
الدين ، السياسة و الاعلام ،آفيون او وقود للتغيير ، بقلم : أمال حاجي
في بداية الأمر، يجب أن نعترف بأن العلاقة بين الدين والسياسة في عالمنا العربي تشكل معضلة حقيقية. فمنذ عقود طويلة، تم توظيف الدين لخدمة أهداف سياسية ضيقة، مما حوله من رسالة روحية وأخلاقية إلى أداة للسيطرة والتوجيه. هذا التوظيف لم يأت من فراغ، بل هو نتاج تراكم تاريخي لمفهوم خاطئ يربط بين السلطة الدينية والسلطة السياسية.
عندما ننظر إلى الواقع العربي اليوم، نجد أن الخطاب الديني في كثير من الأحيان أصبح مجرد غطاء لممارسات سياسية بعيدة كل البعد عن القيم الدينية الحقيقية. فبدلًا من أن يكون الدين مصدرًا للإلهام والأخلاق، تحول إلى وسيلة لتبرير القمع وإسكات الأصوات المعارضة. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: كيف لرسالة تدعو إلى العدل والمساواة أن تتحول إلى أداة للظلم والتمييز؟
في المقابل، لا يمكننا إغفال الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الدين عندما يتحرر من براثن السياسة. فالتاريخ الإسلامي نفسه يشهد على فترات كان فيها الدين محركًا للإصلاح والتغيير، كما حدث في العديد من الحركات التي نادت بالعدل الاجتماعي ومقاومة الاستبداد. إذن، المشكلة ليست في الدين كجوهر، بل في كيفية توظيفه وتوجيهه من قبل النخب الحاكمة.
أما بالنسبة للإعلام، فإننا نواجه ظاهرة مشابهة. فالإعلام الذي يفترض أن يكون مرآة تعكس هموم الناس وتطلعاتهم، تحول في كثير من الحالات إلى أداة للتضليل والتخدير. فبدلًا من أن ينير الرأي العام ويكشف الحقائق، أصبح يروج لأجندات سياسية واقتصادية تخدم مصالح فئة قليلة. وهكذا، يتحول الإعلام من أداة للتحرير إلى وسيلة للقمع الناعم، حيث يتم توجيه الرأي العام وتشكيله وفق ما يخدم السلطة.
لكن هل هذا يعني أننا يجب أن نرفض الدين ونستغني عن الإعلام؟ بالطبع لا. فالمشكلة ليست في هذه الأدوات بحد ذاتها، بل في كيفية استخدامها. فالدين يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام والأخلاق عندما يتحرر من سيطرة السياسة، والإعلام يمكن أن يكون أداة للتغيير عندما يتحرر من سيطرة الأجندات الخفية.
الحل إذن لا يكمن في رفض الدين أو الإعلام، بل في إعادة تعريف دورهما في المجتمع. فالدين يجب أن يعود إلى جذوره كرسالة أخلاقية وروحية، بعيدًا عن الصراعات السياسية. والإعلام يجب أن يتحول إلى صوت حر يعبر عن تطلعات الناس، لا عن مصالح النخب. وهذا يتطلب وعيًا جماعيًا يرفض التوظيف السياسي للدين، ويرفض التضليل الإعلامي.
في النهاية، المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا. فكما أننا نطالب السياسيين بعدم توظيف الدين لمصالحهم، علينا أيضًا أن نكون واعين للرسائل الإعلامية التي نتلقاها يوميًا. الوعي هو الخطوة الأولى نحو التغيير، والتغيير يبدأ عندما نرفض أن نكون مجرد متلقين سلبيين، لنصبح فاعلين في تشكيل واقعنا.
هذا هو التحدي الحقيقي الذي نواجهه: كيف نحافظ على القيم الدينية والأخلاقية دون أن نسمح بتوظيفها سياسيًا، وكيف نستفيد من الإعلام دون أن نصبح ضحاياه. الإجابة ليست سهلة، لكنها تبدأ بالاعتراف بالمشكلة، والسعي الجاد لإيجاد الحلول. وهذا ما يجب أن نعمل عليه جميعًا، كل من موقعه، لبناء مستقبل أفضل.
- – الناقدة التونسية أمال حاجي .