
كيف سرقت إنسانيتنا؟ بقلم : سوما حسن عبد القادر
منذ متى توقفنا عن الألم؟
متى كانت آخر مرة ذرفنا فيها دمعة صادقة على طفل جريح، لا نعرف اسمه ولا دينه؟
هل كنا هكذا دوما؟ أم أن شيئا فينا انكسر، وانطفأ، وتحوّل إلى رماد؟
كأننا استيقظنا ذات صباح لنجد أن القصف أصبح حدثا عاديا، وأن صور الأشلاء لم تعد تهزّ قلوبنا.
كأننا نسينا أن وراء كل جثة اسم، وعائلة، وضحكة توقفت فجأة.
كأننا لم نكن يومًا نبكي من أجل الغريب، ونتألم لأجل البعيد، ونرتجف حين نسمع صرخة أم تبحث عن طفلها تحت الركام.
ما يحدث اليوم بين إسرائيل وإيران ليس مجرد تبادل قصف، إنها حرب فوق حرب، ونار فوق نار، وشعب فوقه رماد شعب آخر.
لكني لا أريد الحديث عن التحليل السياسي، ولا عن من بدأ ومن سيرد، ولا عن الصواريخ ومن صنعها.
أريد فقط أن أفهم: لماذا لم نعد نتألم؟
في غزة، رأينا كل شيء.
شاهدنا الجوع، والدم، والعراء، ورأينا الموت يبث بثّا مباشرا، حتى أصبحنا نحضر الجنازات كما نحضر نشرات الأخبار.
ومع كل مشهد، كل جريمة، كل صرخة، تقسو قلوبنا أكثر… إلى أن جاء اليوم الذي صرنا فيه نشمت.
نعم، نشمت.
نشاهد القصف في تل أبيب ونقول: (يستحقون)
نرى الهلع في وجوه المدنيين فنقول: (هكذا يشعر أهل غزة كل يوم)
ننتظر المزيد… المزيد من الألم والموت لهم، كما لو أن الألم صفقة يجب أن تسدد، لا مصيبة يجب أن تتوقف.
لكن، أليس فيهم أبرياء؟
أليس هناك بين جدرانهم أطفال خائفون، نساء يركضن بحثا عن ملجأ، شيوخ لا يقدرون على الفرار، ورجال لا يملكون القرار؟
هل صار كل من في الجهة الأخرى عدوا؟
هل ماتت فينا القدرة على التمييز بين ظالم وبريء، بين قناص وطفل، بين سياسي وجسد هش لا يتحمل القصف؟
من قال إن الشماتة انتصار؟
من أقنعنا أن فقدان الرحمة نوع من القوة؟
ومن الذي جردنا من إنسانيتنا، وعلمنا أن الدم ليس دما إن لم يكن من جلدتنا؟
أيها السادة أصحاب القرار،
لقد نجحتم.
حولتمونا إلى أناس بلا قلب.
سلختم عنا إنسانيتنا باسم الدفاع، وباسم المقاومة، وباسم الأمن، وباسم الخوف.
جعلتمونا نحمل جراحنا كما يحمل الحقد، ونورث الألم كما يورث السلاح.
لكن تذكروا جيدا: الإنسان الذي لا يتألم لم يعد إنسانا.
نعم، نحن غاضبون.
نعم، نحن موجوعون.
لكننا لا نريد أن نفقد ما تبقى منا.
لا نريد أن نعيش في عالم تقصف فيه مدينة فنصفق، ويذبح فيه طفل فنغلق الشاشة ونكمل يومنا.
نريد أن نبكي من جديد. أن نشعر. أن نرتجف. أن نشفى.
لأننا إن لم نعد نعرف كيف نحب، ولا كيف نرحم، فما الفرق بيننا وبين من يقصف ويقتل ويجرف ويشرد؟