12:24 مساءً / 3 مايو، 2024
آخر الاخبار

كيف ستؤثر الحرب الاسرائيلية على غزة على الاقتصاد الفلسطيني، وكيف يمكن احتواء الضرر؟ بقلم : د. عيسى سميرات

كيف ستؤثر الحرب الاسرائيلية على غزة على الاقتصاد الفلسطيني، وكيف يمكن احتواء الضرر؟ بقلم : د. عيسى سميرات

كيف ستؤثر الحرب الاسرائيلية على غزة على الاقتصاد الفلسطيني، وكيف يمكن احتواء الضرر؟ بقلم : د. عيسى سميرات

من المتوقع أن يكون للحرب الإسرائيلية على الضفة وغزة تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الفلسطيني، حيث تشير التقديرات إلى أن تصل التكاليف(التكلفة المباشرة والتكاليف غير المباشرة لعمليات تدمير 80% من المباني والبيوت والبنية التحتية والشوارع وخطوط المياه والكهرباء والصرف الصحي والمصانع والمزارع والمصالح التجارية والمستشفيات والجامعات والمدارس ورياض الأطفال وترحيل ما يزيد عن عن 70% من السكان، وقتل حوالي 20 الف مواطن وجرح عشرات الالاف، ما يترتب على ذلك من تكاليف مباشرة للعلاج والتأهيل وإعادة البناء وتكاليف توقف عمليات الإنتاج الاقتصادي، وانقطاع عمليات التجارة والتصنيع، وانخفاض الطلب الكلي) الى عشرات مليارات الدولارات.

وبناء على هذه التوقعات، فسيشهد الاقتصاد الفلسطيني انخفاضًا تراكميا قد يصل الى اكثر من 50% في الناتج المحلي الإجمالي على مدار سنوات قادمة. ومن أجل تقليل الأضرار المستقبلية المحتملة على الاقتصاد، يجب على الحكومة تحمل المسؤولية وتخصيص وتوجيه الميزانيات إلى إعادة بناء غزة. لان أي عمليات بناء تعتمد على الميزانيات العادية للحكومة يعني ان إعادة بناء غزة وإعادة الاقتصاد الى وضعه السابق يحتاج الى عشرات السنوات.

أحد الأهداف الرئيسية المعلنة للحرب الإسرائيلية على غزة هو تحويل غزة الى مكان لا يصلح للحياة مما يدفع السكان الى الهجرة بالإضافة تعطيل الروتين اليومي للسكان والإضرار بالاقتصاد الفلسطيني. ومع ذلك، وعلى الرغم من تكرر جولات الحرب العديدة على قطاع غزة منذ أيام الانتفاضة الثانية، حيث تسببت في أضرار كبيرة للاقتصاد الفلسطيني الا انها لم تكن بحجم الكارثة الحالية . وتأتي الحرب في غزة استمرارا للأعمال العسكرية الإسرائيلية وهجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ونظراً لكثافة الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، والحرب المستمرة منذ ما يزيد عن 80 يوما. فقد توسعت الهجمات الاسرائيلية بدرجات متفاوتة على عدة جبهات بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مما اثر بشكل كبير على زيادة النفقات والتكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لتوقف عمليات الإنتاج. بما في ذلك النفقات المستقبلية لإعادة الإعمار ، مما يضاعف تكلفة اسكان المدنيين. وقد صاحب ذلك انخفاض عام في الاستهلاك نتيجة لتغير سلوك المستهلك خلال زمن الحرب، مما سيكون له تأثير قاس بشكل خاص على قطاع الأعمال.

لفهم الحالة الاقتصادية، من المهم أن نفهم الظروف الاقتصادية التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول. على الرغم من الحصار والازمات المتوالية التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني وحالة عدم الاستقرار السياسي فقد قدرت خسائر فلسطين من الناتج المحلي الإجمالي بالحد الأدنى وبشكل تراكمي نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزه منذ أكثر من عقد ونصف بأكثر من 35 مليار دولار أمريكي، اي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزه وتشير مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى ان مساهمة قطاع غزه من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين قبل العام 2006 كانت تمثل حوالي 36%، لتبدأ بالتراجع التدريجي نتيجة ما فرض على قطاع غزه من حصار خانق على كافة عوامل الإنتاج على مدار 17 عام مضت لتصبح مساهمة القطاع لا تتجاوز 17% في السنوات الأخيرة نتيجة تآكل القاعدة الإنتاجية.

