3:12 مساءً / 14 يونيو، 2025
آخر الاخبار

ضرب إيران والحل الإقليمي ، قراءة في تفكيك المحور ، بقلم : نسيم قبها

ضرب إيران والحل الإقليمي ، قراءة في تفكيك المحور ، بقلم : نسيم قبها

ضرب إيران والحل الإقليمي ، قراءة في تفكيك المحور ، بقلم : نسيم قبها

لقد رافق الاستهداف ( الإسرائيلي) للشخوص العسكريين والعلماء والمواقع العسكرية والنووية في إيران تعثر المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي، وقبيل انطلاق الجولة السادسة من المفاوضات المقرر عقدها في مسقط يوم الأحد المقبل، وبعد سلسلة من التهديدات المتبادلة بين أميركا و(إسرائيل) من جهة وبين إيران من جهة أخرى، تخللتها إجراءات وقائية بإخلاء السفارات الأميركية في العراق والكويت والبحرين.


وتمهيدًا لهذا الضربات المعدُّ لها مسبقًا ، فقد دعا الكيان الصهيوني المجتمع الدولي إلى “الرد بحزم”، ومنعِ طهران من تطوير سلاح نووي، بعدما خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن طهران “لا تمتثل” لالتزاماتها. حيث كتبت وزارةُ الخارجية الإسرائيلية على منصة (إكس) أن “إيران عملت بشكل مستمر على عرقلة عمليات التحقق والمراقبة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقةِ الذرية، وأخرجت مفتشين وأخفت مواقع يشتبه في أنها غير معلنة في إيران”. ما اعتبرته (إسرائيل) “تهديدًا وشيكًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”. بينما هددت إيران بالتصعيد وبرد قاس مزلزل حال هاجمتها أميركا أو إسرائيل، وأطلقت قواتها المسلحة مناوراتٍ عسكرية تركز على “تحركات العدو”، بحسب ما نقلته وسائل إعلام رسمية.


وإزاء ما يمكن أن يترتب على هذه الأوضاع والمستجدات، فإن المنطقة ومنذ السابع من أكتوبر، تمر في مخاض عسير يهدف إلى إنهاء ما يسمى بمحور المقاومة في المنطقة، بإطلاق يد (إسرائيل) لضرب وتفكيك دول هذا المحور والكيانات العسكرية التابعة له وإنهائها. تمهيدًا لاستكمال مشروع السلام الإقليمي الذي ترعاه واشنطن، ويهدف إلى توقيع اتفاقات سلام وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ، وإسدال الستار عن قضية فلسطين وتصفيتها برؤيا امبريالية جديدة. واتخاذ إسرائيل أداة متقدمة لحماية المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، ومنع وجود دول قوية تهدد مصالحهم.
ولفهم سياق ما يجري فإنه لا يمكن أن يُنظر إلى هذا الهجوم الصهيوني على إيران بأنه مجرد أداة للضغط عليها ودفعها لتقديم تنازلات في المفاوضات الجارية بهدف التوصل لاتفاق نووي، أو بهدف تجريد إيران من برنامجها النووي فحسب، وإن كان نتنياهو قد صرَّح أن العملية العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد إيران “ستستمر لكل الوقت اللازم”، في إشارة إلى نية إسرائيل مواصلة استهداف المنشآت النووية والبنية الصاروخية الإيرانية لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي يشكل تهديدًا وجوديًا للكيان المحتل. ذلك أن الأمر يتصل باستراتيجية صهيونية أوسع تتعلق بالمشروع الصهيوني في المنطقة برمتها. وما هذا الهجوم إلا آلية من آليات تنفيذ المشروع الذي يستوجب إزالة العقبة الإيرانية التي تمثل مشروعًا قوميًا منافسًا ومعرقلًا للهيمنة الصهيونية الغربية على المنطقة هيمنةً لا تقوم لها بعدها قائمة.


