9:04 مساءً / 2 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

رؤى (3) ألثالوث المحرّم عند التعامل مع طفلك بقلم : د. غسان عبدالله

رؤى (3) ألثالوث المحرّم عند التعامل مع طفلك بقلم : د. غسان عبدالله

رؤى (3) ألثالوث المحرّم عند التعامل مع طفلك بقلم : د. غسان عبدالله

الاستغلال Exploitation الاذلال humiliation والخذلان disappointment


صدر اوائل عام 2024 ،وعن دار النشر العالمية Springer ، دليل تربوي حول مفهوم ودور الوالدين عالميا ، وهومن اعداد نخبة من خبراء في مؤسسة التحالف الدولي للصحة النفسية للأطفال ((WAIMH، والتي تشرفت أن أكون أحدهم . جاء الدليل في مجلدين ،يقع المجلد الأول في 501 صفحة والثاني في 499 صفحة من الحجم الكبير وبغلاف سميك مقوّى .
تناول الدليل الخلفيات الثقافية ، التربوية والسيكولوجية المتداخلة ،ودور الوالدين في تقديم الدعم والاسناد الى فلذات الأكباد، كونهم أكثر فئة هشّة سيكولوجيا في الأسرة والمجتمع ،ناهيك الى العطب الذي ألّم بدور الوالدين في توفير الأمن والحماية للأطفال في مجتمعنا بحكم ما نشهده من عنف وارهاب قاتل ومتواصل منذ أمد ، ولعلّ استشهاد الطفل محمد الدرّة بالقرب من والده الذي عجز عن تقديم الحماية اللازمة له ، هادفين الى تبيان الأسس الرئيسة لتربية الأطفال القويمة : رؤى وتحديات.


أبدأ هنا بما أعتبره شخصيا من المسلّمات بالنسبة لي:-


⦁ يستطيع أي والدين تعليم الأبناء لكن لا يستطيع كل والدين تربية الأبناء، كون هناك بونا شاسعا بين مفهومي وعمليتي التربية والتعليم .
⦁ يعتقد البعض أن التربية تقتصر على تأمين الاحتياجات البيولوجية للطفل ( مأكل ومشرب وكساء )، متجاهلين الى أولوية تأمين الاحتياجات السيكولوجية للطفل ( الشعور بالأمن ،الطمأنينة ،الانتماء وتقدير الئات ….).
حتى يتم ذلك، لا بد من ارساء أسسا صلبة للتربية القويمة المرتكزة على تقوى الله ومخافته مع ضمان حريتي التفكير والتعبير ، وكذلك الاقرار بوجود التنوع والاختلاف عبر تاريخ البشرية.


لانجاز ذلك نحن بحاجة الى مستوى من التوافق النفسي اولا لدى الوالدين ومن ثم بين الوالدين والأبناء ،كونه أحد الأعمدة الرئيسة لارساء تربية سليمة قويمة تضمن بناء علاقات ايجابية بين الطفل وجميع مكونات بيئته من عائلة صغيرة الى العائلة الكبيرة ( المجتمع ككل)، فتكون النتيجة الحتمية الوئام والاحترام والتعاضد،وتحمل المسؤولية المشتركة على عكس هيمنة الخواء النفسي بين هذه الأطراف الذي سيقود حتما الى الانزلاق نحو مستنقع العنف والتفكك الأسري، وبالتالي المجتمعي وبدء ملاحظة سلوكيات طارئة وغريبة عن عقيدتنا وقيمنا الحميدة ، بعض منها يكون بدافع النيّة الطيبة ، متناسين أن الطريق الى جهنم معبّدة بالنوايا الحسنة .


ثمة طرق ووسائل عديدة ،نود اقتراحها في هذه الرؤية ، لانجاز التوافق النفسي المطلوب فمثلا:-
⦁ الابتعاد كليا عن استغلال الطفل لتحقيق ماّرب شخصيّة وجلبه عاطفيا الى جانب أحد الوالدين على حساب علاقته بالطرف الاّخر، يكون ذلك من خلال ما نسميه بالتدليع spoiling المتمثل في التعبير عن مشاعرحنان ومحبة زائدة ، أو تأمين مأكولات ومشروبات يعشقها الطفل ( في أغلب الحالات تكون مواد سكريّة ، مشروبات غازيّة،والتي ستؤثر سلبا على صحته لاحقا ،أو السماح له بمشاهدة التلفازواللعب بشكل يفوق المسموح به و اللازم والمطلوب).
⦁ معاملة الطفل كشريك مسؤول بغض النظر عن العمر والجنس وذلك من خلال جعله يشعر بتقدير ذاته ووجوده كانسان ، قد يكون ذلك من خلال الطلب منه القيام بواجبات بسيطة (المساعدة في تنضيد مائدة الطعام مثلا)،دون مواصلة الطلب منه القيام بأعمال تشوبها السلبيّة مثل رمي والتخلص من زبالة البيت ، حتى لا يستغل هذا أقرانه ويأخذون بنعته بألقاب قد لا يستسيغها،