إلا أن المؤشرات الرئيسية التي تشهد على قوة الاقتصاد الكلي لدولة معينة تشير إلى أن أداء الاقتصاد الفلسطيني لم يكن جيدًا قبل بدء الحرب. فقد شهد الإقتصاد الفلسطيني في العام 2021 نموا وصل الى 7% عقب التدهور الحاد في العام الذي سبقه (-11%) بتأثير جائحة كورونا. ولكن النمو تباطأ الى نحو 4% في العام الماضي، كما تباطأ مزيدا في الربع الأول من هذا العام، الى 3.1% (أساس سنوي). وشهد الربع الثاني 2023 تراجعا طفيفا في النمو أيضا، ووصل الى 2.9% على أساس سنوي (أي بالمقارنة مع الربع الثاني من العام السابق). كما تشير النتائج أن الدين العام الحكومي ارتفع مقوماً بالدولار نهاية الربع الثاني من العام 2023، بنسبة 6.6%، و6% مقارنة بالربع السابق والمناظر على الترتيب، ليبلغ حوالي 3.7 مليار دولار، وبلغت حصة الدين المحلي منه حوالي 65%، في مقابل 35% للدين الحكومي الخارجي. وبلغ معدل البطالة 24.7 في المائة، بينما بلغ معدل التضخم 3.6في المائة. حيث تنعكس سلبا هذه المؤشرات على نصيب الفرد الذي انخفض بنسبة 8%. وعلى الرغم من الحالة السلبية للاقتصاد الفلسطيني، فإن الحرب على غزة حسب البنك الدولي تمثل صدمة اقتصادية كلية سوف يتردد صداها لسنوات عديدة قادمة. ومن المتوقع أن يستمر هذا التأثير لسنوات عديدة وذلك للأسباب التالية:

  1. منذ بداية الحرب، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حتى 28 نوفمبر 2023 ان حجم القصف والذخائر والصواريخ على غزة من أجل تحقيق أهداف الحرب، أطلق الجيش الإسرائيلي أكثر من 90 ألف قذيفة مدفعية على قطاع غزة ، وحسب مكتب الإعلام الحكومي فان جيش الاحتلال الإسرائيلي أسقط 40 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة وبتحليل صور الأقمار الصناعية بينت أن 29 ألف قنبلة ألقيت على القطاع استهدفت المناطق السكنية والكنائس البيزنطية والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصالح التجارية ومراكز التسوق.
  2. كما تضررت جميع البنية التحتية المدنية إلى حد لا يمكن إصلاحه، وقد اثرت على قدرة المؤسسات الفلسطينية على تقديم خدماتها نتيجة الخسائر المادية والبشرية التي يصعب استبدالها “إن غزة هي واحدة من أشد حملات العقاب المدني في التاريخ”. ” “غزة الآن بلون مختلف عن الفضاء. إنه نسيج مختلف.”
  3. وقد أدت الحرب على غزة الى حرمان الاف من الموظفين من رواتبهم اذ يتعين على الدولة أيضًا دفع رواتبهم. وارتفاع نسبة الفقرحيث ان 8 من بين 10 هم فقراء في غزة.
  4. إن إجلاء 1.6 مليون فلسطيني عن منازلهم يعني أنه يتعين على الدولة أن تدعم تكاليف السكن والمعيشة لأولئك الذين تم إجلاؤهم.
  5. ولا بد من تعويض الأشخاص الذين تضررت ممتلكاتهم جراء إطلاق الصواريخ و القذائف.وتقديم المساعدات المالية للذين فقدوا مصدر دخلهم وللشركات المتضررة سلبًا من الحرب، بدءًا من إعانات البطالة (200 الف عامل من الضفة و100% من عمال قطاع غزة).
  6. وقد أدى الصراع إلى تعطيل نشاط القطاع الخاص في غزة، كما لوحظت آثار سلبية شديدة حيث ان أن أكثر من 54 بالمائة من الأعمال التجارية، فمن بين أكثر من 3,000 شركة معروفة فقد تم فقدان ما يقدر بنحو 147,000 وظيفة رسمية في غزة.
  7. انخفاض الدخل الحكومي، سواء بسبب انخفاض الإيرادات من ضريبة الدخل بنسبة 13% في الربع الأخير من العام 2023 أو بسبب توقف الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر.

