5:27 صباحًا / 4 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

رؤى (4) ، اّليات للانتقال من حالة الهشاشة الى حالة المناعة النفسيّة بقلم : د . غسان عبدالله

رؤى (4) ، اّليات للانتقال من حالة الهشاشة الى حالة المناعة النفسيّة بقلم : د . غسان عبدالله

يرى المتتبع للحالة النفسية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني ، بمعظم قطاعاته وانتمائته الفكرية والدينية ، وخلفياته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حالة من الهشاشة النفسيّة وفي أحسن الحالات عدم الثبات في درجة الطمأنينة وراحة البال .


أثناء عدة مقابلات سريعة لهينة عشوائية ، أجابت الغالبية على سؤال كيف الحال، كما يلي :


12 شخص زفت ، 9 أشخاص تعبان نفسيا، 14 شخص غير مرتاح، 15 شخص مثل المياه في الطلوع . هذه الاحابات تؤكد على حالة هشاشة الحالة النفسية ، ويصعب القول عدم التسلين بالقضاء والقدر.


مثل هذا الوصف للحالة النفسيّة من قبل هذه العينة العشوائية لم يتأتى فقط بسبب الأساليب والحيل السيكولوجية الذكيّة البارعة التي يتبعها الطرف الاّخر ، بل و بحكم توالي الويلات والأحداث الصادمة ‘ عبر ألأجيال المتعاقبة ، وما ينجم عن ذلك من اّثار ما بعد الصدمات النفسيّة PTSD، وعدم كفاية مستوى الوعي المطلوب بخصوص الثقافة النفسيّة اللأزمة لمواجهة تلك الاّثار بشكل مهني ناجع وبأقل تأثيرات سيكولوجية سلبية ممكنة .

أيضا ، للتوقعات العالية و لردود الفعل الانفعالية السريعة أثر في ذلك.


هنا، في هذه الرؤية ، سنحاول التقدم بمقترحات للانتقال من حالة الهشاشة الى حالة من المناعة النفسيّة الأقوى ونحو التعافي ، كوسيلة وقاية مانعة Preventive measure من الانزلاق الى حالة الضعف والخواء النفسي الذي يقود الى مثل هذه الهشاشة غير المرغوبة كونها غير قادرة على مساعدة الشخص للانعتاق من حالة الأزمات والقنوط وعدم الفاعلية وبالتالي عدم الإنتاجية .


أولى هذه المقترحات توطيد أركان الايمان والعقيدة ، فعلا لا مجرد أقوال وشعارات . مما يؤكد الحاجة الى ذلك قول العلي القدير في الاّية الكريمة رقم 41 من سورة الروم” ظهر الفساد في البر والبحر، بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” .

وكما جاء في الانجيل المقدس : وهكذا يقول يسوع: “ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد” (يو 16:10). وفي داخل الحظيرة، نجد أن أعظم امتياز واكبر شرف وأخطر مسئولية هي إطعام الخراف والحملان (يو 15:21، 16، 17).


احدى تكتيكات المجتمع الخاضع للاضطهاد والقمع المتواصل ،الميل الى التدين والبحث عن الاستقرار والاكتفاء الذاتي قدر الامكان .

للأسف الشديد ، نسبة لا بأس بها تميل الى التمسك بقشور الدين من صلاة وصوم ، متناسين أن الديانات جميعها تحضّ وتعدعو الى التعاضد والتكافل ، فمثلا حوالي ثلثي القراّن الكريم يدعو الى التمسك بالقيم والأخلاق وكذلك نسبة عالية من الانجيل المقدّس .

لهذا جاءت الدعوة الى الصلاة كركن ثاني بعد الشهادة بأن لا اله الا الله ، كنها تنهى عن الفحشاء والمنكر . ولا يفوتنا هنا ذكر الاّية الكريمة رقم 94 من سورة الانبياء “فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون’ “وورد في النجيل أيضا : وَلَا تَظْلِمُوا ٱلْأَرْمَلَةَ وَلَا ٱلْيَتِيمَ وَلَا ٱلْغَرِيبَ وَلَا ٱلْفَقِيرَ، وَلَا يُفَكِّرْ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَرًّا عَلَى أَخِيهِ فِي قَلْبِكُمْ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ ٱلْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللهِ فِيهِ؟ 1 كورنثوس 6: 9-11

10 ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. 11 وهكذا كان بعضكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع المسيح وبروح إلهنا


وعن التعاون جاء في الذكر الحكيم ” وتعاونوا على البر والتقوى” مثلما ورد في الانجيل المقدس :” روما 10:12
أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَإِخْوَةٍ. كُونُوا مِثَالًا فِي إِكْرَامِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.


غلاطية 2:6
اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، بِهَذَا تُنَفِّذُونَ شَرِيعَةَ الْمَسِيحِ.
كولوسي 13:3


اِحْتَمِلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَسَامِحُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ وَاحِدٌ، سَامِحْهُ كَمَا سَامَحَكَ الْمَسِيحُ.


مثل هذه الرسائل والمضامين تبعث في نفوس العاملين بموجبها على الطمأنينة والراحة النفسيّة وهي احدى المبتغيات الأساسية لمن يعيش في أجواء الحروب والاضطهاد المتواصل.