⦁ الابتعاد قدر الامكان عن النمط في التربية القائم على التعاقد مع الطفل : اذا فعلت كذا ، سأعطيك كذا، أي مبدأ الاشتراط cost & reward، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على روح المثابرة والاحساس بأهمية الشراكة المسؤولة والانتماء لبيئته العائلية والمجتمع البشري المحيط به. يمكن ،وفي جلسات تعديل السلوك behavior adjustment ولتعديل اضطراب سلوكي معين، أن نتفق مع الطفل على بعض الأمور مثل : أنت تضرب وتصرخ على أخيك كثيرا بسبب أو بغير سبب ، أتفهم صعوبة قدرتك على التحكم بانفعالاتك ، لكن مستعد أن أتقبل منك الصراخ ثلاث مرات في اليوم الأول على أن تصرخ فقط مرتين في اليوم الثاني الى أن تصل الحالة لا تصرخ ولا تضرب في اليوم الثالث وهكذا دواليك.
⦁ اقترب من طفلك أكبر قدر ممكن: اسأله دوما عن مشاعره ، كيف كانت المدرسة ذاك اليوم ، اصطحبه معك عند الذهاب الى السوق ، أعطه فرصة الاختيار ، خاصة فيما يتعلق باحتياجاته المادية كالملابس و الأكل والشراب ومستلزماته المدرسية ، تباحث معه في هواياته الشخصيّة ، (كرة القدم ، السباحة، الرسم والقراءة….الخ)


⦁ عدم اطلاق الألقاب السلبية على طفلك ( أبو عجيزة عريضة، أبو نص لسان ، قزم ، طول المارد، بشع، أكتع، أعمى ، ما بتفهم، فاشل ، تعلم من أصحابك،أو تقليده في نطق بعض الكلمات التي يخرجه بشكل غير سوي، مثل هذه النعوت والتقليد تعمل على ايجاد جراح سيكولوجية في داخله ،قد لايمكن التعافي منها، وذلك عملا بقول العلي القدير ” ولا تنبازوا بالألقاب” ووفق قول الشاعر: ” جراحات السهام لها التئام أما جراحات اللسان فلا التئام”


بهذا يمكن تجنب تعريض الطفل الى مواقف اذلال أمام الاّخرين لا سيما الأقران منهم ، وحتى لو كنتما وحدكما لما لهذا من تأثيرات سلبيّة لا تحمد عقباها عاجلا أم اّجلا.


⦁ كبح ميول الطفل للتنمر على أقرانه سواء نحو ذوي القربى أو غيرهم، من خلال الرفق والبحث عن أساليب سهلة دون اجهاد الطفل ، مثل توظيف الرياضد الجسمانية والروحية للتخلص من الطاقة الزائدة الكامنة لديه والتي قد تكون دافعا للعدوانية ضد الاّخرين،وكذلك الانتباه الى كمية ونوعية الأطعمة والمشروبات التي يتناولها الطفل وكمية السعرات الحرارية التي تحويها وهل تحوي مواد حافظة أو أصباغ كيماوية . يواكب ذلك المزيد من التوعية بثقافة التسامح ومهارات الحوار لحل المشاكل ، يتقدم على هذا كله عدم لجوء الوالدين الى استخدام العنف ( لفظي،معنوي أو جسماني ) لحل المشاكل مع الطفل أو غيره المتواجدين في البيئة المحيطة.


⦁ واجب الابتعاد كليا عن خذلان الطفل سواء عن طريق الوعود الزائفة وعدم الايفاء بها أو مقارنته مع غيره من الأتراب . كن واقعيا معه واعتمد أسلوب الشرح والتبيان بدلا عن اللف والدوران ، فالطفل يعي ويدرك ما يدور من حوله وليس كما يتخيل البعض بأنه صغير لا يفهم ويمكن استغفاله وتمويه الأمور عليه، ضع الامور كما هي مع تبني نهج التفسير وليس التبرير لتبيان الأمور على علاتها ،مستعينا بأسلوب المقارنة والمقاربة بين الأمور والأشياء موظفا نعمتي السمع والبصر ، فالصدق والصراحة في التعامل هما عماد بناء الثقة المستدامة بين جميع الأطراف .


⦁ اعادة احياء والاستثمار في الموروث الثقافي و بالتحديد ما يحويه من قصص وحكايات وتقاليد كانت متوارثة وتشكّل نهجا في فنون التسامح والتعاضد الاجتماعي كتلك التي كانت تسود في الأفراح والأتراح وسواليف الأجداد والجدات .
بهذه الرؤى وغيرها التي قد يتقدم بها مختصون غيري ، يمكننا رفع منسوب التوافق النفسي والعمل على خفض منسوب حالة الخواء النفسي والعاطفي لدى جميع أطراف معادلة التفاعل الاجتماعي الذي لا مفر منه ، كما وضمنّا ارتفاع تقدير الذات Self- steam المطلوب لدى الجميع من أجل التأكيد على ديمومة هذا التفاعل الناجز ،وحتما عدم القاء ذواتنا في التهلكة المحدقة بنا من كل حدب وصوب .

  • – الدكتور غسان عبدالله – القدس

إقرأ أيضاً : رؤى (2) ، العنف ليس قدرا ، بقلم : د. غسان عبد الله

إقرأ أيضاً : رؤى لمواجهة اّثار العنف المحلي (1) بقلم : د. غسان عبدالله

إقرأ المزيد حول الدكتور غسان عبد الله

شاهد أيضاً

الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع جمهورية ألمانيا الإتحادية يحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع جمهورية ألمانيا الإتحادية يحيي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

شفا – أحيا الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع جمهورية ألمانيا الإتحادية اليوم العالمي للتضامن مع …