4:52 مساءً / 9 يوليو، 2025
آخر الاخبار

نوبل في زمن الإبادة ، حين يرشح المجرم شريكه ، بقلم: هاني ابو عمرة

نوبل في زمن الإبادة ، حين يرشح المجرم شريكه ، بقلم: هاني ابو عمرة


في زمن لم يعد للمنطق فيه مكان، يخرج بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ليعلن ـ بكل ما أوتي من وقاحة سياسية وأريحية إجرامية ـ أنه يرشح الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، لجائزة نوبل للسلام.

قد تبدو الجملة للوهلة الأولى نكتة بائسة من نكات الحروب، أو مشهداً من كوميديا سوداء مكتوبة بدماء الأبرياء، لكن ما قاله نتنياهو لم يكن سخرية، بل قناعة، وما رد به ترمب ـ “شكراً لك بيبي، هذا مذهل حقاً” ـ لم يكن مجاملة، بل صفقة بين شريكين في جريمة لا تزال مشتعلة منذ واحد وعشرين شهراً في قطاع غزة، مسرح عبثي لواحدة من أطول وأبشع المذابح الجماعية في القرن الواحد والعشرين.

نتنياهو، الذي اصدرت بحقه المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف رسمية على خلفية ارتكابه جرائم إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة، يقدم خطاب ترشيح لـ ترمب، الذي لم يكتف بدعمه السياسي المطلق، بل كان ولا يزال المزود الأول لآلة الحرب الإسرائيلية بالسلاح والغطاء.

منذ بداية المذبحة في غزة، لم يتوقف الدعم الأميركي لحكومة الاحتلال يوماً. إدارة بايدن ـ وبعدها ترامب ـ كانت راعية مباشرة للحرب، مانحة نتنياهو مئات الاف الاطنان من الذخائر والقنابل، كثير منها استخدم في قصف المدارس والمستشفيات والمخيمات ومراكز الإيواء.

لكن ترمب، تحديدا، ذهب أبعد من الدعم اللوجستي والسياسي:


هو من اعطى الاحتلال شيكا مفتوحا للقتل مجهرا بخططه لطرد سكان غزة وتحويل غزة من منظوره لريفيرا الشرق وواصل كسلفه تعطيل القانون الدولي ومؤسسات الامم المتحدة بالفيتو بمجلس الامن. وهو اليوم يقف صراحةً ضد أي جهد لوقف المذبحة، ويأخذ اجراءات عقاببة ضد قضاة المحكمة الجنائية الدولية لمجرد إصدارهم قراراً قانونياً بضرورة اعتقال نتنياهو ووزير حربه يوآف غالنت.

أي سلام هذا الذي يستحقه ترمب؟


هل هو السلام الذي ترتكب باسمه المجازر كل يوم في غزة؟
هل نوبل اليوم جائزة لمنع دخول المساعدات، وإعاقة إصدار قرارات مجلس الأمن بوقف الحرب، وإبقاء المعابر مغلقة على الجوعى، وترك الأطفال يموتون تحت أنقاض بيوتهم المدمرة بالقنابل الأميركية؟

بل أي عبث أن يتحول المجرم إلى مرشح للسلام، ويصبح قتلة الأطفال أنبياء حملة رسالة سماوية، وتغسل أيدي المجرمين بأوراق “الشرعية الدولية”، ثم يكرمون في صالات مزينة بشعارات الحقوق والعدالة؟

إنها سخرية لا توصف، يضحك منها القبر، ويستيقظ فيها الضحايا ليسألوا: من يكتب رواية العالم اليوم؟ ومن يوزع الأوسمة؟ ومن يصمت على الذبح كي لا يزعج قاتله في حفل الاستلام؟

لعل هذا المشهد العبثي يعود بنا إلى الرجل الذي حملت الجائزة اسمه، ألفريد نوبل. ذاك السويدي الذي اخترع الديناميت، ثم حين رأى نفسه يوصف في نعي مبكر بـ”تاجر الموت”، قرر أن يخصص ثروته لجائزة تعوض بعضاً من آثار ما صنعته يداه.


لكن التاريخ، على ما يبدو، له روح متمردة. فها هي الجائزة تعود إلى أصلها: بارود، وسفك، وموت بأزياء راقية.

ها هي نوبل تمنح ـ أو يرشح لها ـ رجل كرس رئاسته لحماية المجرمين، ومواصلة ابشع ابادة في التاريخ الحديث بكل الوسائل، وشيطنة العدالة الدولية، وتجريم القضاة بدل أن يطارد الجناة.

ترمب لا يستحق نوبل، بل يستحق استدعاء من الجنائية الدولية كشريك سياسي وعسكري ومالي في جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة بحق شعبنا في غزة.


ونتنياهو ليس الا مجرما ومتهما مطلوبا، يفر من المحكمة بحماية واشنطن، ويتبختر على دمنا، حاملا خطاب ترشيح مكتوبا بسخرية قاتلة.

لا نضحك من المرارة، بل نكتب لنحفظ ذاكرة الجرح، فليست هذه السطور مجرد غضب عابر. بل محاولة لحفظ ذاكرة الضحايا الذين لا تليق بهم النسيان.


لا نكتب لأننا ننتظر العدالة من جائزة باتت أداة للتبييض السياسي، بل نكتب لأن دماء أطفال غزة لا يمكن أن تمر دون أثر. نكتب كي لا يمحى اسم المغدور، وكي لا يمحى ذنب القاتل.

وسواء حصل ترمب على نوبل أو منع منها، فإن الفلسطيني، المحاصر والمجروح والمنكوب، هو الشاهد الحقيقي على “السلام” المصنوع في أقبية البنتاغون، والمطرز بختم نجمة داوود والبيت الأبيض.
سلام لا يمر من بوابة العدالة، ليس سلاما. وجائزة لا تكرم مقاومي الإبادة، بل صانعيها، ليست أكثر من وسام عار في زمن باع العالم ضميره.

شاهد أيضاً

مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة الشرطة توزع هدايا رمزية على الطالبات في الخليل

مع انتهاء امتحانات الثانوية العامة “التوجيهي” الشرطة توزع هدايا رمزية على الطالبات في الخليل

شفا – في مبادرة مجتمعية تحمل رسالة دعم وتشجيع، قامت شرطة حماية الأسرة والأحداث، اليوم …