1:04 صباحًا / 30 أبريل، 2025
آخر الاخبار

من خطاب نتنياهو إلى المجلس المركزي: أي مشروع وطني لليوم التالي؟ ، بقلم : د. خالد جاسر سليم

من خطاب نتنياهو إلى المجلس المركزي: أي مشروع وطني لليوم التالي؟ بقلم : د. خالد جاسر سليم

من خطاب نتنياهو إلى المجلس المركزي: أي مشروع وطني لليوم التالي؟ ، بقلم : د. خالد جاسر سليم


يوم امس التاسع عشر من أبريل 2025، أصدرت حكومة الاحتلال والتطهير العرقي خطابًا مسجلاً مسبقًا عبر الفيديو، قدّمه بنيامين نتنياهو، وُصف من قبل مكتبه بأنه “بيان خاص حول مسألة دبلوماسية”. إلا أن الخطاب لم يأتِ بجديد سوى تأكيد استمرار العدوان وتوسيع نطاقه، وتجديد الالتزام بسياسة الحرب المفتوحة التي تنتهجها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. لم يكن الخطاب دعوة لأي حل، بل تأكيدًا إضافيًا على أن مشروع الاحتلال لا يعترف بأفق تفاوضي جاد، ولا يرغب في تهدئة حقيقية.


في هذا السياق، ومن خلال منهجية تحليل المضمون، تاتي هذه المقالة لتقدم قراءة نقدية للخطاب في إطار السياسات العدوانية والإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. لا تهدف المقالة فقط إلى توصيف المشهد، بل تسعى إلى تفسيره واقتراح بدائل فلسطينية تعزز من شروط الصمود والمواجهة السياسية في معركة الوجود الجارية حالياً في غزة والضفة الغربية.


في هذا الخطاب المسجل يعيد نتنياهو بوضوح عن تراجع ملف الأسرى من كونه أولوية إنسانية إلى مجرد ورقة تفاوضية لتبرير استمرار العدوان على غزة. فقد قال صراحة: “من يطالبون بوقف الحرب يرددون دعاية حماس حرفيًا. لن نتوقف قبل القضاء على حماس، واستعادة مختطفينا، وضمان ألا تعود غزة تهديدًا”. بهذا التصريح، أغلق نتنياهو الباب أمام أي صيغة لوقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى، في تجاهلٍ صريح للرأي العام الإسرائيلي، الذي أظهر استطلاع أجراه مركز دراسات الأمن القومي في مارس 2025 أن 61% من الإسرائيليين يعتبرون عودة الأسرى شرطًا أساسيًا للنصر، بينما يرى 52% منهم أن استمرار القتال يقلل من فرص إعادتهم.

ورغم هذا التناقض، يتماشى موقف نتنياهو مع انزياح المزاج العام في إسرائيل نحو اليمين القومي المتشدد، حيث أظهرت نفس الاستطلاعات أن 57% من اليهود يدعمون استمرار الحرب، مقابل 25.5% فقط يعارضونها، كما ارتفعت مستويات الثقة بالجيش إلى 73%، وبنتنياهو نفسه إلى 35%.


لم يتوقف خطاب نتنياهو عند تغييب الأبعاد الإنسانية والسياسية، بل صاغ الحرب على غزة كـ”حرب انبعاث قومي”، مستحضرًا الذاكرة الجماعية للهولوكوست بقوله: “من يشكك في ضرورة مواصلة القتال، ينكر دروس المحرقة”. بهذا المنطق، يُشرعن نتنياهو العدوان كضرورة وجودية، ويعيد إحياء “عقيدة الجدار الحديدي” التي أسسها جابوتنسكي، والتي تقوم على فرض السلام من خلال الهيمنة لا التفاهم.

وقد تجسدت هذه العقيدة عمليًا في فشل المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، التي التزمت بها المقاومة الفلسطينية، بينما خرقتها إسرائيل بإعادة تموضع عسكري وشنّ جولة جديدة من العدوان، كما أكده أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما يعكس طبيعة “السلام الإسرائيلي” القائم على التحكم الزمني في العدوان لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، لا على إنهائه أو الوصول إلى تسوية متوازنة.


يتضح أن نمط التفاوض الذي تديره إسرائيل ومعها الولايات المتحدة – سواء عبر الوسطاء أو مع أطراف عربية بما في ذلك المقاومة – يستند، إضافة الى قاعدة إعطاء ما يمكن استرداده (كالافراج عن الاسرى الفلسطينيين مثلا)، إلى منطق “مفاوضات السوق”، لا إلى منطق الحقوق أو الالتزامات الدولية. وهو نمط يتسق تمامًا مع مقاربة الرئيس الأمريكي الحالي، الذي يدير السياسة الخارجية وفق منطق الصفقات التجارية: انطلاقًا من سقف مرتفع، ومن موقع تفوّق، بهدف انتزاع تنازلات كبرى قبل أي التزام فعلي كما ورد في كتابه فن الصفقة الصادر في العام 1987.

وفي هذا الإطار، يمكن فهم المقترحات الإسرائيلية حول الإفراج عن عدد محدود من الأسرى مقابل اشتراطات استراتيجية كبرى، من ضمنها “نزع سلاح حماس” و”الإبقاء على حرية الحركة العسكرية”، كمؤشر صريح على هذه العقلية.


