
من دفن النقود إلى مصادرة الدولة لـ400 ألف حساب ، كيف تدفعنا السياسات الحكومية التونسية نحو الذهب والعقار؟” بقلم: أمال حاجي
في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان عصوراً كانت الثروات تُخبأ تحت التراب أو تُحول إلى ذهب خوفاً من المصادرة، ها نحن اليوم أمام قرار حكومي تونسي صادم بمصادرة 400 ألف حساب بنكي تونسي خامل. هذه ليست مجرد أرقام، بل إعلانٌ صريح بأن الادخار التقليدي لم يعد آمناً، مما يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل مثل الذهب والعقار لحماية مدخراتهم.
لقد كشفت الأزمة عن مفارقة عصرية صادمة: في وقت تدعي فيه الدولة الحديثة حماية حقوق المواطنين، نجدها تعود بنا إلى عقلية القرون الوسطى حيث كان الناس يحولون أموالهم إلى أصول ملموسة. الأكثر إيلاماً أن المواطن أصبح أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يخسر مدخراته في البنك، أو يلجأ إلى استثمارات غير سائلة كالذهب والعقار.
هذه الحسابات المصادرة تمثل:
- مدخرات عائلات اضطرت الآن لشراء الذهب كملاذ آمن
- ودائع كبار السن الذين سيفضلون العقار عن البنوك
- أموال مغتربين سيتحولون إلى الاستثمار خارج البلاد
- حقوق ورثة ستفقد قيمتها مع الزمن بسبب التضخم
الانعكاسات الخطيرة تتجلى في:
- تحول جماعي نحو الاقتصاد غير الرسمي والاستثمار في الذهب
- عزوف الناس عن النظام المصرفي لصالح العقارات
- انهيار السيولة في القطاع المصرفي المحلي
- تآكل القدرة الشرائية للمدخرات مع الزمن
الحل العاجل يتطلب:
- وقف المصادرة فوراً واستعادة الثقة المالية
- إطلاق برنامج وطني لحماية المدخرات
- تطوير أدوات استثمارية بديلة مضمونة
- إصلاح النظام المصرفي لاستعادة الثقة
السؤال المصيري: أي مستقبل نختار لتونس؟ نظاماً مالياً يدفع الناس لشراء الذهب ودفن النقود كما في العصور القديمة، أم اقتصاداً حديثاً يحفظ حقوق المواطنين ويشجع الادخار المنتج؟ عندما تصبح سبائك الذهب والعقارات الفارغة أكثر أماناً من الحسابات البنكية، فهذه ليست مجرد أزمة مالية، بل شهادة وفاة للتنمية الاقتصادية.