
بين فوردو وتل أبيب ، الشرق الأوسط على حافة الجحيم الشامل ، بقلم : مروان إميل طوباسي
في الساعات الأولى من صباح اليوم ، ازداد اهتزاز المعادلة الإقليمية ، مع تصاعد غير مسبوق في وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران . فبينما دوت الانفجارات في قلب تل أبيب وبئر السبع وغيرها ، بما في ذلك استهداف مواقع حساسة مثل مركز البورصة ومواقع عسكرية حيوية وأستراتيجية وقواعد جوية بالنقب ، حرصت أسرائيل اظهارها على انها اعتداء يقتصر فقط على مستشفى “سوروكا” في بئر السبع دون المواقع العسكرية الأخرى التي تم استهدافها بجانب هذا المستشفى من خلال صواريخ إيرانية نوعية ومتطورة ، بالوقت الذي كانت واشنطن تستعد بحسب تقارير اعلامية موثوقة ، لتوجيه ضربة عسكرية نوعية ضد منشأة “فوردو” النووية الإيرانية ، المحصنة على عمق مئة متر في باطن الجبال .
المشهد تجاوز كل المعادلات حتى اللحظة ، فالمرشد الإيراني وفقا لمصادر متعددة ، غادر المشهد التنفيذي ، تاركا القرار الكامل بيد الحرس الثوري بعد تعرض إيران لأعتداءات عدوانية ضخمة ، في إشارة إلى الانتقال إلى وضعية الحرب الشاملة .
في المقابل ، يظهر دونالد ترامب رغم ظهوره الضعيف امام نتنياهو ، وكأنه أي ترامب يخوض معركته الأخيرة ، لتثبيت نفسه كقائد لزمن أمريكي جديد قائم على القوة العارية خارج أطر القانون الدولي لحماية المشروع الإسرائيلي .
الضربة المحتملة على منشأة “فوردو”، والتي تتطلب استخدام القنبلة الخارقة عبر قاذفات خاصة إقتربت من المنطقة ، ليست مجرد ضربة عسكرية ، إنها محاولة لكسر عمود إيران ليس النووي فقط وانما كيانها الوطني كدولة ذات سيادة مستقلة ، وإشعال شرارة حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها اذا تمت ، تحت حاجة الأمريكي والإسرائيلي المضي قدما في إعادة الهندسة الجيوسياسية للإقليم . وإذا ما نفذت تلك الضربة ، رغم شكوكي في ذلك نظراً لتداعياتها الصعبة والمختلفة وتحذيرات دول اخرى ، فإن الرد الإيراني لن يقتصر على إسرائيل التي تمتلك مفاعل ديمونا النووي ، بل سيشمل القواعد الأمريكية ومرافق حيوية في الخليج وربما أكثر واوسع ، مما يعني تهديدا حقيقيا بإغلاق مضيق هرمز وتعطيل سلاسل الطاقة العالمية التي ستكون تداعياتها الإقتصادية والحيوية على العالم كارثية . لذلك فان تصعيد التدخل العسكري المباشر رغم وجود اشكال منه اليوم ، يمكن باعتقادي ان يقتصر على محاولات إنزال عسكري لتعطيل منشأة فودرو من خلال تقديم كل أشكال الدعم للعدوان الإسرائيلي .
ان ما يجعل المشهد أكثر خطورة هو أن قرارات الحرب تتخذ الآن خارج المؤسسات الدستورية بالولايات المتحدة ، فتصريحات ترامب المتتالية على “تروث سوشيال” لم تترك شكاً في نواياه بالتصعيد ، رغم تحذيرات من قيادات في الكونغرس مثل بيرني ساندرز وغيره وتفاوت مواقف اعضاء الكونغرس والرأي العام الامريكي . فالحرب الآن تُقاد من منابر التواصل الأجتماعي ، وليس عبر مداولات إستراتيجية ناضجة بالمؤسسات الرسمية والتشريعية الدستورية .
من جانب آخر ، فأن من يمسك زمام القرار في طهران اليوم ليس الطبقة السياسية التقليدية ، بل الجناح العسكري العقائدي ، الذي لا يرى في التهدئة خياراً ، بل يتبنى عقيدة “الانتصار أو الفناء”. ومع انتشار صور صواريخ ذات رؤوس متطورة جدا في الإعلام الإيراني ، فإن المنطقة على أعتاب مفاجأت من جانب عقلية الغطرسة الأمريكية الترامبية النتنياهوية أو في مواجهتها والردود عليها ، قد تعيد ترتيب العالم لعقود دون معرفة وجهتها أو تفشل تلك المخططات .
في خضم هذا الجنون الترامبي المتسارع ونظريته بأحلال السلام بمعنى “الاستسلام بواقعه” بالقوة ، او من خلال فرضه من خلال ارسال رسالة عبر استمرار المفاوضات المفترضة غدا حول الملف النووي مع الأوروبيين . يجب هنا أن نقولها بوضوح ، فلسطين ليست على الحياد لانها تتعرض لنفس منهج تلك الغطرسة من محاولات فرض الاستسلام عليها والتخلي عن حقوقنا السياسية والتاريخية لصالح المشروع الصهيوني . فنحن الضحية الأولى والمباشرة لكل اختلالات النظام الإقليمي والدولي منذ ان نشأت دولة الأستعمار الأستيطاني بالرعاية والحماية البريطانية والأمريكية والغرب عموما ، الامر الذي جعلها كيان توسعي مارق فوق القانون الدولي والشرعية الأممية . من هنا ، لا بد من موقف فلسطيني مستقل يعيد هندسة المشروع الوطني التحرري ، وقد يكون ذلك من خلال الاعلان عن الدولة الفلسطينية تحت الأحتلال بما لها من تداعيات سياسية وقانونية ، الى جانب موقف عربي مستقل ، يتجاوز الخوف والتبعية العمياء ، ويضع حدا لهذا الانزلاق نحو الفوضى الكبرى التي ترغب بها الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن استراتيجياتها لفرض التحولات القسرية واستمرار الهيمنة . كما لا بد أن تعيد القوى العالمية حساباتها وعلى رأسها الصين وروسيا امام ذلك ، بما يحمي مصالحها وقضايا السلم والأمن الدوليين ، لأن التصعيد الامريكي واللعب الإسرائيلي بالنار منذ تطوير اشكال عدوان الإبادة والتطهير العرقي بحق شعبنا وضد شعوب المنطقة ، وأمتداده هذه المرة الى إيران قد يشعل أكثر من الشرق الأوسط ، وربما يحرق الأستقرار النسبي نحو المجهول ، رغم أشتعال بؤر توتر مختلفة حول العالم أفتعلتها الولايات المتحدة وإسرائيل والناتو في اطار سياساتهم العدوانية بحق شعوب العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.