والقادة الإيرانيون يدركون هذه الحقيقة؛ لذلك سعوا جاهدين للحفاظ على مكاسبهم السياسية والعسكرية التي جرى تحقيقها خلال العقود الماضية، من خلال التخادم والهوامش التي أتاحها المشروع الأميركي لتفكيك المنطقة وإعادة صياغتها والذي استغلته إيران لترسيخ نفوذها ومشروعها القومي، والحفاظ على مكانتها باعتبارها دولة إقليمية كبرى، ومن هذا المنطلق مدت إيران الجسور مع روسيا والصين المناوئتين لأميركا ومشاريعها الدولية التي استبدت بمصالحهما. ومن تلك الجسور التي شيدتها إيران مع كل من روسيا والصين، المعاهدة الإيرانية الروسية للشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 17 كانون ثاني/يناير 2025، والتي تهدف إلى توسيع التعاون الاقتصادي، وتخفيف تأثير العقوبات الأميركية، وتعزيز الشراكات العسكرية والسياسية. وكان قد سبق هذه المعاهدة، اتفاقية شاملة للتعاون الاستراتيجي الإيراني الصيني التي تمتد لـ 25 عامًا، وتهدف إلى تعزيز العلاقات بين إيران والصين في المجالات الأمنية والعسكرية والصناعية، ومجالات النفط والطاقة والبنى الأساسية وتوقيع اتفاقيات لإنشاء مناطق تجارية حرّة على سواحل إيران الجنوبية.


ومن هنا يمكن القول إن هذا الاستهداف العسكري والسياسي الذي تشنه ( إسرائيل ) على إيران مستغلة ضعف عمقها الإستراتيجي في سوريا ولبنان، لا يهدف للضغط على إيران لتوقيع اتفاق نووي بشروط صهيونية، بقدر ما يرتبط بالمشروع الصهيوني التوسعي وتغيير قواعد الاشتباك وصولًا إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح الكيان المحتل والمشروع الأميركي الإقليمي، وهو ما يعبر عنه عنوان العملية العسكرية الإسرائيلية “شعب كالأسد”.


وفي ظل حرص ترمب الذي يريد الحفاظ على سجله الرئاسي بأن لا يسجل عليه الدخول في حرب، وبعد عجزه عن حمل نتنياهو وحكومته على مواصلة التعاطي مع الشأن الإيراني عبر الدبلوماسية والقوة الناعمة والضغوط القصوى والعقوبات والوصول منها إلى إخضاع إيران وإدخالها في المنظومة الإقليمية التي تمنح الكيان المحتل اليد العليا والدولة المهيمنة في ميزان القوى الإقليمية، وبعد تعنت إيران وتمسك قادتها المحافظين بموقفهم حيال الملف النووي، وهو الأمر الذي يفسر استهداف الهجوم الإسرائيلي للقادة العسكريين المتشددين، وحتى تبقي إدارة ترمب تَحرك نتنياهو المأزوم داخليًا تحت السيطرة؛ أي في حدود ضرب القدرات العسكرية الإيرانية والنووية، وضمن الأهداف الأميركية والإسرائيلية المشتركة حيال تصفية المقاومة لصالح المسار “الإبراهيمي”، وحتى تبقي أميركا الرد الإيراني تحت السيطرة وتبقي الباب مفتوحًا لعودة إيران لاحقًا إلى طاولة المفاوضات بعد إزالة الخطر المحتمل في برنامجها النووي وتسد بذلك ذرائع نتنياهو، وبالنظر إلى حاجة ترمب لحشد مراكز القوى الأميركية الداخلية المؤيدة لضرب إيران، وكسبهم إلى جانبه في مساعيه السلطوية وفرض الإرادة على خصومه في تيارات الدولة العميقة في الجناح الجمهوري، ومع خصومه الديمقراطيين، وهو ما تجلى مؤخرًا في “نزاعه” مع إيلون ماسك وفي أحداث لوس أنجلوس، في ظل ذلك كله أعطى ترمب الضوء الأخضر ( لإسرائيل) لتنفيذ هجومها باعتباره هجومًا إسرائيليًّا أحاديًّا مدعومًا من الولايات المتحدة وليس بالتنسيق والمشاركة معها. تمامًا كدأبه في التعاطي مع ملف غزة ودعمه اللامحدود للكيان المحتل في عدوانه عليها. وفي هذا السياق قال ترمب لشبكة (أيه بي سي) “إن إدارته منحت الإيرانيين فرصة ولم يستغلوها وتلقوا ضربة قاسية جدا، مؤكدا أن هناك المزيد في المستقبل.


غير أن هذا التواطؤ الأميركي على الهجوم الإسرائيلي إنما يعد حالة ظرفية أملاها الواقع على الإدارة الأميركية، وهو ما يمكن قراءته من خلال الموقف الأميركي العام حيال الشأن الإيراني الرامي إلى تحصيل صفقة تلبي مطلب الاستراتيجية الأمنية الأميركية والإسرائيلية، والطموحات الشخصية لترمب في إثبات تفوقه على الديمقراطيين، وتلبي طموحات نتنياهو وحاجته الملحة لإنجازات يذهب بها للانتخابات المقبلة، حيث اشتكى قبيل الهجوم على إيران وتحت ضغط المطالبات بحل الكنيست والذهاب لانتخابات مبكرة من أنه ما يزال لا يملك شيئًا يذهب به للانتخابات، كما يمكن قراءته أيضًا من خلال تصريح روبيو وزير الخارجية الأميركي، حيث قال: “الليلة، اتخذت إسرائيل إجراءات أحادية الجانب ضد إيران.