وفي الواقع، فإن الصدمة التي يتعرض لها نظام الاقتصاد الكلي تنعكس بالفعل في اختلال العرض والطلب الكليين. ومن ناحية الطلب، كان هناك انخفاض على الصعيد الوطني في كل المدن الفلسطينية بشكل متفاوت بين مدن غزة ومدن الضفة الغربية فقد وصل الانخفاض الى نسبة 33% في الإنفاق 21 % في الضفة وبنسبة 80% في قطاع غزة. وتظهر الاختلافات أيضًا في مختلف القطاعات المتضررة ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 9%. ومن ناحية العرض فقد كانت هناك صعوبات في إنتاج السلع المختلفة وتقديم الخدمات، حيث لم يستطع العمال والموظفين من الوصول الى أعمالهم بسبب الاغلاقات والقيود على حركة البضائع والأشخاص وراس المال. وقد أدى كل هذا إلى خلق مشاكل في توريد بعض السلع ــ وهي المشاكل التي تفاقمت بسبب قضايا الاستيراد، ويرجع ذلك جزئياً إلى الهجمات التي تشنها قوات إسرائيل ضد حركة المرور وتراجع الواردات وتسريح اكثر من 90% من العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي.

وتشير التقديرات إلى أنه نتيجة لذلك، سيكون هناك انخفاض بنسبة 33% في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2023، وأن النمو السنوي سينخفض إلى حوالي 6% لعام 2023(وهو ما سيترجم إلى نمو صفري للفرد). وبالمثل، من المرجح أن تؤدي الزيادة في الإنفاق العام إلى عجز في موازنة الدولة، مما سيرفع نسبة الدين إلى الناتج الى حوالي 7% ولذلك فإن التقدير الأولي للحرب ضد الفلسطينيين مع الأخذ في الاعتبار فقدان دخل الدولة والتعويضات وإعادة الإعمار سيصل الى عشرات مليارات الدولارات.

وهم ما يتطلب تدخل دولي وعربي واقليمي للمساعدة في التعامل مع التكلفة الباهظة للحرب والنفقات التي ستتراكم في السنوات المقبلة.

على الرغم من هذه الأرقام القاتمة، فقد أفقدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مؤشر القدس ببورصة فلسطين جميع المكاسب المحققة في عامي 2022 و 2023، وأعادته لمستويات الربع الأخير 2021. وأظهرت أن مؤشر القدس أغلق تعاملات 2023 عند مستوى 588.6 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأخير 2021، باستثناء فترة الأسابيع الأولى للحرب على غزة. فقد قال رئيس البنك الدولي، إن الصراع بين إسرائيل وغزة صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة إذا انتشر.

بعد مرور أكثر من 80 يوم على الحرب، يمكن القول إن الاقتصاد الفلسطيني لنقص مرونته لا يستطيع تحمل هذه الأعباء كونه واجه تحديا كبيرا بعد ان تسببت جائحة كوفيد-19 في حدوث اضطرابات اقتصادية عالمية، والتي خرج منها الاقتصاد اكثر ضعفا مقارنة بالدول الأخرى التي مرت أيضًا بالأزمة. ان استمرار الحرب يضع امام الاقتصاد الفلسطيني تحديا غير مسبوق من المحتمل ألا يتمكن الاقتصاد الفلسطيني من مواجهة تحدياته خلال عام 2024، مما سيكون له تأثير مباشر على كافة مناحي الحياة.

