9:17 صباحًا / 4 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

أين الإنسان من كل هذا ، بقلم : ربى عياش

ربى عياش

أين الإنسان من كل هذا ، بقلم : ربى عياش

من متابعة التحليلات والأخبار والبيانات والكلمات المتطايرة يوميا بشأن واقع الشرق الأوسط والمأساة التي علقت في شباكها المنطقة منذ عام، لا يبدو أن أحدا يكترث للإنسان.. لا أحد يكترث حقا لما يحدث للملايين من الأشخاص. من واقع مليونين في غزة تم إلغاء حياتهم، وبات واقعهم سرابا، والأمل بُدد بشكل كامل، إلى واقع 4 ملايين في الضفة الغربية المخطوفة، إلى لبنان المستباح وسوريا المتشظية والعراق المنهك، والفاجعة تتوسع.

والأمر يصل إلى حاضر أهالي الأردن ومصر، باقتصادهما وأمنهما وسياستهما ومستقبلهما. مياه المنطقة باتت معكرة، وثقافتها مهشمة، والصواريخ باتت جزءا من واقعها، وحروب إسرائيل مع الجميع تتمدد وباقية، وصراعها مع إيران لا يهدأ. الحروب كالنار في الهشيم تزداد، وفي كل يوم هناك جبهة جديدة تُفتح، والعالم ينظر ويراقب بحذر.

تحليلات تلو تحليلات، بيانات تلو بيانات، استنكار وتحذير، نفي ووعيد، ضربات هجومية وأخرى رادعة، صواريخ تستهدف أهدافا وأخرى انتقامية، وأهالي المنطقة يغرقون في وحل المعاناة، والعالم ينظر ويراقب بصمت.

الكل ضاع في التفاصيل، والشيطان يكمن في التفاصيل، نسوا أن جل جوهر الحياة أن يحيا الإنسان بكرامة واحترام. وإن كانت كل الشعارات لا تلبّي له الأساسيات من احتياجاته وحقوقه، فما الفائدة من وجود الإنسان؟ وما الغاية من كل هذا التطور وادعاء الحضارة والتمدن؟

الخيام بازدياد والناس في الشوارع نيام، احتياجات الإنسان الأساسية غير متوفرة، والضربات تستهدف الصحافي والطبيب وقوافل المساعدات. لا مكان آمنا في الشرق الأوسط ولا أحد قادر على وقف آلة الرعب، لا أحد قادر على إحلال الصمت والسلام ليوم واحد.


الشرق الأوسط تحول إلى مدينة أنفاق مظلمة بسبب أطراف كثر، ويبدو أن أهالي المنطقة علقوا في منتصفها وبات الخروج منها يتطلب معجزة. الولايات المتحدة تدعي أن لا شأن لها بشكل مباشر بالحروب الدائرة، ولكن هل من الممكن أن تصدق واشنطن؟ هل يعقل أن المتحدث الرسمي باسم العالم لا شأن له بشكل مباشر بملحمة كهذه؟

واشنطن الداعم الأول والرئيسي لإسرائيل، مهما بلغ حجم الفجوة والنفور والخلافات بين بنيامين نتنياهو وإدارة جو بايدن، لكن هل من الممكن أن تتخلى الدولة العميقة في واشنطن عن إسرائيل؟ لا يمكن. وهل من الممكن أن واشنطن لا تعلم بخطوات وقرارات إسرائيل؟ لا يمكن.

يبدو أن الأطراف – “الصقور” اتفقوا على تغيير ترسيم حدود المنطقة كل مئة عام مرة. وما يحدث اليوم ما هو إلا إعادة تكرار للتاريخ، تجسيد الماضي في الحاضر. والمشهد كالتالي: حروب عالمية بين الأطراف القوية، يتبعون سياسة تكسير العظام بين بعضهم في محاولة لفرض القوة والسطوة، وكل طرف يحاول فرض واقع جديد بما يعود عليه بفوائد أكبر ومصلحة أكبر، وأهالي المنطقة يغرقون في مقاساة ومعاناة لا تنتهيان. كل طرف يريد رسم الواقع بريشته بقوة السلاح، زمن الحوار والعقلاء ولّى، والكلمة لسياسة البلطجة والغطرسة.

لكن، في ظل وحل السياسة، نعود لنسأل: أين الإنسان من كل هذا؟ أين الإنسان في منطق السياسات؟ وما نفع كل مؤسسات حقوق الإنسان الهشة إذا كانت عاجزة عن مساعدة الإنسان؟ ما نفع هذه الأنظمة التي تدّعي باكتراثها للأفراد وواقع الأجيال؟ على الإنسان أن يعي، إذا أراد واقعا مسالما ساكنا متوازنا، عليه أن يضمن للآخرين واقعا مماثلا. لا يمكن أن تلقي بالآخرين في الجحيم وتتوقع أن تنعم بالجنان لوحدك. لن يحدث.

إن ما يحدث ما هو إلا تعميق للأزمات أكثر وأكثر، وخلق أجيال حاقدة وناقمة على ذاتها وحياتها. ما يحدث ما هو إلا تسميم المصفوفة وتسميم برمجة الإنسان بنفسيته وبصيرته. إذن سيعلق الإنسان في حلقات مفرغة من الظلمات يصعب كسرها. هذا النظام العالمي أشبه بأفعى تلتهم نفسها. هناك أجيال لم ولن يتسنى لها أن تختبر حريتها، حقها في تقرير مصيرها، في صياغة واقعها بما يتناسب مع أحلامها وتطلعاتها، أن تتمتع بخيرات بلادها، أن تستطيع اختبار مفردات كالحقوق والحريات والديمقراطية والمواطنة. يُصرّ كل “الصقور” على وأد هذه الأجيال حيّةً، يصرّون على اغتيال حاضرها ومستقبلها وتفخيخ كل خطواتها بالجهل والرعب والخوف. زينوا سماء أهالي المنطقة بالصواريخ وحولوا أراضي أهالي المنطقة إلى حقول جرداء ممتلئة بالعبوات الناسفة، واستبدلوا منازل الناس بخيام ممزقة، لوثوا مياه المنطقة.

إن الإنسان لا يستحق أن يحيا تجربة بشرية مظلمة ومؤلمة وممتلئة بالتحديات والصعاب، لا يستحق واقعا لا يحترم إنسانيته ووجوده. وإلا ما الفائدة من وجود الإنسان؟ ما الغاية من كل هذا التطور وادّعاء الحضارة والتمدن؟

شاهد أيضاً

اليونسكو ووزارة السياحة والآثار بالتعاون مع المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة يطلقون دورة تدريبة

شفا – أطلقت اليونسكو ووزارة السياحة والآثار بالتعاون مع المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة اليوم دورة …