1:23 صباحًا / 16 يوليو، 2025
آخر الاخبار

“من الجسر إلى الهاوية: كيف يُفكك الاحتلال الحلم الفلسطيني؟” بقلم : د. عمر السلخي

السلخي

“من الجسر إلى الهاوية: كيف يُفكك الاحتلال الحلم الفلسطيني؟” بقلم : د. عمر السلخي

من وطنٍ كامل السيادة إلى معبرٍ يُفتح… وراتبٍ لا يأتي

جسر الكرامة لا يصنع كرامة

لم يعد الجسر الذي يحمل اسم “الكرامة” معبرًا للسيادة الوطنية، بل صار رمزًا للخذلان والانحدار. يا للخسارة… أن يُقزَّم الحلم الفلسطيني من وطن حرّ إلى مطالب معيشية هي في الأصل من أبسط حقوق الإنسان. أن تصبح كرامة الشعب مرهونة بـ “راتب منتظم”، أو “طريق دون حواجز”، أو “تصريح عبور”، وأن يُختزل الأفق الوطني بجسر يُفتح أو يُغلق!

هذا التراجع لم يأتِ صدفة، بل هو نتاج سياسات ممنهجة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتفكيك بنيتها السياسية والاجتماعية، وفي قلبها: المشروع الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أدوات تفكيك الحلم: من الاحتلال إلى من يروّج للواقع البديل

ما نشهده ليس مجرد إدارة احتلال، بل عملية مدروسة لتجفيف منابع الصمود الفلسطيني، عبر أدوات متعددة:

  1. تحويل الحقوق إلى امتيازات مشروطة

اموال المقاصه ،الماء، الغذاء،الدواء ، البنزين، التموين ، الكهرباء، التعليم ،الإنترنت، والحركة… كلها حاجات إنسانية أساسية ، لكنها تُدار كأدوات ضغط وابتزاز سياسي، يُمنح بعضها ويُمنع البعض الآخر بحسب “السلوك السياسي” للفلسطينيين.

  1. استهداف منظمة التحرير: قلب الشرعية السياسية

منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، تتعرض منذ سنوات لهجوم منهجي:

محاولات سحب الشرعية منها إقليميًا ودوليًا.

دعم كيانات موازية ومؤقتة بديلاً عنها، خاصة في الساحة الدولية.

تغييبها عن المشهد السياسي لمصلحة أطراف لا تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا.

الغرض من كل ذلك هو ضرب المرجعية السياسية الجامعة، وتفكيك الإطار الناظم لنضال الفلسطينيين في الداخل والشتات.

  1. إضعاف السلطة الفلسطينية: الحصار بوصفه سلاحًا

السلطة الفلسطينية، رغم كل ما يُوجَّه لها من نقد داخلي، تُستهدف ماليًا وسياسيًا ضمن خطة أوسع لتجويفها من الداخل:

حجز أموال المقاصة ومنع الدعم الدولي.

اشتراطات سياسية مُهينة للحصول على المساعدات.

تحريض إعلامي خارجي يشيطن أي دور للسلطة، مقابل التغاضي عن جرائم الاحتلال.

هذا الإضعاف المُمنهج ليس بريئًا، بل يراد منه ضرب ثقة المواطن الفلسطيني بأي بنية سياسية تمثله، ودفعه نحو الانكفاء الفردي أو القبول بخيارات استسلامية.

تطبيع القهر: حين تصبح الحياة هي سقف التفاوض

المأساة أن التفاوض اليوم لم يعد على العودة ولا على القدس، بل على الرواتب، والمعابر، والتصاريح. تحول جوهري في طبيعة الصراع:

من صراع تحرري إلى صراع خدماتي.

من مشروع وطني جامع إلى مطالب معيشية مجتزأة.

وهذا التحول يخدم تمامًا رؤية الاحتلال: أن يعتاد الفلسطيني على الحياة في ظل الاحتلال، لا أن يقاومه.

تفكيك البنية النفسية: ضرب الثقة… وإشغال الفلسطيني بنفسه

التضييق الاقتصادي، والضغط الأمني، والانقسام السياسي، كلها ليست فقط مظاهر أزمة، بل أدوات تفكيك لوعي المواطن الفلسطيني. حين يفقد الفلسطيني الثقة بقيادته، ويشعر أن “لا جدوى” من المقاومة، يتسرب إلى ذاته الفردية، ويصبح هدفه هو “النجاة”، لا “الحرية”.

وهنا تصبح فلسطين مجرد مكان يُغادر، أو وظيفة يُنتظر راتبها، لا وطن يُحرّر.

ما العمل؟: استعادة المعنى… لا الموازنة فقط

الرد على هذا المشروع التفكيكي لا يكون فقط بالمقاومة الميدانية، بل باستعادة المعنى السياسي والوطني:

تعزيز دور منظمة التحرير وإعادة تفعيل مؤسساتها في الداخل والشتات.

رفع الحصار المالي والسياسي عن السلطة الفلسطينية، وتحصينها عبر إصلاحات داخلية تُعيد ثقة الناس بها.

بناء جبهة وطنية موحّدة تُعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، بوصفه مشروع تحرر لا مشروع “إغاثة”.

التحرر من وهم “تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال”، والانخراط مجددًا في مشروع إنهاء الاحتلال ذاته.

فلسطين لا تستحق حياة منقوصة

فلسطين التي نحلم بها ليست “فتات حياة” ولا “كهرباء بلا دولة”، ولا “معبر يُفتح إذا وافق الاحتلال”.
فلسطين التي نؤمن بها هي حرية كاملة، وعدالة شاملة، وكرامة محفوظة، ودولة مستقلة ذات سيادة، تليق بتاريخ هذا الشعب وتضحياته.

وحتى يعود الجسر جسرًا للكرامة لا للإذلال، يجب أن نعيد ترتيب أولوياتنا، ونستعيد مشروعنا الوطني… من المعابر إلى القدس، ومن الراتب إلى السيادة.

شاهد أيضاً

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

شفا – دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ ، الصين وأستراليا إلى تقوية التعاون …