حيث تبلغ قيمة الموازنة الدولة لعام 2023، ما يزيد على 5 مليار دولار باقل بحوالي مليار دولار عن الموازنة السابقة ويعتقد انها غير كافية بالإضافة انها ستشهد عجزا واضحا بناء على المؤشرات السابقة وتزايد الأعباء الناتجة عن الحرب، وتشمل نفقات السكن لأولئك الذين أجبروا على الإخلاء. فلا يوجد جدل حول الحاجة إلى زيادة النفقات، لأنه بالإضافة إلى التكاليف الروتينية في زمن الحرب مثل التعويضات لجميع المتضررين. ومع ذلك، فمن الواضح أن التمويل الأساسي للإنفاق الحكومي سيأتي من زيادة الدين الوطني، الأمر الذي سيزيد العجز في السنوات المقبلة – خاصة في ضوء ارتفاع الفوائد التي سيتعين على الحكومة دفعها في ضوء مناخ الفائدة الحالي. بالإضافة إلى اتخاذ قرارات صعبة من شأنها أن تؤدي إلى خفض مخصصات الميزانية لقطاعات مختلفة من السكان والوزارات، وبدلاً من ذلك يتم توجيه هذه الأموال إلى الاعمار.

إن إعادة تخصيص الأموال لا يمكن أن تغطي كل الأموال المطلوبة، لكن المسؤولية المالية التي تظهرها هذه التدابير الضرورية مهمة بالنسبة لفلسطين. ومن الممكن أن يكون لهذا التطور تداعيات على الاقتصاد الفلسطيني، كما قد يؤثر سلباً على المجهود لإعادة الاعمار وسيشعر الجمهور بذلك في جيوبه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض الدعم الشعبي لبرامج إعادة الاعمار.

إذا نظرنا إلى الاقتصاد الفلسطيني من وجهة نظر أوسع وأطول أجلا، كنتيجة مباشرة وفورية للحرب الحالية، فمن المرجح أن نرى مزيجا من بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية مليئة بالتحديات، وارتفاع تكاليف الحياه، وتأثير سلبي على الاستهلاك الشخصي، وانهيار اقتصادي. وتراجع الاستثمار. وكل هذه الأمور قد تكون نذيراً “لعقد ونصف اخرى ضائعة” للاقتصاد، كما حدث وما زال يحدث في الاقتصاد الفلسطيني بين الفينة والاخرى. ومن أجل تجنب هذا السيناريو السلبي وتقليل الأضرار المستقبلية التي قد تلحق بالاقتصاد، يجب على الحكومة أن تظهر أقصى قدر من المسؤولية في أسرع وقت ممكن.

بعبارة أخرى، على المستوى الاستراتيجي فإن التدابير الاقتصادية الصحيحة الآن من الممكن أن تمنع تكرار الضياع الذي تعرضت له فلسطين من الحصار والحروب. وقد أوصى البنك الدولي بأن من شأن وقف الأعمال العدائية أن يمهد الطريق لإحداث تغييرات كبيرة على الأرض. في المقام الأول، ذلك من شأنه أن ينقذ الأرواح، ويفتح الفرصة لإعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي؛ وإعادة تحويلات إيرادات المقاصة في أسرع وقت ممكن وإلغاء القرارات الأخيرة بزيادة الخصومات، وتسهيل التجارة ونشاط القطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة للسماح بتوليد الدخل.

بالإضافة الى زيادة الدعم المالي من قبل المجتمع الدولي بشكل عاجل أثناء وبعد هذه الأزمة. كما يجب أن تستمر المساعدات في لعب دور محوري في دعم السلطة الفلسطينية، على وجه الخصوص على المدى القصير إلى المتوسط؛ وأخيرا، بذل جهود متجددة نحو إصلاح السياسات من جانب السلطة الفلسطينية، بما في ذلك الاستدامة المالية.

شاهد أيضاً

مقتل مواطن بإطلاق نار بشجار عائلي في السيلة الحارثية غرب جنين

مقتل مواطن بإطلاق نار بشجار عائلي في السيلة الحارثية غرب جنين

شفا – قتل مواطن، مساء اليوم الخميس، وأصيب آخرون في إطلاق نار غرب جنين. وقال …