
جسر الهوّة: بين القيادة والمواطن… متى نعود إلى الشارع؟ بقلم : د. عمر السلخي
أزمة ثقة لا تُعالج بالبيانات، بل بالحضور الحقيقي والمكاشفة
الغياب لا يُرمم ثقة
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني، تتعمق الفجوة يومًا بعد يوم بين المواطن والقيادة. هذه الفجوة ليست فقط في التواصل، بل في الثقة، وفي الشعور بوجود قيادة تمثّل نبض الناس وهمومهم.
المواطن الفلسطيني الذي يعيش بين الحواجز والبطالة وغلاء المعيشة، لا يريد خطابات فوقية، بل مسؤولًا ينزل إلى الشارع، يسمع صوته، يرى بعينه معاناته، ويفكّر معه في الحلول.
الغياب، مهما تزين بالمبررات، لا يُعفي القيادة من مسؤوليتها. بل يزيد من شعور المواطنين بالإقصاء والتهميش، ويُغذي الاحتقان واللا ثقة. وما لم تُرمم هذه الفجوة بحضور فعلي وتواصل صادق، فإنها ستتسع حتى لا يبقى للدولة معنًى في وعي الناس، سوى الرواتب المتأخرة والقرارات المجتزأة.
أزمة ثقة… وصوت المواطن الغائب
ما نشهده في الشارع الفلسطيني ليس فقط أزمة خدمات أو نقصًا في الموارد، بل أزمة ثقة مركبة، تتغذى على:
تغييب المواطن عن القرارات الكبرى والصغرى.
ضعف الشفافية وغياب التفسير الواضح للسياسات.
انقطاع التواصل المباشر بين صانع القرار والمواطن.
ترهل أدوات الرقابة والمساءلة والمشاركة.
المواطن اليوم لا يشعر أنه شريك، بل مجرد متلقٍّ. يشعر أن القرارات تنزل من فوق، دون استشارة أو مشاركة، وأن غضبه أو قلقه لا يُأخذ على محمل الجد. في ظل هذا الواقع، تفقد الدولة معناها الجامع، وتتحول العلاقة بين المواطن والقيادة إلى علاقة صامتة، يشوبها الحذر والاحتقان.
النزول إلى الشارع أولوية
العودة إلى الناس ليست ترفًا سياسيًا، ولا مجاملة اجتماعية. إنها واجب وطني.
ما لم تكن القيادة على تماس يومي مع المواطنين، فلن تستطيع أن تفهم طبيعة الأزمات ولا حجم التحديات.
وهنا لا يكفي “الظهور الإعلامي” ولا “المؤتمرات الصحفية”، بل المطلوب:
جولات ميدانية في القرى والمخيمات والبلدات، بعيدًا عن الحشود المُرتبة.
لقاءات عفوية مع أصحاب المحال والطلاب والعاطلين عن العمل.
الاستماع إلى النقد، وتحمل الغضب، وعدم الخوف من المواجهة المباشرة.
النزول إلى الشارع لا يعني الضعف، بل هو من أقوى أشكال القيادة. وهو الوسيلة الوحيدة لإعادة صياغة العلاقة مع الناس على قاعدة الصراحة والاحترام.
من الغضب إلى الفهم: أهمية البرامج التوعوية
في ظل ما يعيشه المواطن من تشويش وفوضى معلومات، تصبح البرامج التوعوية ضرورة لا بد منها. ليس فقط لشرح الواقع، بل لتوضيح ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ومتى وكيف ولماذا تُتخذ القرارات.
أهمية هذه البرامج تكمن في:
تحصين وعي المواطن ضد الإشاعات والتشكيك.
خلق فهم مشترك بين القيادة والمجتمع حول التحديات وسبل المواجهة.
توضيح كيف يمكن للمواطن أن يُشارك لا أن يكتفي بالشكوى.
ويمكن تنفيذ هذه البرامج عبر الإعلام الوطني، المدارس، الجامعات، منصات التواصل، ومراكز الشباب والمرأة.
الندوات والحوارات المجتمعية: تفكيك التوتر لا مواجهته
الندوات واللقاءات المجتمعية ليست مناسبات دعائية. إنها فضاءات ضرورية لتفكيك التوترات، والرد على الأسئلة، وتصحيح الفجوات في الفهم. وهي فرصة لإعادة الإنسان الفلسطيني إلى موقع الفاعل لا المتفرج، والشريك لا الضحية.
يجب أن تتحول هذه اللقاءات إلى تقليد شهري في كل محافظة وبلدة، تشمل:
حوار مفتوح بين المسؤولين والمواطنين.
دعوة ممثلي المجتمع المدني، والمرأة، والشباب، والمثقفين.
توثيق المداخلات والالتزام بالرد والمتابعة.
الناس لا تطلب معجزات، بل تطلب الصدق والاحترام والاعتراف بهم.
إعادة بناء الجسر تبدأ بخطوة
ما بين المواطن والقيادة جسرٌ اسمه الثقة، إن سقط هذا الجسر، سقطت معه كل محاولات الإصلاح والتنمية والتمثيل الوطني.
والسؤال الحاسم: هل نترك هذا الجسر ينهار بصمت، أم نبادر إلى ترميمه بالحضور لا بالوعود؟
أمام المسؤولين فرصة تاريخية لاستعادة الدور الحقيقي: أن يكونوا من الشعب وللشعب. أن يخرجوا من المكاتب إلى الميادين، ومن لغة الأوامر إلى ثقافة الحوار.
فإما أن نعود للشارع… أو نُفقد الناس آخر ما تبقى من إيمانهم بالوطن كفكرة ونظام ومسؤولية.