4:19 صباحًا / 28 أبريل، 2024
آخر الاخبار

قراءة في رواية “سبيطة – الأيام قبل الأخيرة” للكاتب المقدسي: عبدالله دعيس، 2023- مكتبة كل شيء للطّباعة والنّشر – حيفا ، بقلم : رفيقة عثمان

رفيقة عثمان

قراءة في رواية “سبيطة – الأيام قبل الأخيرة” للكاتب المقدسي: عبدالله دعيس، 2023- مكتبة كل شيء للطّباعة والنّشر – حيفا ، بقلم : رفيقة عثمان


صدرت رواية “سبيطة” الأيّام قبل الأخيرة، للرّوائي المقدسي عبدالله دعيس؛ والصّادرة عن مكتبة “كل شيء الحيفاويّة. تقع الرّواية في مئتين وإثنين وأربعين صفحة من القطع لمُتوسّط. صورة الغلاف لوحة فنيّة لموقع أثري قديم ذي قوس عالٍ لبوّابة ممكن مشاهدة الموقع الأثري من خلاله، والخلفيّة ملوّنة باللّون الأزرق.


تُعتبر رواية سبيطة، رواية تاريخيّة خياليّة؛ حيث استحضر الكاتب دعيس المكان والزّمان، وكانت سبيطة هي البطل الأوّل في الرّواية، وهي خربة سبيطة (مدينة سبيطة) وهي واحدة من مدن الأنباط السّت الّتي بنوها في غربي النّقب على درب التّوابل والعطور؛ اسمها مأخوذ من تحريف لكلمة (شوبيتو) أحد زعماء القوم، بعد توقّف القوافل في الفترة البيزنطيّة تحوّلوا للزّراعة فقط، حتّى خرابها في القرن الميلادي التّاسع، وسكنتها فيما بعد عائلات بدويّة . ( حنا فوزي: منصّة الرّأي) موقع إلكتروني.


ووصف الكاتب أحداث الرّواية في زمن 999 ميلادي تقريبًا. استوحى الكاتب روايته من قرية سبيطة الفلسطينيّة، والغنيّة بالمعالم الأثريّة القديمة النبطيّة، والغنيّة بزراعة الزّيتون والعنب.


استحضر الكاتب قرية سبيطة وخلق فيها حياة جديدة، كما تصوّرها أن تكون على غرار “المدينة الفاضلة”، ووصف الصّراعات السّياسيّة والاجتماعيّة، الّتي تقالبت عليها في ذلك العصر؛ ولم يكتفِ الكاتب بذلك فحسب، بل وصف جبروت أمير المؤمنين ” الحاكم بأمرالله” واتباعه في زمن عهد الفاطميين، في تركيع وإذلال الشّعب، والاستيلاء على الثروات والغنائم، والتّسبّب في تجويع وفقر الشّعب في سبيطة.


في نهاية الرّواية، وضع الكاتب حدًّا لنتيجة أعمال الطغاة، فسقط الحاكم وأتباعه، ولم يظل الحكم بأيد الحكّام المُتسلّطين، فمات من مات، وهرب بعض أهالي سبسطية إلى قرى أخرى؛ وتهاوت الجدران، والبيوت، والكنائس والمساجد، ولم يعد هناك من يُعمّر القرية. ” أمّا المسلمون فلم يوحّدهم تقاطر الغرباء إلى أرضهم، فقد تعمّقت خلافاتهم بعد سنين طويلة من حكم الخلفاء الفاطميين لهم” ص 15.


نسج الكاتب أحداث الرّواية، في قالب روائي جميل مُتخيّل، في لغة بسيطة ورزينة، ذات محسّنات بديعيّة، والصّور السّرديّة الّتي تتناسب مع الأحداث، ولم يستخدم الكاتب اللّهجة العاميّة في الرّواية كلّها؛ ممّا تساهم في نشرها بكافّة الدّول العربيّة؛ وتضيف تشويقًا لقراءتها.


اختار الرّوائي دعيس شخصيّة الرّاوي عيسى، وهي شخصيّة محوريّة، وُصفت بشخصيّة مختلّة عقليًّا، أو شخصيّة المعتوه في القرية؛ ومن خلال هذه الشّخصيّة، تحدّث الرّاوي بصوت الأنا، وهو الرّاوي العالم بكل ما يدور حوله من أحداث وأشخاص وأماكن. نجح الكاتب في وصف نفسيّة الرّاوي “المجنون” كما عُرف بالقرية، ووصف مشاعره من مخاوف وفرح وحزن، لكنّ عيسى الرّاوي يصف نفسه بالعاقل، ويستغل صفته بالتّقرّب إلى الآخرين من رجال ونساء؛ لمعرفة الأسرار الشّخصيّة والعامّة منها، وهو مقتع تمامًا بأنّه عاقل وليس مجنونًا.


