8:37 صباحًا / 25 أبريل، 2024
آخر الاخبار

وحدتنا بالأمس الديكتاتورية.. وتفرقنا اليوم الحرية / مع فاصل من الردح.. والعدائية بقلم : فيفا صندي

وحدتنا بالأمس الديكتاتورية.. وتفرقنا اليوم الحرية مع فاصل من الردح.. والعدائية بقلم : فيفا صندي

من السهولة أن تحرقوا كتب من تفوقوا عليكم.. ومن السهولة أن تحجبوا الأنوار بشد الستائر الثقيلة على غرف العقول.. ومن الأسهل أن تلقى على الذي يخالفك الرأي تهمة العمالة أو الخيانة لكن من الصعب علينا كشعوب عربية أن نعترف بحكمة نبي الدار فينا.!

وهذا يكون الحال عندما نلغي صوت العقل والحكمة، وعندما نهتم بظواهر الأمور ونتجاهل بواطنها،

وعندما نتمسك بآرائنا الأحادية وانتقاداتنا المتطرفة الأكثر من ديكتاتورية الأنظمة القمعية.

تصبح النتيجة ما نعيشه اليوم من تفرقة ونزعة داخلية حاقدة وناقمة على كل أمل وبصيص نور، بل ونهوى الانقياد إلى تقسيم أنفسنا معسكرين.. معسكر الـ “مع”.. ومعسكر الـ “ضد”.

فأما أن تكون مع الفوضى والقتل والترويج للفتن والإشاعات والتحريض عليها، بوعي أو بغير وعي حتى تضمن صك الاعتراف بك كـ كاتب، بل تصبح هكذا ثوري وتستحق درجة مواطن غيور على بلده، ويا حبذا في لحظة غضب وانفعال تصرخ “الله يحرق الوطن بشعبه الغبي الذي لا يتحرك”، وطبعا سوف يصفق لك الجميع إذ لعنت أجداد وأسلاف الرئيس أي رئيس أو ملك عربي. فهكذا تنال نياشين الثوار وليس بالضرورة أن يكون رفضك للرئيس مثلا من باب النقد والإصلاح، بل هو من باب الموضة والكل يسب ويلعن. والاهم أن يتوفر فيك أسلوب الوقاحة والفذلكة في قبح اللسان في الرد على كل من يخالفك الرأي.

ويكفي بالمقابل أن تقول كفى عنفا وتقتيلا ودعونا نفكر بعقل ومنطق بعيدا عن المزايدات في حب الوطن، وبعيدا عن أي تدخل أجنبي، علنا ننقذ ما تبقى في هذه الأوطان.. حتى تتهم بالخيانة والجهل وأنك مع النظام الديكتاتوري ومتواطئ معه وتحكي بلسانه. مع أن الحقيقة أبعد من ذلك، فما يهم الكاتب / المواطن الحقيقي الفعال المحرك لضمير أمته، هو مصلحة الأوطان وأمانها واستقرارها أولا وقبل كل شيء.

تلك الأوطان التي لا نفلح سوى في التغني العاطفي بحبنا لها.. حب قد يدفعنا بغير قصد أو ربما بقصد إلى تضييعها.

ومن هنا أتساءل، هل نحن واعون بما نحن فاعلون بأوطاننا؟

هل الوطنية الحقة أن نرفع شعار الثورة حارقون الأوطان لمجرد الهوس الثوري دون فكر أو ثقافة فكرية قائدة تدير الأيام الثورية لتصنع معجزات الأوطان بإخلاص شعوبها. أم نعلنها الحرب الخفية المدمرة التي تحرق في طريقها كل القيم والمبادئ؟ والضحية هو الوطن، الشعب أو الرئيس مهما تجبر وحرق فهو عرض زائل في غمضة عين يمكن الإطاحة به ولن يبقى إلا الوطن، بمفهوم الدولة، فنعم لإسقاط النظام أي نظام فاسد أما الدولة فلا.