نحن لسنا متورطين في الضربات ضد إيران، وأولويتنا القصوى حماية القوات الأميركية في المنطقة. أبلغتنا إسرائيل أنها تعتقد أن هذا الإجراء ضروري للدفاع عن النفس. لقد اتخذ الرئيس (دونالد) ترامب والإدارة جميع الخطوات اللازمة لحماية قواتنا والبقاء على اتصال وثيق مع شركائنا الإقليميين. اسمحوا لي أن أكون واضحًا: يجب على إيران ألا تستهدف المصالح أو الأفراد الأميركيين”. وهذا يعني أن على إيران أن ترد في حدود متناسبة مع الهجوم الإسرائيلي فقط، وأن على نتنياهو ألا يذهب بعيدًا في عمليته العسكرية التي لا تخلو من تصدير لأزمته الداخلية الحادة، ومن محاولة التملص من صفقة تبادل الأسرى مع حماس تفاديًا لوقف الحرب التي يستمد منها بقاءه في الحكم. كما لا تخلو أيضًا من محاولة لتشتيت الأنظار الإقليمية والعالمية عن المذبحة والإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة، والتي قلبت الرأي العام العالمي ضد الكيان وعمقت عزلته مؤخرًا. ذلك أن الإدارة الأميركية وإن أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو لضرب إيران لكنها لا تسمح بأن تطول الحرب وتتسع وتؤثر على أجندة ترمب الداخلية وأجندته في الإقليم، وعلى استراتيجيته حيال الحرب الأوكرانية والصراع مع الصين، أو تؤثر على أمن الكيان المحتل ذاته باعتباره جزءًا من المنظومة الاستعمارية الأميركية في المنطقة. وكما يبدو من ملابسات العملية والمواقع المستهدفة وحدودها وردود الأفعال الأولية وخطابات القادة التي خلت من مؤشرات على رغبتهم بحرب طويلة، فلا يتوقع أن تتصاعد الأحداث لحرب شاملة حتى لو أخذت الردود وردود الفعل مسارًا عنيفًا يتسق مع حاجة طرفي النزاع لتحقيق الردع والهيبة والتفوق الاستخباري والقيمة الاستراتيجية.

وبخاصة وأن جميع الأطراف لا تتحمل كلفة انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة في ظل قدرات كل من إيران والكيان المحتل، وفي ظل الأوضاع الدولية الراهنة. وبالتالي فإن الضربات العسكرية الإسرائيلية التي طالت الدفاعات الجوية والرادارات الإيرانية والمواقع النووية والقيادات العسكرية وعلماء الذرة الإيرانيين، إنما تهدف إلى إخراج القطاعات العسكرية الأساسية من الخدمة، وشل القدرات الدفاعية الإيرانية وتعطيل البرنامج النووي وتقزيم إيران وتحجيمها، وإخضاع قيادتها السياسية وضبط بوصلة سياستها على إيقاع المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة.


هذا هو واقع العملية العسكرية، والعدوان السافر الذي تقوم به “إسرائيل” على إيران، وهذه هي النتائج المتوقعة من هذا العدوان، فهو عدوان مرتبط باستراتيجية اليمين الصهيوني في المنطقة في المقام الأول، ومرتبط بمساعي أميركا لإخضاع القيادة الإيرانية المحافظة لإملاءاتها وإرادتها، وضبط علاقتها بروسيا والصين وتغيير سلوكها الإقليمي، وإعادتها إلى مربعها الوظيفي. والوصول من ذلك إلى إنهاء دور المقاومة واجتثاثها من الواقع ومن وعي الناس، وتصفية قضية فلسطين برؤيا القوة ، وتنفيذ المشروع الإقليمي الذي يقوم على الاتفاقات “الإبراهيمية”، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

شاهد أيضاً

بيان صادر عن اتحاد نضال العمال الفلسطيني

بيان صادر عن اتحاد نضال العمال الفلسطيني

شفا – قال اتحاد نضال العمال الفلسطيني في بيان له، منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الشامل …