3:50 مساءً / 4 يوليو، 2025
آخر الاخبار

حين يُدفن الصوت قبل الجسد ، التنمّر والانتحار في مرآة الوجود ، بقلم: رانية فؤاد مرجية

حين يُدفن الصوت قبل الجسد ، التنمّر والانتحار في مرآة الوجود ، بقلم: رانية فؤاد مرجية

أن تكون في هذا العالم هشًّا، شفافًا، مرهفًا، يعني أنك في خطر دائم. خطر لا يأتي من الطبيعة ولا من القدر، بل من الإنسان ذاته. من كلمات تُلقى كالرصاص، من نظرات تنغرس كسكاكين، من سخرية لا يُراد بها الضحك بل الإلغاء. نحن لا نُقتل دومًا بالرصاص، أحيانًا نُقتل بالكلمات، بالتجاهل، بالهمس الجماعي، بالتنمر.

التنمّر ليس سلوكًا عابرًا ولا مجرد “مزحة ثقيلة”، بل هو اغتيالٌ بطيء للروح. ومتى ما تم اغتيال الروح، لا يعود الجسد إلا وعاءً فارغًا يبحث عن لحظة خلاص… عن موت.

في الفلسفة الوجودية، يُقال إن الإنسان وُجد ليخلق ذاته، ليختار ويتمرّد على القوالب، ليُثبت وجوده في عالم عبثي. لكن ماذا عن ذاك الطفل أو المراهق أو الراشد الذي تكسّرت هويته قبل أن تتكوّن، لأنّ زملاءه في الصف أو في العمل أو على منصات التواصل أصرّوا أن يكون مرآةً لتشوهاتهم هم؟


هل بقي له ما يختاره؟ وهل من عدالة في أن يُترك ليقرّر الموت لأن الحياة خانته مرارًا؟

كم من فتاة كرهت شكل جسدها لأنهم نعتوها بالقبح؟


كم من صبي خجل من صوته، من ضحكته، من مشيته، من اسمه؟


كم من مثليّ الهوية، أو طفل مصاب بطيف التوحد، أو شاب فقير، أو لاجئ، تم التنكيل بوجوده حتى ضاق عليه نفسه؟
هل يعقل أن العالم الذي يتغنّى بالحرية والقبول والكرامة، لا يزال يسمح بأن يكون التنمر ظاهرة مسكوتًا عنها حتى تقع الفاجعة؟

الانتحار، في جوهره، صرخة مبحوحة أخيرة ضد عالم لم يُصغِ. وهو في أحيان كثيرة، ليس خيارًا حرًا كما يتوهم البعض، بل هروب اضطراري من جحيم يومي يخلقه مجتمع عديم التعاطف.


فمن أين يأتي اليأس إن لم يكن من إحساس عميق بالنبذ؟


ومن يمنح هذا الإحساس، إن لم نكن نحن، بصمتنا أحيانًا، أو بتواطئنا العلني؟

إن الموت الناتج عن التنمر هو إعلان إفلاس أخلاقي جماعي، وصك اتهام ضدنا جميعًا، نحن الذين رأينا ولم نحرك ساكنًا، سمعنا وضحكنا، تجاهلنا أو شاركنا. كل من سكت على تنمّر، هو جزء من الجريمة. كل من شاهد فيديو تنكيل وسوّقه كـ”ترند”، هو قاتل غير مباشر.

علينا أن نُعيد صياغة وعينا الجمعي، أن نربّي أبناءنا على أن الكلمات سلاح، وأن اللسان يمكن أن يقتل أكثر من السكين.
علينا أن نعلّم أطفالنا كيف يكونون مختلفين ولكن متعاطفين. أن نغرس فيهم فكرة أن الآخر هو امتدادنا، لا نقيضنا.

التنمر ليس مشكلة فرد، بل وباء مجتمعي يحتاج إلى مواجهة شاملة. ليس بالعقوبات فقط، بل بالحب، بالاحتواء، بالحوار، وبالتربية على القيم لا على الإنجاز فقط.

دعونا لا ننتظر المزيد من المآسي لنُدرك أن كل ضحية للتنمر تحمل في قلبها كل ما فشلنا نحن في فعله.
دعونا لا ندفن أرواحهم مرتين، مرة تحت التراب، ومرة في صمتنا الجبان.

لنجعل من الألم دعوة للوعي.
ولنجعل من كل صرخة مختنقة بذرة لحياة أخرى، أكثر رحمة.

شاهد أيضاً

سفير فلسطين لدى قطر يطلع سفيري سيراليون وكولومبيا على تصاعد جرائم الاحتلال بحق شعبنا

سفير فلسطين لدى قطر يطلع سفيري سيراليون وكولومبيا على تصاعد جرائم الاحتلال بحق شعبنا

شفا – أطلع سفير دولة فلسطين لدى دولة قطر فايز أبو الرب، سفير جمهورية سيراليون …