نجح الرّوائي في تحريك شخصيّة الرّاوي، بأن يتكيّف وفق الظّروف، ويصبح معتوهًا متى يشاء؛ لأنّه يُرفع عنه القلم، أي لا يُلام على أفعاله فيستغل هذه السّمة؛ ليحشر نفسه في معرفة وكشف المواضيع الحساسة في المجتمع، والتّقرّب من الحاكم وحاشيته، وتقصّي الأخبار في القرية.


إنّ اختيار الكاتب لشخصيّة “المعتوه” اتاحت للكاتب مساحة شاسعة من سرد الأحداث، واستنطاق الزّمن الماضي والمكان، والأحداث، الأشخاص في الرّواية؛ نظرًا لأنّ المعتوه لا يُلام ولا يُحاسب على أعماله، هذا الأسلوب الفنّي لاختيار الشّخصيّة، تُحسب لصالح الكاتب، وتمّ اختيارها عن دراية وحكمة الكاتب؛ لتطويعها في سرد المخفي والظّاهر في الماضي والحاضر. على لسان الرّاوي بالحكمة والعبرة كما يُقال: “تصدر الحكمة من أفواه المجانين”قائلًا ص 189: “إذا تآزت الأيدي الضّعيفة، زحزحت الجبال الرّواسي.”. “السّلاح يقف عاجزًا أمام إرادة الحياة ص 191”. “نقف صفّا واحدًا، فقوّتنا في اجتماعنا ص 198.” في نهاية الأمر جعل الكاتب من عيسى بطلًا، أنقذ الشّيمّاء، وساهم في البحث عنها، ومساعدة المرضى والمحتاجين الّذين ظلّوا في القرية بعد خرابها، وعاد إلى بيت المقدس.


وصفت الشّيماء عيسى بقولها: “كيف وصموك بالجنون، ولسانك يقطر بكلّ هذه الحكمة؟”. من البديهي أن يكون أسلوب الحوار الذّاتي هو الغالب في الرّواية؛ نظرًا لسرد الرّاوي عيسى البطل، بصوت الأنا، وقلّت الحوارات الخارجيّة.


ذكر الكاتب بأنّه لا يوجد فرق بين الطّوائف المسلمة والمسيحيّة: ” لم أعد أميّز بين الطّائفتين، فالموت لم يميّز بينهما”. كما ذكر ص 169 :” كلّنا نؤمن بربّ واحد، ونعبده بالمحبّة ص 148″. ” فلنحب أنفسنا فالرّب محبّة والدّين محبّة”. ص 186. إن دلّ هذا الأمر على شيئ، فهو يدل على إنصاف الكاتب، وعدم التمييز العنصري بين المسيحيين والمسلمين، والّتي أشاد بها في معظم صفحات الرّواية. الرّمز هنا بأنّ فلسطين يقطنها المسيحيّون والمسلمون على مر العصور جنبًا إلى جنب، حتّى يومنا هذا.


برزت شخصيّة ثانية محوريّ في الرّواية، وهي شخصيّة لؤلؤة، وهو القاص أو الحكواتي الّذي ينطق بما يريده الحاكم، ويسرده على مسامع الجمهور؛ ترويجًا لآرائه ومبادئه. ” لؤلؤة! فما أنت إلّا بوق ينفخه كل من صعد إلى السّلطة” ص 188.


تُرى! هل يرمز الكاتب ناقدًا لمعاوني الرؤساء في عالمنا العربي والإسلامي؛ كالصّحافة أو مؤّذني المساجد المُروّجين لمبادئهم وآرائهم فوق المنابر؛ ويُكرّرون أقوال الزّعماء دون تحريف؛ لغسيل دماغ الأشخاص البسطاء، واستمالتهم للسّلطة الحاكمة؟.


بدت نهاية الرّواية فيها شؤم من المستقبل، ومن المأمول تكرار التسّلّط والاستبداد في الحكم، وسوف تتكرّر الشّخصيّات المتسلّطة مع تغيير في الأسماء فقط؛ وستظ المقاومة على الرّغم من الاحتلال والقيود


” أغمضت عيني، فرأيت لؤلؤة يُفرّخ لؤلؤة بعد آخر وينسلون من الأرض والجدار والسّقف، ويحيطون بي ويفتحون كتبهم ليبصقوا علي، فأغمضت عيني وصممت أذني ونهضت؛ لأدافعهم رغم القيود الّتي في يدي” ص 230-233.