ثمة جانب اّخر لا بد من ممارسته حين تعامل الناس مع بعضها البعض ، ألا وهو التعامل والتخطب بلين بعيدا التنابز بالألقاب والنميمة ، بدليل قول العلي القدير “وهدوا الى الطي من القول وهدوا الى صراط الحميد”الاّة24 من سورة الحج، كون مثل هذا الأسلوب في التعامل يبعث على السكينة والطمأنينة ونمو الثقة في التعامل بين البشر ، الذي سيقود الى نهج الحوار أسلوبا في حل الخلافات والمنازعات مما يعمل علة تمتين السلم الأهلي والابتعاد عن الاقتتال المجتمعي ، فتتحقق التنمية المستدامة والازدهار بكل أشكاله المنشودة.


الى جانب ذلك ضرورة التمسك والتشبث بالصبر وعدم التسرع بردود الفعل ” وبشّر الصابرين”، مع عدم رفع سقف التوقعات ، كي لا تصاب بخيبة الأمل والخذلان حتى من أقرب الناس لك ، مع ضرورة تقدير وأخذ ظروف هؤلاء الاّخرين بعين الاعتبار.


مع بدء جائحة كورونا ، سبقها سياسة تقييد ومصادرة حرية التنقل بسبب الحواجز العسكرية والتي ، للأسف ليس فقط لم تتم ازالتها بل وزاد عددها الى 707 حاجز في المحافظات الشمالية لوحدها ، أخذت تتفشى حالات تراجع التفاعل الاجتماعي بين الغالبية من الناس ، اذ نرى توقف / تراجع تبادل الزيارات الاجتماعية أو المشاركة في الأنشطة الثقافية والأعمال التطوعية ، الأمر الذي كان بمثابة فرصة مهمة لتبادل الخبرات والتجارب والتعلم من بعضنا البعض ،مما يتيح ممارسة التفريغ النفسي للتعبير عمأ يعتصر في ذات المرء من ضغوطات وهموم متراكمة ) (accumulated stress & harassment) ، الأمر الذي كاد أن يختفي اليوم ، مما يزيد من الطين بلّة .


نظرا لظروف الاحتلال وحرب الإبادة المتواصلة ، وبسبب ما يعتري الغالبية من قلق وخوف ، أخذت رياضة المشي بالتلاشي ، بعد أن كنت ترى عائلات بأكملها تمارس هذا النوع من الرياضة المفيدة ، حيث تعتبر قناة فاعلة لتفريغ الطاقة الزائدة والكامنة في داخل كل واحد منا .


للأسف الشديد ، يلعب الاعلام (المرئي والمقروء والمسموع ) ووسائل التواص الاجتماعي ( غير القبلة للتحكم بها على صعيد الوارد والصادر)، بقصد أو بغير قصد ، الى المساهمة في حالة الهشاشة النفسيّة هذه، من خلال الإبقاء على نشر وتعميم أحداث الكرب والفقدان ، دون الالتفات الى الخطورة السيكولوجية خاصة على فئة الأطفال واليافعين.
اننا نتوخى من :- مديريات الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والمقدسات الى إيلاء أهمية أكبر لدور المؤسسة الدينية في تحصين وتمتين الحصانة النفسيّة والمعنوية للمواطن من خلال الدروس الدينية وحلقات التفقيه والوعظ .


⦁ من المؤسسات الثقافية والرياضية ( الحكومية والأهلية)، الى تكثيف المزيد من الجهود لصناعة الأحداث الثقافية الترفيهية المفيدة ( رسم ، موسيقى، غناء) ، لا سيما في المناطق النائية والمهمشّة مع ايلاء أهمية خاصة الى المسرح لما له من دور فاعل في اتاحة فرص التفاعل والتعبير والتفريغ وتعزيز تنمية مهارات الشراكة المسؤولة ، خاصة اذا كان من نمط مسرح المضطهدين Theater of the oppressed .


* مبادرة المؤسسات والفضائيات الإعلامية الى ادخال المزيد من برامج التوعية واقافة التوعية بالصحة النفسية من خلال المزيد من مقابلات مع ذوي الاختصاص في الموضوع وعرض تجارب محلية وعالمية تتحدث عن حالات مشابهة لواقعنا المرير ، بدلا من الاكتفاء بعلنا مجرد أرقام وصور مرعبة .

  • – الدكتور غسان عبدالله – القدس


إقرأ أيضاً : رؤى (3) ألثالوث المحرّم عند التعامل مع طفلك بقلم : د. غسان عبدالله
إقرأ أيضاً : رؤى (2) ، العنف ليس قدرا ، بقلم : د. غسان عبد الله
إقرأ أيضاً : رؤى (1) لمواجهة اّثار العنف المحلي ، بقلم : د. غسان عبدالله

إقرأ المزيد حول الدكتور غسان عبد الله

شاهد أيضاً

اليونسكو ووزارة السياحة والآثار بالتعاون مع المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة يطلقون دورة تدريبة

شفا – أطلقت اليونسكو ووزارة السياحة والآثار بالتعاون مع المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة اليوم دورة …