1:42 مساءً / 29 مايو، 2025
آخر الاخبار

الحرب النفسية والإعلامية في ظل الإبادة ، بقلم : معمر العويوي

الحرب النفسية والإعلامية في ظل الإبادة ، بقلم : معمر العويوي

الحرب النفسية والإعلامية في ظل الإبادة ، بقلم : معمر العويوي

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الإبادية التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، لم تكتفِ آلة الحرب بارتكاب المجازر وتدمير الحياة، بل عمدت إلى شن حرب موازية، نفسية وإعلامية، تستهدف تخدير الجماهير، ترويضها، وإضعاف إرادتها. هذه الحرب المزدوجة، التي تجمع بين القمع العسكري والتلاعب بالعقول، تهدف إلى إعادة صياغة الواقع في أذهان الشعوب، سواء الفلسطينية أو العربية أو حتى العالمية، لتكريس سردية الاحتلال وتبرير جرائمه.

آليات التخدير الإعلامي


منذ بداية العدوان، استخدم الاحتلال الإعلام كسلاح استراتيجي. تُروَّج روايات مضللة تبرر القتل والتدمير، وتُصوَّر الفلسطينيون كتهديد وجودي، بينما يُقدَّم الاحتلال كضحية مضطرة للدفاع عن نفسها. هذه السردية تُدعم بحملات إعلامية مكثفة، تُصنَّف فيها صور الدمار والضحايا كجزء من حرب مشروعة. في الوقت ذاته يتم ترويج خطابات الهدنة والمفاوضات بشكل متكرر، ليس بهدف تحقيق السلام، بل لإيهام الجماهير بأن هناك أملاً وشيكاً لوقف شلال الدماء النازف….


هذه الوعود الزائفة ليست سوى أداة لامتصاص الغضب الشعبي وتعليق الشعوب في حالة انتظار دائم.

إلى جانب ذلك، يعتمد الاحتلال على أدوات التخويف والقمع. ففي الضفة الغربية، تُمارس الاعتقالات الجماعية، ويُوسَّع الاستيطان، وتُهدم البيوت، لتكريس حالة من الخوف والاستسلام. هذه الممارسات تُكمَّل بحملات إعلامية تصور أي مقاومة كعمل إرهابي، ما يهدف إلى شيطنة الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم.

الهدف: حرب الوجود


منذ اليوم الأول، أعلن الاحتلال أن هدفه ليس مجرد “القضاء على المقاومة”، بل إنهاء الوجود الفلسطيني على أرضه. هذا الهدف الوجودي يتجلى في تدمير البنية التحتية، استهداف المدنيين، ومحو معالم الهوية الفلسطينية. لكن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه دون تخدير الجماهير، سواء عبر إغراقهم بالروايات المغلوطة أو إشغالهم بأوهام الهدنة. ففي الشهر العشرين من الحرب، ما زالت خطابات “اليوم التالي” تُروَّج دون أي تقدم ملموس، بينما تستمر المجازر والتوسع الاستيطاني.

حدود التخدير


لكن، إلى متى يمكن لهذا التخدير أن يستمر؟ الجماهير رغم محاولات الترويض، بدأت تُظهر وعياً متزايداً. منصات التواصل الاجتماعي، رغم محاولات الرقابة، أصبحت فضاءً لنقل الحقيقة، حيث يوثّق الفلسطينيون معاناتهم بنفسهم، وينقلون صور المجازر والدمار إلى العالم. هذا الوعي المتزايد يُشكل تحدياً كبيراً لآلة التخدير الإعلامية، التي تعتمد على التكرار والتضليل.

علاوة على ذلك، فإن صمود الشعب الفلسطيني، رغم وحشية العدوان، يُحيي روح المقاومة في الجماهير العربية والعالمية. الاحتجاجات الشعبية في العواصم العالمية، ومقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال، تُظهر أن التخدير لم يعد كافياً لإسكات صوت الحقيقة. الإعلام، رغم قوته، لا يستطيع طمس الحقائق إلى الأبد، خصوصاً عندما تكون الجرائم موثقة ومكشوفة.

حرب التخدير التي يشنها الاحتلال ليست مجرد استراتيجية إعلامية، بل جزء لا يتجزأ من حرب الإبادة. لكن حدود هذا التخدير بدأت تظهر، مع تصاعد الوعي الشعبي وتزايد الرفض العالمي لجرائم الاحتلال. الشعب الفلسطيني، بصموده وتضحياته، يُثبت أن العقول لا يمكن ترويضها إلى الأبد، وأن الحقيقة، مهما حاول الإعلام طمسها، ستظل أقوى من أي آلة قمع. إن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الوعي، وهي معركة لا بد للشعوب أن تنتصر فيها، عاجلاً أم آجلاً.

شاهد أيضاً

ندوة حول رواية الغواص في نادي القراءة - جمعية المواساة

ندوة حول رواية الغواص في نادي القراءة – جمعية المواساة

شفا – د. وسيم وني ، نظم نادي القراءة في جمعية المواساة ندوة حول”رواية الغواص” …