استخدم كاتبنا بعض التناص الديني مثل على ذلك: “كالعرجون القديم” و ” استبرق الجنان” وغيرها؛ كذلك استخدم الاقتباس في بعض الآيات القرآنيّة: ” وإذا أراد الله بقوم سوءًا، فلا مردّ له من دونه ومن وال” سورة الرّعد؛ كما ظهر اقتباس الآيات القرآنيّة مكثّفًا في ص 169-170. بالإضافة لاقتباس من إنجيل لوقا “أورشليم يا أوشليم يا قاتلة الأنبياء، وراجمة المُرسلين إليها! كم مرّة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدّجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا، هو ذا بيتكم يترك لكم خرابًا13:34: ص114.”


يبدو لي بأنّ الاقتباس من الآيات القرآنيّة، ليس ضروريًّا، فهذا المنحى ضروريّ بكتابة الأبحاث والمقالات العلميّة والإرشاد الدّيني؛ الاستغناء عن الاقتباسات سواء كانت دينيّة أم غيرها، لا تُنقص من قيمة وجودة الرّواية. اهتم الكاتب بكتابة العنوان “سبيطة” قبل الأيام الأخيرة؛ بمعنى وصف الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة قبل انهيار المدينة وخرابها، وسقوط حكّامها عن عروشهم.


احتلّت مدينة القدس مكانة عالية في الرّواية، وحظيت في وصف جميل ورائع يليق بها؛ تكاد تخالها جنّة على وجه الأرض: ” أطلّت القبّة الذّهبيّة وقد عكست شمس الظّهيرة، فبدا وكأن ّالسّماء فيها شمسان، وشمخت المآذن وأبراج الكنائس وتعانقا وكأنّها تصعد معًا إلى عنان السّماء، وتلفّعت المدينة المُقدّسة بثوب أخضر من أشجار الزّيتون، فبدت وكأنّها اكتسب بإستبرق الجنان”. ص 113.


رمز الكاتب تفاؤله نحو بقاء القدس وصمودها، وبأنّها سوف تنبض بالحياة كما ذكر ص 225 : ” قلت في نفسي: ” هل ستنهض هذه المدينة من جديد؟ ضحكت في نفسي: ” هذه المدينة حيّة إلى الأبد، لا تموت”.


تبدو هذه الرّواية نوع من الفانتازيا التّاريخيّة، حملت في ثناياها الرّمزيّة، والعديد من العبر والدّلالات السّياسيّة والاجتماعيّة، مطابقة لعصرنا الحالي في عالمنا العربي والإسلامي. فيها دعوة للخير والصّلاح، وتوحيد الصّف، والثورة على الظّلم والاستبداد؛ ودعم الإرادة وعدم الاستسلام، للدفاع عن الحريّة والكرامة.


تكلّلت الرّواية بسمة الخيال الخصب، الّتي صاغها الرّوائي دعيس، بسرديّته الأدبيّة السّلسة؛ والّتي تضع القارئ في حالة الانجذاب والانسياق في قراءتها من البداية حتّى النّهاية.


لاختيار الأسماء في الرّواية، لها دلالات خاصّة، مثلّا: الشيماء أطلقها على اسم البطلة الّتي خرجت عن قوانين العائلة، بهروبها مع الحبيب، ولكن المتسلّطين أبعدوه عنها، وظلّت شامخة بأخلاقها، عندما لجأت لعائلة الحنيني في القدس وعادت إلى بلدتها مرفوعة الرّأس. معنى الشيماء: الأنثى الّتي في بدنها علامة أو شامةن وأطلق الكاتب هذا الإسم تيمّنً باسم شيماء بنت الحارث السّعديّة، اخت النبي (صلى الله عليه وسلّم) ويكبيديا.


الاسم الثّاني عيسى، ربّما تيمّنًا بسيّدنا عيسى عليه لسّلام، الّذي تحلّى بالصّدق والإخلاص، كما أراد الكاتب للرّاوي أن يكون، بعيدًا عن الجنون؛ ونظرُا لوجود المسيحيين في تلك المدينة.


الاسم الثّالث: لؤلؤة هو اسم ذو صفة اللّؤلؤ بمعنى “(الدّر) وهويتكوّن في الأصداف من رواسب ، أو جوامد صلبة لمّاعة”، الّتي تصدر لمعانًا نسبة للحكايات التي قصّها على الجمهور، فكانت محط الأنظار والسّمع، مثل اللّؤلؤة.
رواية سبيطة رواية استوفت عناصر الرّواية كاملة، وتستحق القراءة، فهي ذات قيمة عليا، حبّذا لو تتم ترجمتها للغات أجنبيّة أخرى.
تمّت بحمد الله

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم عدة قرى غرب جنين

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، عددا من القرى غرب جنين، بالتزامن مع تواصل …