هل نعرف أصلا معنى الوطن بمفهوم الدولة؟ وهل نتفق على صيغة واحدة تلخص حبنا له وطريقتنا في الدفاع عنه وبنائه؟

إن الوطن هو الروح الطيبة.. والبذرة الحسنة التي كلما أخلصت في اعتناءك بها وسقيتها بماء العلم ونور الفكر، منحتك وجودا وانتماء. وكلما حرصت على الارتقاء به بالعمل والبناء، منحك حماية وقيمة وسيادة. وكلما احترمت كل مكوناته مهما كانت الاختلافات الدينية أو الفكرية أو السياسية، منحك قوة واتحادا واستقرارا. والهدف هو تكريس أبناء الوطن كل اهتماماتهم في فكر متحد ورأي واحد دون فرقة أو تقسيمات من أجل الخروج بالوطن إلى بر الأمان.

وبعيدا عن الثورات وعن إسقاط الأنظمة، ما نعيشه اليوم هو أزمة حقيقية بين الوطن والمواطنين فالكل صار صاحب قضية، والكل يدافع عن قضيته بشراسة، حتى لو كلف الأمر معاداة بني الوطن الواحد. متناسون أن هذا الوطن هو للجميع. وإنه ليس من الشراكة الوطنية في شيء، أن يسمح الإنسان لنفسه بالتعدي على حقوق ومعتقدات وفكر المواطنين الذين يتقاسمون معه الوطن والمصير.

فما أصعب أن توحدنا بالأمس الديكتاتورية، وتفرقنا اليوم الحرية..!

ما نعيشه اليوم هو أزمة تفكيك خلايا الوطن، والغريب أن من يمارس عملية التفكيك هذه هو نفسه المواطن الذي يرفع شعار الوطن أولا، ويتغنى بحبه وعظمته، ويرفع القصائد والمقالات في عشقه والولاء له. وهو نفسه الذي يحرم على غيره أبداء رأيه ويحجر عليه، ويعاديه بل ويحاربه لمجرد الاختلاف، وينتهك حرمة شريكه في هذا الوطن. وينتهك بذلك حرمة الوطن بأسره.

فالكل صار يتجاهل أن حب الوطن هو أولا حب لأبناء الوطن.. واحترام الوطن هو احترام لكل مكوناته ومؤسساته. وأي تفكيك وانقسام بين المواطنين يعني تقسيم الوطن وتشريده.

لكن تبقى الحقيقة الوحيدة أن الأوطان لا تحمى بالنزعات النرجسية، والمزايدات الجوفاء، والعداء المجاني لمجرد الاختلاف في الرأي أو الفكر، بل تبنى وتحمى بالعلم والعمل الجاد، والإنتاج المشترك، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا بالاتحاد والتضامن وقت الأزمات أما الاختلاف في الرأي أو الموقف السياسي أو الفكري فلم ولن يكون أبدا مؤشرا على حب الوطن أو كرهه.

فمن يحب وطنه يعمل على حماية نسيجه الوطني، ومن يحب وطنه يفكر في مصلحة الجماعة / الدولة حتى لو كان على حساب المصلحة الشخصية، ومن يحب وطنه يمارس مواطنته بأكمل وجه، مع صيانة كرامة شريكه / المواطن، ومن يحب وطنه يفكر كيف يخمد نيرانه بدل أن يحرض على إشعالها أكثر.

وبالنهاية، فأن حب الوطن ليس لغو أو كلام شعارات، بل هو فعل والتزام بأولوية مصالح الوطن في كل زمان ومكان وعلى كل الأصعدة والمستويات.

كلنا مواطنون، وكلنا نعشق تراب أوطاننا ووطننا العربي الأكبر، فأي مزايدات في هذا الأمر هي مرفوضة، وأي اتهامات هي باطلة.. فلا أحد يمتلك مفاتيح الأوطان، ولا أحد يمنح شهادات الوطنية إلا الإخلاص الفعلي والعمل المتفاني لبناء وحماية أوطاننا.

 

 

شاهد أيضاً

لأول مرة .. مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة بوساطة قطرية

شفا – أعلنت المفوضة الروسية لشؤون الطفل أن روسيا وأوكرانيا أجريتا لأول مرة مفاوضات مباشرة …