تحت القصف والرصاص والجوع ؟ كيف يمكن الحديث عن التعايش بينما تُدمَّر المقابر، وتُقصف المساجد، ويُحاصر الناس بالماء والغذاء؟ هل يُطلب من الضحية أن يفاوض الجلاد بينما السكين ما زالت في عنقه؟ ما يحدث اليوم ليس فقط استمراراً للمجزرة، بل هو إعادة إنتاج لفكرة “السلام” كوسيلة لتكريس الهزيمة. لكن الفلسطيني، الذي عاش التهجير والحصار والمحرقة منذ 1948 حتى اليوم، يعرف جيداً أن السلام لا يُبنى فوق الدم، ولا يمكن أن يُفرض عليه باتفاقيات تُبرم فوق أشلاء أطفاله.


سلام يُفرض على المقابر، لن يكون إلا غدراً موقّعاً إن من يسوّق للسلام اليوم لا يسوّقه كحل عادل، بل كغطاء لتثبيت الوقائع التي فرضها الاحتلال بالقوة. وفي عالمٍ تُوزَن فيه الأرواح بميزان المصالح، يصبح الصمت شريكا، والتواطؤ سياسة. غير أن هذا السلام المزيف، وإن صُفِّق له في القاعات المغلقة، لن يُعمَّد إلا بالخذلان. فالفلسطيني لا ينتظر سلاماً يُفرض عليه، بل عدالةً يُنتزعها.


ليبقى السؤال مفتوحاً: من يُسوّق للسلام بينما يُذبح الفلسطيني؟ والأهم: من يُصدّق هذا التسويق؟

شاهد أيضاً

البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر

البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر

شفا – أعلنت الحكومة البرتغالية، الخميس، عزمها الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا خلال اجتماع الجمعية العامة …