يفرض هذا الواقع على المقاومة، وعلى مجمل الحالة الفلسطينية، ضرورة إعادة تعريف شروط التفاوض وتثبيت معادلة جديدة أكثر اتساقًا مع تجارب المرحلة الماضية. وفي إطار ما نص عليه اتفاق الهدنة، وبعد أن تخلّت إسرائيل عن التزاماتها في المرحلة الأولى ورفضت الانتقال الى المرحلة الثانية، فإن الموقف الفلسطيني يجب أن يُبنى على أحد خيارين واضحين: إما التوصل إلى صفقة شاملة تتضمن وقفًا كاملًا للعدوان وتُنفذ بضمانات ميدانية ملموسة لا على أساس وعود الوسطاء؛ أو رفض الصيغ المجتزأة التي تُستخدم كورقة سياسية داخلية في إسرائيل ولا تُفضي إلى إنهاء العدوان.

وفي حال تعذّر الخيار الأول، يمكن اعتماد مسار تراكمي مشروط للإفراج، يُربط فيه إطلاق كل أسير إسرائيلي بمبدأ “التزام مقابل التزام”، بحيث تتحول كل خطوة تفاوضية إلى اختبار مباشر لمدى جدية الاحتلال في تنفيذ الاتفاقات.


في هذا السياق، تفتقر الدعوات التي يطرحها بعض الأطراف وان كان بحسن نية، تجريد المقاومة من سلاحها وتسليم ملف التفاوض إلى منظمة التحرير الفلسطينية، بحجة إسقاط ذرائع الاحتلال لاستمرار العدوان، إلى الواقعية والمنطق السياسي. إذ تُظهر الوقائع الميدانية، كما عكسها بوضوح خطاب نتنياهو، أن استمرار العدوان لا يتوقف على وجود المقاومة أو سلاحها، بل ينطلق من عقيدة استعمارية راسخة تقوم على الإخضاع والإلغاء. فالاحتلال واصل سياساته من استيطان وقتل وحصار حتى في فترات التهدئة التي غابت فيها المقاومة المسلحة عن المشهد.

وما نشهده اليوم في الضفة الغربية – من تصاعد في جرائم المستوطنين، واقتحامات يومية، وتمدد استيطاني غير مسبوق – هو خير شاهد على أن الاستهداف الإسرائيلي لا يُبنى على وجود مقاومة، بل على مشروع استيطاني إحلالي لا يعترف بوجود الفلسطيني أصلا.


تأسيسا على ما سبق، لا تقع المسؤولية فقط على المقاومة، بل تقع أيضا المسؤولية السياسية والتاريخية على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد، خاصة الرئيس محمود عباس، الذي يبدو أنه يواجه تحديا وضغوطا لمغادرة المشهد السياسي بشكل آمن وهادئ. إذ يشكّل انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني محطة فارقة وفرصة حقيقية لإعادة تعريف الدور الوطني للمنظمة، من خلال طرح البرنامج التوافقي الذي نص عليه اعلان بكين في 23 يوليو 2024، ووقع عليه أربعة عشر فصيلا فلسطينيا، ما يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية الفلسطينية.

كما أن هذا الاجتماع يجب ألا يُختزل في استحداث منصب نائب الرئيس فقط والذي ينظر اليه البعض كخطوة اعتراضية في ظل صراع القوى داخل حركة فتح، بل أن يتحول إلى منصة تُنتج رؤية وطنية شاملة، تفتح أفقًا ومخرجًا سياسيًا للمقاومة وللشعب الفلسطيني. مثل هذه المقاربة، وإن كانت لا تلوح في الأفق بسبب طبيعة وبنية المجلس المركزي الحالي، إلا أنها قد تمثل جوابًا فلسطينيًا مسؤولًا على متطلبات اليوم التالي، وتؤسس لوحدة وطنية حقيقية تعيد بناء المشروع الوطني على أسس الشراكة والسيادة والكرامة.


في ظل هذا الواقع المركب، لم يعد التحدي الفلسطيني محصورًا في مواجهة آلة العدوان والتطهير العرقي فحسب، بل بات يتطلب مواجهة الذات الوطنية أولًا، من خلال تفكيك الانقسام الداخلي، وتجاوز الحسابات الفئوية الضيقة لكل من فتح وحماس، والانخراط في بلورة مشروع وطني جامع يعيد تعريف شروط التفاوض من موقع الصمود والندية، لا من موقع التكيف مع منطق الإملاء أو الاستسلام التدريجي.


ومع انسداد أفق الوصول إلى هدنة حقيقية في المدى القريب، واحتمالها الذي يلامس الصفر، فإن خطاب نتنياهو الأخير، إلى جانب خمسة عشر شهرًا من العدوان المفتوح، يشكّلان دليلًا إضافيًا على سقوط وهم التسوية كمسار قابل للتحقق في الظروف الراهنة.

وعليه، فإن الأولوية الوطنية يجب أن تُوجّه نحو وقف العدوان وتعزيز صمود الناس، وعلى رأسهم أهلنا في القطاع الصامد. فمتى سندرك أن إعادة بناء البيت الفلسطيني لم تعد ترفًا سياسيًا، بل شرطًا وجوديًا لا يقبل التأجيل؟ تمهيدًا لـ”اليوم التالي” الذي ينبغي أن يكون فلسطينيًا بامتياز: تُصان فيه الحقوق، وتُسقَط فيه مشاريع التهجير القسري والطوعي، وتُستعاد فيه الإرادة الوطنية، ويُسترجَع فيه الاعتبار لمشروع التحرر بوصفه خيارًا لا تسوية فيه على الكرامة أو الأرض أو المقدسات.

شاهد أيضاً

إشهار كتاب المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد للكاتبة الدكتورة سارة الشماس

إشهار كتاب المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد للكاتبة الدكتورة سارة الشماس

شفا – شهدت دائرة المكتبة الوطنية في الأردن، حفل إشهار كتاب “المسجد الإبراهيمي بين عراقة …