
دوانوو.. حين تتحوّل التقاليد إلى وقود لاقتصاد العطلات في الصين ، بقلم: ريماس الصينية
في 31 مايو 2025، احتفلت الصين بعيد دوانوو التقليدي، أحد أعرق المناسبات في الثقافة الصينية، والذي يمتد تاريخه لأكثر من ألفي عام. وبينما نشأ هذا العيد تخليدا لذكرى الشاعر الوطني القديم تشيوي يوان، أصبح اليوم محطة رئيسية تدمج بين إحياء الذاكرة الثقافية وتنشيط ديناميكيات السوق. ومع تسارع وتيرة الدمج بين المناسبات التراثية وأنماط الاستهلاك الحديثة، بات ما يُعرف بـ”اقتصاد دوانوو” نافذة حيوية لفهم حيوية الاقتصاد الصيني خلال العطلات.
تراث ثقافي غني يحفّز الاقتصاد الاحتفالي
يرتبط أصل عيد دوانوو بقصة الشاعر”تشيوي يوان”، الذي ألقى بنفسه في النهر في القرن الثالث قبل الميلاد احتجاجا على فساد الدولة وانهيارها. وانطلاقا من محاولة السكان العثور على جثمانه، نشأت سباقات قوارب التنين، فيما بدأت عادة إعداد الزونغتسي – وهي كعكة من الأرز اللزج الملفوف بأوراق الخيزران – برمي الطعام في النهر لحماية جثته من الأسماك.
وفي عام 2009، أدرجت منظمة اليونسكو مهرجان دوانوو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، ليصبح أول عيد صيني ينال هذا التصنيف العالمي. لكن المهرجان في الصين المعاصرة لم يعد مجرد تذكار تاريخي، بل تحوّل إلى محرك قوي للسياحة والطلب الاستهلاكي.
عطلة مزدوجة تنعش السياحة العائلية والاستهلاك المنزلي
يزامن دوانوو هذا العام اليوم العالمي للطفل (1 يونيو)، ما يخلق أجواء عائلية خاصة خلال عطلة تستمر ثلاثة أيام. ووفق بيانات منصات السفر الصينية، تصبح العائلات، لا سيما التي لديها أكثر من طفل، من أبرز الفئات المستفيدة من هذه العطلة، حيث ستنشط الرحلات القصيرة، ويزداد الإقبال على السياحة القريبة من المدن، إضافة إلى الفعاليات الثقافية، ما يعكس تحولا في سلوك الاستهلاك الأسري.
الزونغتسي يتصدر مشهد الاستهلاك الموسمي
تُعد الزونغتسي، الرمز الغذائي الأشهر لمهرجان دوانوو، محورا رئيسيا للاستهلاك في هذا الموسم. وتشير بيانات المركز الصيني لأبحاث السوق إلى أن حجم سوق الزونغتسي تجاوز في عام 2024 حاجز 10.3 مليار يوان، ومن المتوقع أن يصل إلى 11 مليار يوان في 2025. وقد تحولت هذه الكعكة التقليدية إلى منتج يجمع بين الثقافة والإبداع والبعد العاطفي، ما يجعلها أكثر من مجرد طعام موسمي.
الطلب يتزايد على المنتجات الشعبية وتجارب السياحة الثقافية
إلى جانب الزونغتسي، ازدهرت مبيعات منتجات شعبية مثل نبتة الأي وحبال الألوان الخمسة، التي ترمز إلى درء الشر وجلب السلام. فبحسب منصة “ميتوان”، ارتفعت مبيعات الحبال الخماسية خلال أسبوع ما قبل دوانوو بنسبة 200% مقارنة بفترة مماثلة العام الماضي، فيما سجلت منتجات الأي نموا بأكثر من 100%.
كما شكّلت سباقات قوارب التنين مصدر جذب كبير، حيث استقبلت مدينة فوشان في مقاطعة قوانغدونغ أعدادا كبيرة من الزوار بفضل سباق “ديجاو” المدرج ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي. وأظهرت البيانات أن حجوزات السياحة هناك ارتفعت بأكثر من 80% مقارنة بالعام الماضي، في حين حظيت مدن مثل شنتشن، ووهان، وتشوهاي بإقبال واسع على فعاليات المهرجان.
تنسيق حكومي لتحفيز السوق وتعظيم أثر الفعاليات
لم يكن الزخم الاستهلاكي في دوانوو وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تنسيق فعال بين الهيئات الحكومية ووزارات الثقافة، والسياحة، والرياضة، والرقابة على السوق. فقد نُظّمت فعاليات متنوعة دمجت بين العروض الثقافية، والمهرجانات الغذائية، والأسواق التراثية، مما عزز مفهوم “الاستهلاك الصيني الجديد” الذي يوائم بين الهوية الثقافية والفرص التجارية.
التجربة الثقافية… نافذة نحو استهلاك روحي وتجديد للتراث
رغم أن “اقتصاد دوانوو” يظهر في فترة محدودة من السنة، إلا أنه يعكس شغفا عميقا لدى الناس لتجارب استهلاكية ذات بعد معنوي وثقافي. وبفضل مشاركة الأجيال الجديدة، لم تعد المناسبات التقليدية تكرارا روتينيا، بل باتت منصات غنية بالإبداع والمفاجآت.
من “زونغتسي لاتيه”، الذي يدمج بين الزونغتسي والقهوة، إلى منتجات العطور والصابون المصنوعة من نبتة الأي، وصولا إلى صناديق هدايا مستوحاة من سباقات التنين، تنبض الأسواق الصينية بروح ابتكارية تعكس قدرة الثقافة التقليدية على التجدد والاندماج مع العصر.
وتعليقا على ذلك، قالت الباحثة تشن ليفن من مركز أبحاث الاقتصاد السوقي التابع لمجلس الدولة الصيني:”إن الدمج بين الثقافة التقليدية واقتصاد العطلات الحديث يُعد وسيلة فعالة لدفع الاستهلاك وتنشيط السوق.” وبينما تتواصل سياسات الدعم ويتطور الوعي الاستهلاكي، من المنتظر أن يستمر اقتصاد العطلات في الصين بالنمو، مؤكدا أن الثقافة ليست فقط ركيزة الهوية، بل أيضا مصدر إلهام لا ينضب في عالم الاقتصاد الحديث.
- – ريماس الصينية – الصحفية في CGTN العربية – الصين
إقرأ مزيداً من الأخبار حول الصين … إضغط هنا للمتابعة والقراءة