قررت أن أصبح مهرّجة ، بقلم: رانية مرجية

قررت أن أصبح مهرّجة ، بقلم: رانية مرجية

نعم، قررت… بعد طول تفكير، وتمحيص، واستشارات داخلية مع ذواتي المتعددة – وكلّهن متناقضات – أن أتحرر من كل أحلامي القديمة، وأن أصبح مهرّجة.

فلمَ لا؟! يبدو أن المهرّجين أكثر الناس فهمًا للحياة هذه الأيام، أو على الأقل أكثرهم قدرة على النجاة منها.

فكروا بالأمر معي:

أنا صحافية؟! ما الفائدة؟ أكتب عن قضايا المرأة، فيقال لي: “كثّروا منها وخربوا البيوت”.
أكتب عن الفقر، فيقال لي: “البلد بخير إنتِ بس سوداوية”.

أكتب عن الاحتلال، فيقال لي: “ما بدنا نرجّع نكّش الماضي، خلينا نبني المستقبل”!
كل شيء أكتبه يُفهم عكسه. كل صرخة أصرخها تُستقبل بهزّة كتف أو “إيموجي” ضاحك على الفيسبوك.

فقررت أن أضحك قبل أن أبكي. قررت أن ألبس أنفًا أحمر، وألون وجهي، وأمشي بين الناس أقول الحقائق على طريقتي… ضاحكة.

سأدخل الوزارات والمدارس والمجالس المحلية، ألوّح بمظلّتي الوردية، وأهتف:

“صباح الخير يا شعب المتناقضات!”
“أحبوا بعضكم قليلاً، فالحقد لا يبني بيوتًا!”
“ارفعوا رواتب المعلمات بدل أن ترفعوا شعارات فارغة!”
“كفى تصويرًا للمحتاجين، أعطوهم دون كاميرات!”

لكن… لن يطردني أحد، لأني مهرّجة. والمهرّجة لا تُحاسب، فقط تُضحك.
وإذا قلت الحقيقة بصوت ساخر، ضحكوا وقالوا: “ما أظرفها!”
ولو قلتها بوجع، قالوا: “ما أنكدها!”
فيا للعجب من هذا الزمان.

المهرّج، في بلدان أخرى، رمز فنيّ، قد يكون فيلسوفًا مقنّعًا. أما في بلادي، فأنتَ إما أن تكون مهرّجًا فعلاً، أو تتحوّل إلى واحد دون أن تدري.
فالذي يطالب بحقّه يصبح نكديًّا.
والذي ينتقد فساد بلديته يُتّهم بأنه حاقد.
والتي تكتب عن نساء حيفا والرملة ويافا وبيت لحم تُقال عنها إنها تثير الفتنة.

فقلت: يكفي!
لن أشرح بعد اليوم الفرق بين “الحرية” و”الانفلات”، ولا بين “الوعي” و”قلة الأدب”.
سأكتفي بفقاعات صابون تطير من حقيبتي القماشية، وبأغنية تقول: “يا ديرة ما فيها عدل، خلي الحيطان تضحك”.

نعم، قررت أن أصبح مهرّجة.
مهرّجة تحترم عقلها، وتخاطب قلوب الناس قبل عيونهم.
مهرّجة تشبه هذا البلد: تبكي من الداخل، وتضحك من الخارج.

مهرّجة تعيش في دولة تبحث عن هوية، في مدينة تبحث عن ضمير، في شارع يبحث عن حاوية نفايات لا تفيض.

فهل تضحكون معي… أم تبكون؟