11:50 مساءً / 7 مايو، 2024
آخر الاخبار

حقوق الملكية الفكرية بين الأخلاقيات والقرصنة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال

حقوق الملكية الفكرية بين الأخلاقيات والقرصنة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال

حقوق الملكية الفكرية بين الأخلاقيات والقرصنة ، بقلم : سناء حسن أبوهلال

في زيارة ماتعة لمعرض فلسطين الدولي للكتاب، كانت لدي الفرصة للغوص بين عناوين الكتب والروايات والمؤلفات المختلفة للعديد من دور النشر في العالم العربي، واقتناء بعض منها، إلى جانب ذلك حضور إحدى المحاضرات الثقافية ضمن فعاليات المعرض، وقد كانت المحاضرة حول حقوق الملكية الفكرية باختلاف نوع المنتج الفكري باستضافة خبراء وقانونيين للتعريف بالموضوع والمساهمة في نشر ثقافة حماية الملكية الفكرية للأفراد، ويعد هذا الموضوع ذا حساسية عالية في الآونة الأخيرة، وخاصة لدى الباحثين والمؤلفين وصناع المحتوى الإلكتروني الرقمي. وتثار حوله العديد من الأحاديث والجلسات، قد يصل بعضها إلى ساحات المحاكم.


الملكية الفكرية تعني حقوق المؤلفين والمخترعين فيما يتعلق بأعمالهم الأصلية والإبداعية، وهذه الحقوق تسمح لهؤلاء الأفراد الاستفادة من أعمالهم وأفكارهم وابتكاراتهم وحمايتها، وهي تشمل حقوق النشر، براءات الاختراع، العلامات التجارية، وتشمل أيضاً حقوقاً مثل حقوق الملكية الأدبية والفنية (أداء الفنانين ومنتجي الموسيقى) وحقوق الملكية الصناعية (حقوق المصممين والمبتكرين في الصناعات الإبداعية)، المحتوى الرقمي والإلكتروني، وهناك حقوق لملكية فكرية تصل للثقافة والموروث الشعبي في الملابس والغذاء، وحتى التراث الشعبي المنطوق، وقد عرفت قانونياً بأنها عبارة عن سلطات يخولها القانون لشخص على شيء معنوي هو ثمرة فكره وإنتاجه الذهني، أو بأنها كل ما ثبت للشخص من حق بقوة القانون على إنتاجه الفكري أو الذهني أيا كان نوع هذا الحق وأيا كانت طبيعته، كما أنها تعني نوعا خاصا من الملكية إذ أن من أهم خصائص الملكية أنه يجوز للمالك أن يستعمل ما يملكه كيفما يشاء، وأنه لا يمكن لغيره قانونا أن يستعمل ملكيته دون تصريح منه.


وتعتبر حقوق الملكية الفكرية إحدى أهم التحديات التي يواجهها العصر الحالي، وذلك يتمثل في ضرورة إيجاد التوازن بين حماية حقوق المؤلفين والمخترعين وبين تعزيز الابتكار وحرية الوصول إلى المعرفة، ومما لا شك فيه أن وجود التطور التكنولوجي والمعرفي، وانفتاح وسائل الاتصال والتواصل الرقمية في الوقت الحالي يسبب أزمة حقيقية في مجال السعي إلى حماية الملكية الفكرية، فالقرصنة الإلكترونية أصبحت متاحة في كل وقت دون وجود مساءلة حقيقية وقوانين واضحة وصريحة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، يمكن نسخ ونشر المحتوى الرقمي بسهولة وسرعة، دون وجود من يتابع هذه السرقة الفكرية قانونياً أو شخصياً.


تهدف الملكية الفكرية إلى تشجيع الإبداع والابتكار وتوفير حماية قانونية للمؤلفين والمخترعين، مما يشجع على مشاركة المعرفة وتقديم المزيد من الأفكار والإبداع في مختلف المجالات، تتفاوت قوانين الملكية الفكرية من دولة إلى أخرى، ولكنها عادة ما تمنح الحقوق لفترة زمنية معينة قبل أن تصبح الأعمال جزءًا من الملكية العامة ويمكن للجميع استخدامها.


وفي سياق الحديث عن انتهاك حقوق الملكية الفكرية والتي تعتبر على درجة كبيرة من الأهمية في وقتنا الحالي، لا بد من تسليط الضوء على حماية حقوق الملكية الفكرية في الأبحاث والدراسات العلمية للمؤلفين والباحثين، ويجب أن يكون الباحث على درجة من النزاهة بحيث يكون بحثه أصيلاً غير مقتنص من باحثين آخرين، سواء من حيث الفكرة الأساسية للبحث أو أدواته أو نتائجه، وفي هذا السياق هناك بعض البلدان التي تعمل على تسجيل أعمال الباحثين ضمن نظام معين، وهذا التسجيل يمكن أن يكون دليلاً قانونيا قويا على ملكية العمل. وفي هذا الإطار لا بد للباحث من الاقتباس والاستشهاد الصحيح عند استخدام أبحاث أو دراسات سابقة في بحثه، وذلك وفق النظم العالمية المتعارف عليها للاستشهاد والتوثيق. وهذا يعد من أهم أخلاقيات البحث العلمي. ومن وسائل حماية الأبحاث نشرها في مجلات محكمة ومعترف بها عالمياً، وهذا يساعد أيضاً على انتشار البحث بشكل كبير بين المهتمين في مجال البحث.


بشكل عام، حماية حقوق الملكية الفكرية في الأبحاث والدراسات العلمية يتطلب الاهتمام بالتفاصيل والالتزام بالممارسات الأخلاقية والقوانين المعمول بها في مجال حقوق الملكية الفكرية، وفي الوقت الحالي هنالك برامج تعتمدها الجامعات والمجلات والمؤسسات البحثية لاكتشاف السرقات الفكرية، وذلك ما يعرف ببرامج فحص الاستلال (Plagiarism detection software) والتي تستخدم للكشف عن أي انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك الاستنساخ غير المصرح به، في الأبحاث والدراسات. وتعتمد هذه البرامج على مقارنة النصوص المقدمة مع مصادر أخرى مثل المقالات العلمية والكتب والمواقع الإلكترونية للتحقق من وجود تشابه أو استنساخ، ومن هذه البرامج برنامج Turnitin وهو من أشهر أدوات الكشف عن الاستلال ويستخدم في المؤسسات التعليمية والجامعات لفحص أعمال الطلاب والأبحاث العلمية.


وفي سياق آخر ونظرة سريعة للمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي فإننا نرى العديد من الانتهاكات لحقوق الملكية الفكرية للأفراد، ففي جولة قصيرة على الفيسبوك على سبيل المثال تجد نصاً معيناً أو صورة أو مقطع فيديو يتم تناقله بين الأفراد على صفحاتهم الشخصية دون أي ذكر لصاحب المحتوى الرئيس، ولهذا هنالك العديد من النقاط الرئيسية التي يجب مراعاتها في هذا السياق مثل: نشر محتوى أصلي على مواقع التواصل الاجتماعي مثل صور أو نصوص أو فيديوهات، مما يحافظ على حقوق الملكية الفكرية لهذا المحتوى، والإشارة إلى صاحب المحتوى الأصلي عند مشاركة أي منشور، مما يعتبر ضمنياً محافظة على الحقوق الأصلية، رغم أن بعض المشاركات يستحق الإذن من صاحب المحتوى الأصلي، واحترام خصوصية الآخرين في نشر ما لا يرغبون بنشره، وغيرها من الأخلاقيات التي يستوجب سلوكها بين الأفراد.


بالإضافة إلى ضرورة أن نبقى حذرين عند استخدام المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي والامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية. وخاصة إذا كان نشر هذا المحتوى سيؤدي إلى إحداث ضرر بأصحاب المحتوى الأصلي، سواءً كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً.


كما لا نستطيع أن ننسى حقوق الملكية الفكرية الثقافية لأي شعب من الشعوب، وخاصة في ظل الاحتلال والحروب، فالغازي كما يهتم بسلب الأرض والبنيان، فإنه يركز بشكل كبير على سلب الثقافة الموروثة (الملابس، الأكلات الشعبية، الحكايات الشعبية، الأدوات، نظام البناء وغيرها)، والاستحواذ عليها وتسويقها على أنها ثقافته الخاصة، لسببين رئيسين أولهما أن يثبت أن له ماضٍ وموروث ثقافي، وثانيهما أن يزرع في أذهان الأجيال القادمة ثقافة جديدة مزورة ليحمي كيانه.


وبشكل عام، تبقى حقوق الملكية الفكرية موضوعًا للنقاش الدائم والتطور المستمر في القوانين والسياسات تبعاً للتطورات والتجديدات في نظام الحياة وفي ظل تقدم تكنولوجي شديد التسارع، ويشمل ذلك كافة المجالات سواء في مجال النشر، أو التجارة، أو براءة الفكرة، أو براءة الاختراع، حيث يسعى القانون إلى مواكبة متطلبات العصر الحالي وتحديثاته، وتحقيق التوازن بين حماية الإبداع وتشجيع الابتكار والوصول إلى المعرفة، وهنا لا بد من التأكيد على أن وسن القوانين التي تحمي الملكية الفكرية لا يكفي وحده، فتطبيق القانون هو الأهم، والأهم من ذلك أن يكون لدينا ثقافة تقدير الملكية الفكرية الخاصة، ونشر هذه الثقافة بين كافة مستويات المجتمع، وحث الأفراد على المطالبة بحقوقهم، فالفكر هو ملك شخصي لصاحبه ولن يدافع عنه أي فرد آخر طالما أن الفرد نفسه لم يطالب بحقه، فكما علينا واجبات لابد لنا من إدراك الحقوق أيضاً.

شاهد أيضاً

نابلس : اختتام الصلح العشائري بين عائلتي آل مليطات وعائلة موسى

برعاية محافظ نابلس : اختتام الصلح العشائري بين عائلتي آل مليطات وعائلة موسى

شفا – تحت رعاية وحضور محافظ نابلس غسان دغلس وبحضور أهل الخير والإصلاح من بلدتي …